أرقام الوظائف تتحول إلى وقود للحملات الانتخابية الأميركية

رومني وأوباما استخدماها في خطبهما أكثر من مرة

المرشح الأميركي ميت رومني والرئيس الأميركي باراك أوباما خلال حملتهما الانتخابية (أ.ب)
TT

استنكر المرشح الجمهوري ميت رومني، يوم الجمعة الماضي، التراجع غير المتوقع في أعداد الوظائف، مشيرا إلى أنه «تقرير مفزع ومثير للإحباط»، ودليل على أن الاقتصاد «بطيء لا ينمو بصورة مرضية». بينما علق أوباما على التقرير بالتصريح أمام المعلمين الأوائل في ثانويات ولاية فيرجينيا بأنه سيحث الكونغرس على تبني بعض الأفكار الجديدة مثل عدم رفع معدلات الإقراض لقروض الطلاب.

ويشير هذا التباين في ردود الفعل إلى الاختلافات الطبيعية بين الرئيس ومنافسه، والبون الشاسع في حديث أوباما ورومني، المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة، عن الاقتصاد كانتعاش قوي لا يزال يخدع البيت الأبيض.

دفع الرئيس جاهدا بعدد من المقترحات التي قال إنها ستعمل على تحسين حياة الأميركيين من متوسطي الدخل - من توظيف معلمين ورجال إطفاء إلى إعادة تمويل الرهون العقارية للمنازل - كوسيلة لإحياء سوق الوظائف الأوسع في وجه كونغرس عدائي. فيما حاول رومني مواصلة التركيز على الصورة الأكبر - التي تكشف عن رئيس فشل في مهمته كراع للاقتصاد.

لم يكن الشهر الثاني على التوالي من النمو الضعيف في فرص الوظائف موضع ترحيب من جانب البيت الأبيض عشية أول تجمع كبير في حملة إعادة انتخاب أوباما، في أوهايو وفيرجينيا، وهو ما يؤكد بقوة على أن الاقتصاد سيظل القضية المهيمنة على الحملة، مما يجعل من الصعب على الرئيس التحول للتركيز على القضايا الاجتماعية أو الأمن القومي، حيث يحظى الرئيس بموقف أقوى.

لكن، بحسب اقتصاديين، ومحللين سياسيين ومستشاري البيت الأبيض، لم تكن كشوف الرواتب بذلك القدر من السوء لتغيير الخط الرئيسي للاقتصاد الذي ينمو ببطء لكن بشكل ثابت، بعيدا عن الركود التاريخي.

فيقول غاريد بيرنستين، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق لنائب الرئيس جوزيف بايدن «تقارير شهر واحد أو شهرين لا تشكل توجها، لكنها تجعلك قريبا منه، فعندما تشهد تباطؤا في كشوف الرواتب على مدى ثلاثة أشهر إلى جانب مؤشرات اقتصادية أخرى، حينئذ يكون لديك الحق في أن تكون قلقا».

وأثارت الإحصاءات الأخيرة انتقادات رومني، الذي تعامل مع تقارير الوظائف السابقة بنوع من الحذر الشديد، وهو ما دفع بعض منتقديه إلى القول بأنها ترقى إلى حد الغلو. فقال رومني في المؤتمر الانتخابي الذي عقد في بيتسبيرغ إن الاقتصاد ينبغي أن يضيف 500.000 فرصة عمل شهريا - معدل نمو لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيقه سوى خمس مرات في تاريخها خلال الأعوام الخمسين الأخيرة - وأن أي معدلات بطالة تتجاوز 4 في المائة تصبح مثار قلق.

وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما نشرت في صحيفة «ذا بلين ديلر»، في اليوم الذي سبق التجمع الانتخابي في جامعة ولاية أوهايو في كولومبوس، كتب رومني «لدي سؤال بسيط لك: أين الوظائف؟». ورد أوباما على الأخبار السيئة يوم الجمعة بأنه استوعب تقارير الوظائف التي كانت أفضل مما كان متوقعا في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، مبرزا العناصر الإيجابية في الوقت الذي أقر فيها بأنها ليست كافية. وأشار إلى أن الاقتصاد خلق 130 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص، في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة البطالة من 8.2 إلى 8.1 في المائة.

