المصارف الأميركية تخطب ود العملاء محدودي الدخل

من خلال تقديم منتجات بديلة بمصاريف أعلى

مواطن أميركي يستخدم ماكينة لمصرف «بنك أوف أميركا»
TT

حينما ذهب ديفيد فغنر لفتح حساب جار في يناير (كانون الثاني) الماضي، كان لديه بالفعل عروض للحصول على منتجات مالية رخيصة، مثل بطاقة مدينة مدفوعة مقدما تحمَّل عليها مصروفات كثيرة، وقرض عاجل قصير الأجل في حالات الطوارئ، وخدمات تحويل الأموال، وخيارات لصرف الشيكات.

وقد انتهى الأمر بفغنر (36 عاما)، وهو مساعد تمريض في مقاطعة مينابوليس، إلى اختيار فرع محلي لمصرف «يو إس بنك»، والابتعاد عن جهات الإقراض بضمان الراتب ومكاتب الرهن وشركات الخدمات المالية المنتشرة في منطقته. يقول فغنر: «كان يمكن أن أذهب أيضا إلى إحدى جهات الإقراض بضمان الراتب». وإلى جانب فتح حساب جار، اختار فغنر الحصول على قرض قصير الأجل بقيمة ألف دولار لمساعدته على دفع نفقات علاجه من تليف المرارة، وتصل مصاريف هذا القرض إلى 100 دولار، وهي قابلة للزيادة في حالة عدم السداد. ويتجه عدد متزايد من المصارف الكبرى في البلاد - ومن بينها «يو إس بنك» ومؤسسة «ريجنز فاينانشال» وشركة «ويلز فارغو» - بقوة إلى خطب ود العملاء محدودي الدخل من أمثال فغنر، من خلال تقديم منتجات بديلة تدر مصاريف أعلى. ومن أسباب التوسع السريع في تلك العروض أن هذه المنتجات لم تتأثر في الغالب بالضوابط المالية الأخيرة، إضافة إلى تعويض مليارات الدخل المفقود نتيجة القيود التي فرضت مؤخرا على مصروفات بطاقات الائتمان والبطاقات المدينة.

وتقول المصارف إنها تقدم خدمة قيمة للعملاء الذين، لولا تلك الخدمات، ما كانوا سيتمكنون من التعامل مع القطاع المصرفي التقليدي، وإنه يمكنها تقديم تلك الخدمات بأسعار تنافسية. ويقول «مكتب الحماية المالية للمستهلك»، وهو وكالة فيدرالية جديدة، إنه يعمل على التحقق من ارتكاب المصارف لأي مخالفات لقوانين حماية المستهلك أثناء تسويق منتجاتها.

وفي خضم الاندفاع نحو هؤلاء العملاء، تتمتع المصارف في الغالب بميزة على شركات القروض بضمان الراتب وغيرها من جهات الإقراض السريع، لأن المصارف، رغم وجود لوائح وضوابط تحكمها، لا تخضع في المعتاد لحدود معدل الفائدة التي تفرض على القروض بضمان الراتب وغيرها من المنتجات البديلة.

وتشعر بعض الجهات التنظيمية الفيدرالية وجماعات الدفاع عن حقوق المستهلك بالقلق من أن المصارف بهذا ربما تدفع الناس الذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا من السلم الاقتصادي إلى التعامل مع منتجات غالية نسبيا بينما توجد خيارات منخفضة التكلفة في المصارف وغيرها من المؤسسات.

يقول مارك ويليامز، مفتش سابق ببنك الاحتياطي الفيدرالي: «هذا تطور مقلق للعملاء الفقراء. إنهم ينزلقون نحو خيارات ذات مصروفات مرتفعة».

ويقول ريتشارد كورداي، مدير المكتب: «نحن نكيل المنتجات المالية البديلة التي تقدمها المؤسسات سواء المصرفية أو غير المصرفية بنفس المكيال، وهو: ما هي المخاطر التي يتعرض لها المستهلك؟ أي ممارسات تجعل من الصعب على المستهلك توقع المصاريف المرتفعة وتجنبها سوف يكون مثارا للقلق».

ويقول المحللون في القطاع المصرفي إن إقراض العملاء محدودي الدخل، وخاصة من لديهم تاريخ ائتماني غير جيد، يحتاج إلى كثير من التحوط، وإن المصارف تضطر أحيانا إلى تحصيل مصاريف أعلى من أجل تغطية المخاطر التي تتعرض لها. ولكن في استبيان تم في شهر أبريل (نيسان) الجاري حول البطاقات المدفوعة مقدما، وجد اتحاد المستهلكين أن البطاقات المدفوعة مقدما التي تقدمها بعض المصارف تأتي بمصروفات أقل من تلك التي يقدمها المنافسون في المؤسسات غير المصرفية.

