هكذا عشت حياة المليارديرات.. ولكن ليوم واحد

تجربة يرويها صحافي أميركي

الكاتب كيفن روز الذي عاش يوما بأكمله كملياردير يأخذ المقاييس لبدلة من بيت الموضة الشهير «كليفتون بيري» في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

لدي مشكلة كبرى: تطلعت للتو لساعتي «شوبارد» التي يبلغ سعرها 45,000 دولار، والتي كشفت لي أن السيارة «الرولز رويس» التي ستقلني إلى المطار ربما لا تصطحبني إلى المطار في الوقت المحدد لإقلاع طائرتي الخاصة. نعم أعلم أن ورطتي ليست سيئة لدرجة يمكن مقارنتها بمصائب الآخرين. فهي لا ترقى إلى مستوى تفشي حالات الإصابة بوباء الملاريا في الكونغو أو مظاهرات الشوارع في أثينا. لكنها بالنسبة لي مسألة خطيرة، نظرا لأن مهمتي اليوم تتمحور حول استغلال الطائرة في الوقت المحدد. «زد سرعتك يا مايك»، هكذا أصدرت تعليماتي للسائق الذي يقود السيارة التي يبلغ سعرها 350,000 دولار متجها إلى الممر الأيسر من ويست سايد هاي واي في نيويورك بجزيرة مانهاتن.

دعوني أرجع بالزمن للوراء قليلا. بوصفي محررا يكتب عن وول ستريت، أمضي قسطا كبيرا من الوقت مع الأثرياء. غير أن وجهي عادة ما يبدو غريبا في مواجهة النافذة المطلية بالذهب. إنني لم أتناول الطعام في «بير سي» أو أذهب لركوب الزوارق في شاطئ الريفييرا الفرنسي على الإطلاق. أعيش في شقة صغيرة في حي بروكلين، ونادرا ما أستقل سيارات أجرة، وأشعر كما لو أني أرسل تايم وارنر إلى لاهاي في كل مرة تصلني فيها فاتورة الهاتف.

لكن على مدار الأربع والعشرين ساعة المقبلة، سيكون هدفي أن أعيش كملياردير. أرغب في تذوق طعم الرفاهية لفترة وجيزة، أقود السيارات التي يقودها سائقو المليارديرات والطائرات الخاصة وصالات كبار الزوار والامتيازات التي لا حدود لها التي يتمتعون بها، ثم أعود مرة أخرى إلى حياتي العادية.

تبرز التجربة نوعا من التناقض. ففي عصر حركة «احتلوا وول ستريت»، مع اتهام النخبة من رجال المال في العالم بارتكاب ممارسات لا أخلاقية ومشينة، ما زلنا مولعين بأسلوب حياة الأفراد شديدي الثراء. فنحن نشاهدهم في البرامج التلفزيونية ونتابع أخبارهم في المجلات ونحلل كتاباتهم وخطاباتهم بحثا عن نصائح مفيدة. وإضافة إلى القائمة الطويلة التي تقدمها مجلة «فوربس»، تحتفظ وكالة «بلومبرغ» الآن بقائمة بأسماء مليارديرات ملحق بها تصنيفات يتم تحديثها يوميا.

لقد طرحت على نفسي بالفعل السؤال التالي: ما أعظم ميزة يمكن تحقيقها حينما تكون مليارديرا؟ ما نوعية الامتيازات والفوائد التي تعود على المرء من امتلاك مليار دولار؟ يمكنني أن أتعمق في نفوس الأفراد شديدي الثراء بالسير لمسافة ميل واحد مرتديا حذاء فيراغامو. وها أنا أروي التجربة التي عشتها ليوم واحد.