وقال الرئيس في مدرسة واشنطن لي الثانوية «هذه أخبار جيدة. لكن لا يزال هناك الكثير من الأفراد العاطلين على العمل، والتي تعني أن علينا أن نفعل المزيد». ثم تحول سريعا إلى الزيادة القريبة في تكاليف إقراض الطلبة، وهو ما قد يتسبب في زيادة نسبة الفوائد على هذه القروض إلى الضعف من 3.4 إلى 6.8 في المائة. وقد أقر مجلس الشيوخ قانونا، بأغلبية 215 إلى 195، للحفاظ على النسبة لعام واحد، لكنه اشترط تعويض التكلفة التي تبلغ 5.9 بنهاية تمويل الصحة والوقاية العامة في قانون الرعاية الصحية. وقد هدد الرئيس بالتصويت ضد الإجراء، لكنه لا يتوقع أن يحظى بفرصة في ذلك. ويشير الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ إلى أنهم لن يتقدموا بقانونهم من أجل إجراء التصويت قبل الثلاثاء القادم. هذا القانون سوف يدفع تكلفة نسبة تمديد القرض عبر سد بعض الفجوات الضريبية التي يستخدمها بعض أصحاب الرواتب العالية.

وقال أوباما في فيرجينيا «رسالتي إلى الكونغرس ستكون: مجرد الرفض لأفكار ستخلق فرص عمل جديدة ليس خيارا. هناك الكثير على المحك أمامنا، ومن ثم يجب ألا نسير جميعا في الاتجاه نفسه». ويشير مسؤولو البيت الأبيض وحملة أوباما إلى أن الرئيس عادة ما يتحدث بشأن اقتصاد أوسع، لكنه يتبنى آراء واقعية ومقترحات سياسية. وأشاروا إلى أن رومني لم يقم بذلك، وأن المقترحات التي قدمها ليست سوى تخفيضات ضريبية وعودة إلى التشريعات التي عمقت الأزمة المالية عام 2008.

ويقول ديفيد بلوف، كبير مستشاري الرئيس أوباما «رومني لم يقدم تفاصيل، عدا (دعونا نعد إلى ما فشل بالفعل)، إلى حد أنه لا يقدم أي أفكار على الإطلاق، باستثناء تخفيض الضرائب». والحقيقة أن حملة رومني نشرت خطة من 87 صفحة لإعادة تنشيط سوق الوظائف والاقتصاد، ومليئة بالمقترحات لإصلاح قانون الضرائب وإلغاء التشريعات التي يزعم رومني أنها تضيق على الشركات الأميركية. وقالت المتحدثة باسم حملة رومني، أندريا سول «سياسات الرئيس أوباما لم توفر سوى أعداد محدودة من الوظائف ودخول متوقفة وأسعار أعلى للطاقة».

ويرى المحللون أن رومني قادر على توجيه سهام النقد إلى أوباما، فأشاروا إلى أنه حتى الإحصاءات التي ذكرها الرئيس بنوع من الاستحسان - انخفاض نسبة البطالة إلى 8.1 في المائة - كانت بسبب ترك 340 ألف شخص لسوق العمل، لا لأن الاقتصاد كان يوفر الكثير من الوظائف الجديدة. ويرى الاقتصاديون أن قضية أوباما تزيد من تعقيدها حقيقة أنه لا يوجد الكثير مما يمكنه عمله تجاه السياسة المالية التي ستغير الصورة الاقتصادية بين الفترة الراهنة ونوفمبر (تشرين الثاني). وعلى الرغم من أن البنك المركزي الفيدرالي لا يزال يحتفظ بالقدرة على تغيير الاقتصاد، فقد أوضح بن برنانكي، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي، أن البنك لا يرغب في الوقت الراهن في التراجع عن مساره الحالي من السياسة النقدية الأوسع بالفعل.

وأكد مسؤولون في البيت الأبيض أن التوجه الاقتصادي العام يشكل أهمية أكبر من تقارير الوظائف. فيقول بلوف «على الرغم من أن نمو الوظائف كان أقل مما كان الجميع يرغب، بالنظر إلى الفجوة التي نحن فيها، فإننا لا نزال نسير في المسار الصحيح».

وبشأن تأكيدات رومني بأنه على الولايات المتحدة إضافة 500 ألف وظيفة شهريا، يرى أوستان غولسبي، المستشار الاقتصادي البارز الأسبق للرئيس أوباما «أحب أن أرى أداء الوظائف على هذا النحو، لكن بعد أعمق ركود تشهده الولايات المتحدة خلال 75 عاما، سيكون من الصعب إمكانية تحقيق ذلك».