خبراء اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط»: كل المؤشرات تدل على قتامة مستقبل الاقتصاد العالمي

توقعوا هبوط السوق الأميركية وانخفاض السندات

سيدتان صينيتان في سوق اللحوم في بكين في وقت يرتفع فيه التضخم (أ.ف.ب)
TT

أبدى خبراء اقتصاديون خشيتهم من مغبة اندلاع حرب ضارية على إيران، بسبب عدم موافقتها على إيقاف العمل في إنشاء مفاعلها النووي، لتكون الضلع الثالث لأزمة الاقتصاد العالمي، مع عدم استقرار منطقة اليورو وتفاقم أزمة ديون اليونان، وبروز أزمة بطالة في إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا، في ظل توقعات باضطراب متصاعد لأسعار البترول، تأثرا بأحداث تسونامي إندونيسيا، وبؤر الأحداث الساخنة في منطقة دول الربيع العربي.

وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد شمس، رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية، أن التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي تنذر بمستقبل مظلم على المدى القريب على الأقل. وربط شمس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» هذه التوقعات بما يكشف عن وضع الاقتصاد الأميركي الذي ينمو ببطء، مبينا أن معدل البطالة في هذه البلاد انخفض إلى نسبة 8.2 في المائة في مارس (آذار) 2012، لكنه اعتبرها محصورة التأثير في زيادة الوظائف في أوساط العمالة الأميركية، رغم أن ذلك جاء عكس التوقعات التي سبقت شهر فبراير (شباط) الذي كانت التوقعات تشير فيه إلى انخفاض معدل البطالة من 8.3 إلى 8.2 في المائة.

وقال «بصفة عامة فإن نمو الاقتصاد الأميركي متواضع، غير أن التخوف يأتي من عدم استقرار منطقة اليورو، وبالذات أزمة الديون باليونان، كما تطفو حاليا أزمة الديون في إسبانيا، حيث يبلغ معدل البطالة فيها نحو 23 في المائة، وكذلك ارتفاع معدل البطالة في البرتغال، حيث بلغ 15 في المائة، ناهيك عن معدل البطالة في فرنسا الذي يبلغ 10 في المائة، فيما وصل في إيطاليا إلى 9.3 في المائة».

ويعتقد شمس أن معدلات البطالة تسبب عدم استقرار في الاقتصاد العالمي، بجانب أسباب أخرى رئيسية، منها ارتفاع أسعار البترول، بجانب المخاطر التي يمكن أن تنشأ من الهجوم على إيران نتيجة عدم موافقتها على التوقف عن الاستمرار في إنشاء مفاعلها النووي.

وأضاف أن هناك عدة مخاوف أخرى تبدد النظرة التفاؤلية في ما يتعلق باتجاهات الاقتصاد العالمي، منها الأحداث والكوارث الطبيعية الآنية، والتي تتمثل في تسونامي إندونيسيا والهند واليابان، وهو ما من شأنه إحداث نتائج، تنعكس سلبا على الطلب العالمي، على السلع والخدمات، وبالتالي خفض الصادرات والواردات.

وفي حديث ذي صلة، أوضح شمس أن النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته الصين في 2011 و2012 تقلص في نهاية 2011 وفي الربع الأول من 2012 ووصل إلى 8.6 في المائة، وهذا برأيه يشكل معضلة اقتصادية للدول الاقتصادية، التي تستورد منها الصين الكثير من المواد الأولية، في الوقت الذي يؤثر فيه انخفاض النمو الاقتصادي الصيني بشكل مباشر على نمو الاقتصاد الأميركي، من ناحية الميزان التجاري.

وأضاف أن الاقتصادي العالمي الوضع بصفة عامة لا يبشر بنمو اقتصادي كثير في النصف الثاني لعام 2012، مستندا في ذلك إلى قول بن برنانكي رئيس البنك الفيدرالي الأميركي، والذي أكد فيه أن النمو الاقتصادي الأميركي لا يزال في مرحلته الأولى، ولا يمكن الاعتماد الكبير على الانخفاض في معدل البطالة، الذي وصل إلى 8.2 في مارس 2012 كمؤشر إيجابي لنمو اقتصادي كبير في النصف الثاني لعام 2012.

وأشار شمس إلى أن سوق الأسهم العالمية انخفضت الثلاثاء الماضي، بسبب تخوف المساهمين في الاقتصاد العالمي مما قد يؤول إليه وضع الاقتصاد العالمي في النصف الثاني لعام 2012. وأوضح أنه في خضم هذا الوضع المتذبذب، فإن اليابان ما زالت تعاني من انخفاض حاد في أسعار السلع والخدمات والبترول، حيث يتجه الصعود في أسعار البترول إلى ما يزيد على 120 دولارا للبرميل، في الوقت الذي تزيد فيه الأزمة الإيرانية من سخونة الموقف السياسي، الذي قد يؤدي بدوره إلى اصطدام عسكري يزيد الطين بلة. ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الانتباه إلى انعكاسات البؤر الساخنة الأخرى، لا سيما ما حدث في دول الربيع العربي، وتأثير ذلك على أسواق البترول العالمية والتوجه السياسي في هذه المناطق.