في تمام الساعة السادسة صباحا، أتى مايك، السائق الذي يعمل لدى «فلايت تايم وورلد وايد»، لاصطحابي بالسيارة. فتح أبواب سيارة «الرولز رويس» ليكشف عن مساحة داخلية ناصعة البياض أرضيتها مفروشة بحصير من صوف الحملان وأجهزة تلفزيون في المقعد الخلفي ومقعد يسمح بمد الرجلين لمساحة كبيرة أشبه بمساحة ملعب كرة قدم. تم إقراض السيارة لي، مثل الساعة، من قبل الشركة المكلفة بتدبير حاجيات «يوم الملياردير»، فيما سددت صحيفة «نيويورك تايمز» تكلفة خدمات أخرى.

اصطحبني مايك إلى موعدي الأول، تناول الإفطار في نادي «كور» في ميد تاون. ونادي كور مثلما يطلق عليه المدعوون، هو نادٍ لا يسمح بدخوله إلا للأعضاء فقط باشتراك باهظ - 15,000 دولار سنويا، إضافة إلى رسم أولي قيمته 50,000 دولار - وسجل عضوية يضم أسماء مصرفيين بارزين أمثال ستيفن إيه شوارزمان من «بلاك ستون غروب» ودانيال إس لويب من «ثيرد بوينت». وعلى مائدة الطعام بالنادي قدمت أطباق الأومليت بالسبانخ، حدثتني جيني إنتربايس، مؤسسة النادي عن مزايا امتلاك مكان منعزل مخصص لـ«الأشخاص شديدي الثراء» ليجتمعوا فيه بعيدا عن ضجيج غرفة اجتماعات مجلس الإدارة. قالت: «إنهم يرغبون في مكان يحترم خصوصيتهم». وأضافت: «يرغبون في مكان يمكن أن يتحولون فيه بشكل تلقائي من متاعب العمل إلى الترفيه، مكان يستغلون فيه وقتهم الاستغلال الأمثل».

بعد تناول الإفطار، هرعت إلى السيارة للتوجه بسرعة إلى مطار تيتربورو في نيوجيرسي، حيث كان من المقرر أن ألتقي بملياردير يصطحبني في رحلة على متن طائرته النفاثة الخاصة. كان من المقرر أن يهبط الملياردير، وهو مدير صندوق تحوط، في جورجيا وعرض أن يسمح لي بإجراء حوار معه أثناء رحلته الترفيهية التي تستغرق ساعتين شريطة ألا أكشف عن هويته.

وصلت بعد عدة دقائق من وصول الملياردير، مخالفا القاعدة الأساسية الخاصة بالطيران الخاص: ألا آتي متأخرا عن صاحب الطائرة. إلا أنه سمح لي بالصعود على متن الطائرة. اتجهت إلى مهبط الطائرات ومنه مباشرة إلى «غالف ستريم آي في»، قبل أن أجلس على مقعد له ذراعان من الجلد المرن، والذي يدور بزاوية 360 درجة وينحني إلى الوراء بمجرد الضغط على زر. حياني خادم الطائرة بتقديم قدح من القهوة وطبق من حلوى البارفيه المعدة من الزبادي.

استعددت لهذا اليوم بارتداء بزة مخططة أشبه بملابس البحرية - انتقاها لي كليفتون سي بيري، الذي يزود العاملين في وول ستريت بملابس من خط ملابس الرجال التي يتم تصنيعها خصيصا حسب الطلب. ربما يكون هذا أفضل مظهر ظهرت به على مدار العام. لكني بدوت في مظهر متبرج لا يليق باجتماع مع الملياردير، الذي كان يرتدي سترة وبنطلون جينز وحذاء من دون جورب. أثناء الرحلة، سألت الملياردير عما يعنيه أن تكون من بين أغنى الأشخاص في العالم.

أجابني قائلا: «انظر. أعتقد أن جل فائدة ذلك أنه يجعل الأمور أسهل».