ورغم أن المصارف كانت في الماضي تقدم قروضا قصيرة الأجل وبعض خدمات صرف الشيكات، فقد بدأت حاليا في تقديم منتجات جديدة والتوسع في بعض المنتجات الموجودة بالفعل. ففي الشهر الماضي، قامت شركة «ويلز فارغو» بتقديم بطاقة مدفوعة مقدما قابلة لإعادة الشحن، بينما كشفت مؤسسة «ريجنز فاينانشال» في مدينة برنمنغهام بولاية ألاباما النقاب عن مجموعة منتجات «ناو بانكنغ» الجديدة، التي تتضمن سداد الفواتير وصرف الشيكات وتحويل الأموال وبطاقة مدفوعة مقدما.

والغرض من هذه الحزمة كما يقول جون أوين، الرئيس التنفيذي ونائب الرئيس لشؤون خدمات العملاء بالمصرف، هو جذب «الشريحة المتنامية من عملاء السداد السريع».

وتعد حزم العروض تلك أحدث تحول في نظام «بيع منتجات جديدة للعملاء القائمين» (cross selling)، حيث تتنافس جهات الإقراض للفوز بحصة كبيرة من أنشطة العملاء من خلال صفقات خاصة بالحسابات الجارية وحسابات الادخار والرهون العقارية.

ويرى المستشارون المتخصصون في القطاع المصرفي أن الوصول إلى ما يسمى «الفئات غير المتعاملة مصرفيا» - وهم الناس ذوز الاستخدام المحدود أو المعدوم للخدمات المصرفية - ربما يكون مربحا، إذ يؤكد كمبرلي غارتنر، نائب الرئيس لشؤون الخدمات الاستشارية في «مركز الابتكار في الخدمات المالية»، أن هؤلاء المقترضين يمثلون سوقا غير مستغلة تصل قيمتها إلى 45 مليار دولار.

وتقدر «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» أن هناك نحو تسعة ملايين أسرة في البلاد ليس لديها حساب مصرفي تقليدي، بينما يوجد 21 مليون أميركي (أو 18 في المائة) لديهم معاملات مصرفية محدودة.

ويقول فغنر، عميل مصرف «يو إس بنك»، إنه بمجرد أن ذكر أنه بحاجة إلى حساب مصرفي، بدأ الموظف يعرض عليه خيارات للحصول على بطاقات مدفوعة مقدما وخدمة صرف الشيكات وقرض قصير الأجل. ويضيف فغنر، الذي يحصل على نحو 1200 دولار في الشهر، أنه شعر كما لو كان عميلا من الدرجة الثانية. وتابع: «كان واضحا أنني لا أتلقى نفس المعاملة التي يتلقاها العملاء الأثرياء»، موضحا أنه بدأ منذ تلك الزيارة الأولى يتحاشى الذهاب إلى الفرع كي لا يتلقى تلك العروض، وتقول هيئات الدفاع عن حقوق المستهلك إن القروض المصرفية بضمان الراتب، التي تمنح في صورة مبالغ مقدمة بضمان الراتب تخصم مباشرة من المنبع، تمثل جزءا مثيرا للقلق من ذلك التوجه الجديد لدى جهات الإقراض، فالقروض قصيرة الأجل عالية المصاريف، كذلك الذي حصل عليه فغنر، لا تقدم سوى في عدد بسيط من المصارف، ومن بينها مصرف «ويلز فارغو». وفي مايو (أيار) الماضي، قامت مؤسسة «ريجنز فاينانشال» بطرح قرض «ريدي أدفانس» بعد أن وجدت أن بعض عملائها بدأوا يتجهون نحو جهات الإقراض السريع بضمان الراتب.

وهذه القروض قد تصبح مكلفة للغاية، فحينما يحل موعد استحقاق القرض، يسحب المصرف تلقائيا من الحساب الجاري الخاص بالعميل مبلغ القرض ومصاريف فتح الحساب - وهي تكون في العادة 10 دولارات لكل 100 دولار يتم اقتراضها - بغض النظر عما إذا كان هناك ما يكفي من الرصيد في الحساب، وهذا قد يؤدي إلى السحب على المكشوف وإضافة مزيد من المصاريف التي تترجم إلى معدل فائدة سنوية يتجاوز 300 في المائة، بحسب «مركز الإقراض المسؤول».

* خدمة «نيويورك تايمز»