وعلى صعيد الاقتصاد السعودي، يعتقد شمس أن الارتفاع المستمر في أسعار البترول يؤدي إلى زيادة الإيرادات السعودية، لكن من ناحية أخرى فإن الركود الاقتصادي في أوروبا وأميركا وآسيا يؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي على البترول، مما يؤدي هو الآخر بدوره إلى خفض إيرادات البترول السعودي، فضلا عن أن وجود نمو بطيء جدا في الاقتصاد العالمي لا ينعكس إيجابيا على أي دولة في العالم، ومنها السعودية.

أما الخبير الاقتصادي منصور بن ناصر الشتري، فلم يذهب في حديثه عن الاقتصاد العالمي واتجاهاته بعيدا عن اتجاهات الاقتصادي الأميركي، ذلك لأنه يؤثر بشكل مباشر في مستوى النمو هبوطا وصعودا، في الاقتصاد العالمي المنهك. ويعود الشتري بنا إلى أن معظم النمو في 2011 في أميركا كان اصطناعيا، نظرا لضخ البنك المركزي الأميركي نقدا بكميات هائلة في الاقتصاد، مبينا أن الهدف من ضخ هذه النقود في الاقتصاد هو شراء سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي ارتفاع سعرها ومن ثم قلة العائد وبالضرورة الفائدة المدفوعة.

وفي الوقت نفسه، فإن انخفاض الفائدة المدفوعة يقلل الكلفة على القروض لشراء منزل، بحكم أن هذه القروض تسعر على أساس فائدة السندات، مبينا أن البنك المركزي هدفه الرئيسي زيادة الإقبال من المستهلك على شراء منزل لأن قطاع العقار برأيه يقود إلى التعافي من الكساد. ‎وأشار الشتري إلى تقرير العمالة لشهر مارس، مبينا أنه جاء أقل من التوقعات، حيث كان التوقع أن يزيد عدد العمالة 200 ألف، بينما وقفت الزيادة الحقيقة عند 120 ألفا. ولذلك رأى ضرورة تصحيح المعلومات التي وردت عن معظم الأسواق هذا الأسبوع بما فيها السعودية وأميركا، خاصة تلك التي وردت في التقرير الذي صدر في 6 أبريل. وأضاف الشتري أن معظم الارتفاعات في السوق الأميركية جاءت بسبب أن السندات مرتفعة وعائداتها منخفضة، مبينا أن معظم المضاربين في سوق الأسهم يتوقعون ضخا آخر للسيولة، مشيرا إلى أنه في حال تأخر ذلك فمن المتوقع أن يبدأ مسار نازل للسوق الأميركية مع عودة السندات للانخفاض.

وفي ختام حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أشار الشتري إلى أن بنك «مورغان ستانلي» كان قد وضع توقعاته بأن يكون مؤشر «S & p» عند نقطة 1400 في نهاية العام، مبينا أن المؤشر كان عند نقطة 1380 لحظة التصريح مع العلم بأنه ما زال يتبقى 8 شهور على نهاية السنة. وكان تقرير صدر عن بنك «ساراسين» توقع أن تحدث نظرة عالمية تفاؤلية، حول الاقتصاد العالمي، وذلك بأن تعود أميركا، ومنطقة اليورو، إلى مسار النمو في الربع الثاني من عام 2012، مع الاستمرار في النمو خلال الربع الثالث من العام، بصرف النظر عن تخفيف أزمة الائتمان وتراجع أزمة ديون اليورو.

وأوضح التقرير أن هبوط مستوى المخاطر أثار موجة صعود قوية في الأسواق المالية، متفائلا باستمرار أسواق الأسهم في الارتفاع، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ قليلا، مع الإشارة إلى أن سيناريو سوق الأسهم يظهر إمكانات منطقة اليورو وبلدان الأسواق الناشئة، مع توقعات بارتفاع سوق الأسهم الألمانية كأكبر المستفيدين في منطقة اليورو، مصحوبا بانخفاض أداء الأسهم الدفاعية السويسرية عن المستوى المطلوب. ويرى أنه مع تراجع المؤشرات الاقتصادية العالمية وتوفير البنوك المركزية سيولة سخية، فإن الجانب السلبي من المخاطر على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية قد تقلص بشكل كبير، متوقعا أن يتسارع النمو خلال الأشهر المقبلة، ويستمر في الربع الثالث من عام 2012.