على غرار السواد الأعظم من الأثرياء الذين قد التقيت بهم أثناء تغطيتي الأحداث في سوق «وول ستريت»، بدا وكأنه يقلل من أهمية فكرة امتلاك أموال طائلة. قال: «الأشخاص المبتهجون الذين يجمعون ثروات طائلة يظلون على حالة البهجة التي هم عليها. إذا كان ثمة شخص أحمق، فسوف يظل أحمق عندما يصبح مليارديرا».

لقد أبرزت مجموعة دراسات، من بينها واحدة أجريت في عام 2010 من قبل الباحثين دانييل كانيمان وأنغوس ديتون من برينستون، حقيقة أن الأثرياء ليسوا أكثر سعادة من الأفراد العاديين، بل عادة ما يكونون مثقلين بالمشكلات ذاتها: المشكلات الصحية ومشكلات العمل والهموم الأسرية والمخاوف المتعلقة بتحقيق الأهداف. ذهبت إلى الدكتور جيم غروبمان، عالم النفس الإكلينيكي المتخصص في علاج الأثرياء، لمساعدتي في فهم فكرة أن المليارديرات، في حقيقة الأمر، مثلنا.

حدثني غروبمان قائلا: «الحقيقة منافية تماما لما تم تلقينه لنا طوال حياتنا. لكنها حقيقة مؤكدة».

بعد ساعتين، حينما هبطت أنا والملياردير على جزيرة «سي أيلاند» في جورجيا، بات من الصعب أن ألاحظ أوجه التشابه. عند نزولنا من الطائرة، كانت في انتظارنا سيارة مرسيدس بسقف متحرك. ركبناها، وقمنا بجولة حول المنتجع، حيث شاهدنا الفيلات التي تبلغ تكلفة إنشائها مليارات الدولارات وملاعب الغولف المشذبة.

وفي كل مكان يقصده، كان الملياردير الذي أصحبه يحظى بخدمة أربع نجوم. تفتح له الأبواب ويتم حمل أمتعته من دون التفوه ببنت شفة، وفي بعض الأماكن، تقدم له أكواب مشروب الشوكولاته الساخن وأطباق الكعكات المحلاة. وعندما تصدر فرامل السيارة أصوات طقطقة ويخرج الدخان من السيارة، يستقل سيارة مرسيدس أخرى. «بعض الناس قدر لهم أن يحيوا هذا النمط من الحياة»، هكذا يقول مشيرا إلى المشهد الرائع الذي تطل عليه فيلته. وأردف قائلا: «قدر الله لي أن أنعم بهذا النمط من الحياة». بعد ثلاث ساعات، عقب عودتي بالطائرة إلى نيويورك، استقبلني ستيف روبينو، محقق شرطة سابق من فلوريدا كان قد تم التعاقد ليكون حارسا شخصيا لي. وتعتبر الشركة التي ينتمي إليها روبينو، وهي شركة «ريسك كونترول استراتيجيز»، واحدة من أبرز شركات الأمن عالية المستوى، حيث تزود كبار رجال الأعمال بأنظمة أمن منزلية رائعة، كما تحميهم أثناء سفرياتهم.

«علينا أن ندرب عملاءنا في بعض الأحيان»، هكذا تحدث روبينو، الذي يتقاضى 250 دولارا في الساعة نظير خدماته. وأضاف: «ربما يبدو من غير المريح ألا تكون قد اعتدت على التمتع بخدمات أمنية. لكن الناس اعتادوا عليها». اصطحبني روبينو، الذي صاحبني عبر «تايمز سكوير»، إلى موعدي التالي: جلسة تدريب شخصي في «سيتاراس فيتنس». كان بانتظاري لدى وصولي جون سيتاراس، لاعب كمال أجسام سابق قام بتدريب رئيس «جنرال إلكتريك» السابق، جون إف ويلش جيه آر، وعبقري المضاربة جورج سوروز، وبول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيدرالي. يدفع أعضاء صالة الألعاب الرياضية البالغ عددهم 140 عضوا 13,000 دولار سنويا للتدريب وسط زملائهم من العظماء في هذا المرفق البراق المؤلف من اثني عشر طابقا. «هيا بنا يا بطل»، هكذا خاطبني سيتاراس، بعد أن ارتديت ملابسي الرياضية على مهل في حجرة تغيير الملابس. وأضاف: «ليس لدينا وقت لنضيعه». ربما يكون مدرب شخصي واحد كافيا لشخص عادي، غير أن عملاء «سيتاريس فيتنس» يتدربون مع فرق يديرها مدربان. بينما يقودني سيتاريس عبر مجموعة صفوف عمودية، كان شخص ثانٍ مختص بتدوين الملاحظات يقوم بتسجيل تقدمي ويأتي بالأثقال وبزجاجات مياه.

أحد أبرز الأشياء التي لاحظتها حتى الآن أنك عندما تصبح مليارديرا، لا تكون وحيدا على الإطلاق. فطوال اليوم، يكون معك زمرة من المدربين والمرافقين الذين لا يألون جهدا في سبيل تلبية رغباتك. بينما أنا وحدي في غرفة تغيير الملابس بعد انتهائي من التمرين، شعرت بعدم الاستقرار. تساءلت: أين حارسي الخاص؟ أين سائقي؟ لماذا لا يقدم لي شخص ما أيا من أنواع المقبلات بينما أقوم بغسل شعري بالشامبو؟ سألت الدكتور غروبمان، الطبيب النفسي المتخصص في علاج الأثرياء، عما إذا كان افتقار الملياردير للخصوصية يصبح نتيجة حتمية. أجابني قائلا: «بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، تعتبر القدرة على العيش في وحدة وفي حالة من الاسترخاء مع كل هؤلاء الأفراد المحيطين بك نادرة».

يؤسفني أن أعترف بذلك، لكن اليوم الذي خضت فيه تجربة حياة المليارديرات كان مرهقا جدا. من دون مساعد، كان مجرد التعايش مع مئات الأجزاء المتحركة - السائق وأدق تفاصيل الإجراءات الأمنية والجدول المحدد دقيقة بدقيقة - بمثابة عمل بنظام الدوام الكامل.

عندما انتهت ليلتي بعد منتصف الليل، بعد حضور عرض لمسرحية «ماكبث» في أوبرا ميتروبوليتان والقيام برحلة إلى ملهى ليلي يحمل اسم «ذي بوكس»، حدث أمر مضحك. أدركت أنني في حالة يطلق عليها علماء النفس «انفصام الثراء المفاجئ». وتعتبر هذه الحالة واحدة من صور تضارب الأفكار، تذبذب سريع بين الاشمئزاز والانجذاب. فمن ناحية، انجذبت إلى نمط حياة المليارديرات والامتيازات المقترنة به. غير أن هذا النمط من الحياة يبدو كاريكاتيريا جدا، ومبهرجا بشكل مبالغ فيه، إلى الدرجة التي لا أشعر معها باليقين من أنه يمكنني الاعتياد عليه مطلقا.

طمأنني غروبمان أنني لو كنت مليارديرا حقيقيا، لأمكنني التخلص من هذه الحالة من التذبذب في الوقت المناسب. ولحسن الحظ، ليس لزاما علي أن أكون كذلك. عندما استيقظت في صباح اليوم التالي، شقت ساعتي «تايمكس»، التي اشتريتها من أوكازيون قبل عامين، مجددا طريقها إلى معصمي. ارتديت حذائي المعتاد وسترتي الزرقاء، التي بها ثقب في الجيب. وفي طريقي إلى نفق المشاة، عرجت على القهوة وطلبت فنجان كابوتشينو. كان شبه محترق، كما هو الحال على الدوام. لكن في هذا الصباح، في ظل عجلتي، بدا مذاقه لذيذا جدا بحق.

* خدمة «نيويورك تايمز»