المفوضية الأوروبية تترقب تداعيات نتائج الانتخابات في فرنسا واليونان

دعت إلى مزيد من الاستثمارات لتحقيق النمو الاقتصادي.. ومبادرة تؤكد إيجاد فرص عمل للخريجين

فرنسي يتحدث أمس على هاتفه الجوال أمام صورتين لمرشحي الجولة الثانية في الانتخابات الفرنسية الرئيس ساركوزي وهولند (أ.ف.ب)
TT

قبل ساعات من الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا والانتخابات التشريعية في اليونان، قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل، إن أوروبا لا يمكن أن تتغير فجأة، وإن فرنسا دولة مهمة ولكنها في كل الأحوال هي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، وإذا فاز هولاند لن يحدث تغييرات أساسية في التوجهات الأوروبية، أما عن اليونان فقالت المفوضية، إن عدم تقديم الدعم للحكومة الجديدة سيؤدي إلى مشكلة لليونان والاتحاد الأوروبي. وبالتزامن مع ذلك، دعا الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي «المفوضية» إلى تركيز الجهود وبشكل جماعي نحو دعم النمو، في حين تستعد فعاليات أوروبية لإطلاق مبادرة تؤكد حق الشباب في الحصول على فرصة للعمل بعد فترة قصيرة من التخرج، وفي الوقت الذي يشدد فيه التكتل الأوروبي، على أهمية توحد المواقف على طريق الإدارة المالية والاقتصادية، تصدر مواقف من الدول الأعضاء، لتحرض على الخروج عن المنظومة الأوروبية الموحدة مثلما حدث في هولندا.

وقالت المفوضية الأوروبية في بروكسل من خلال تصريحات للمفوض المكلف بشؤون التجارة الخارجية كارل ديغوشت، إنه لا يتوقع حدوث تغييرات أساسية في التوجهات الأوروبية إذا فاز المرح فرانسوا هولاند بالانتخابات الرئاسية في فرنسا. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يتكون من 27 دولة، وفرنسا هي دولة مهمة ولكنها عضو بين الدول الـ27، كما توقع ديغوشت ألا تؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا على وجود محور ألماني فرنسي، وكان هولاند أعلن أثناء الحملة الانتخابية أنه سيعيد النظر في المعاهدة المالية الأوروبية وأنه غير متفائل بالسياسة الأوروبية للادخار، وعلق المفوض الأوروبي ديغوشت «البلجيكي» من خلال تصريحات نشرتها وسائل الإعلام البلجيكية بالقول «ما أكثر التصريحات التي تنطلق قبل الانتخابات وتكون أقل بكثير في اليوم التالي للانتخابات». وأضاف أن «أوروبا لن تتغير فجأة وأن فرنسا جزء من الاتحاد الأوروبي والذي يعتبر هو أيضا جزءا لا ينفصل عن العالم»، أما عن اليونان فقد أعرب المفوض الأوروبي عن أمله أن تساند الأحزاب اليونانية الحكومة الجديدة في البلاد، أما إذا اختار اليونانيون التصويت ضد أوروبا سيكون ذلك مشكلة لليونان وأوروبا كلها. وأضاف «لا أعتقد وقتها أن أيا من الأموال الخارجية سيكون لديها الجرأة على الدخول إلى اليونان».

وفي بروكسل أيضا دعا نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمسؤول عن الشؤون الاقتصادية والمالية فيها أولي رين إلى وضع مزيد من الاستثمارات العامة في المجالات المهمة مثل البنى التحتية الخاصة بوسائل النقل أو الاتصالات، بهدف جذب اهتمام القطاع الخاص وتحقيق هدف النمو الاقتصادي. وقال رين «نحن بحاجة إلى تركيز جهودنا بشكل جماعي نحو دعم النمو»، وذلك خلال كلمة ألقاها بمعهد الدراسات الأوروبية التابع لجامعة «ليبري» في بروكسل ونقله المكتب الصحافي الخاص بالمفوضية الأوروبية. وثمن المسؤول الأوروبي الجهود الرامية إلى تقليص العجز المالي التي تم بذلها حتى الآن، إلا أنه عاد وشدد على أهمية إيجاد «اتفاق أوروبي حول الاستثمارات» بحيث يعزز الاستثمارات العامة بطريقة «ذكية» بهدف تحريك الأموال الخاصة. وأبرز أيضا أن تقليص العجز يعد أمرا «لا مفر منه» وأن الإصلاحات الهيكلية هي «مفتاح» النمو على المدى المتوسط، موضحا أن «السياسات العامة النشطة التي تستهدف دعم النمو هي كذلك مهمة». وأضاف أن هناك ثلاثة محاور ينبغي أن ترتكز إليها استراتيجية النمو، أولها هو «وجوب» تقليص العجز المالي، والذي يجب أن يتم تطبيقه بطريقة متوازنة بحيث لا تضر بالنمو. واعتبر أن المحور الثاني من الاستراتيجية هو أن الأزمة ليست ناتجة فحسب عن «أسباب مالية»، بل إن لها أيضا «أصولا أعمق» تكمن في اختلالات الاقتصادات الكلية وغياب التنافسية، لذا فإن الدول اتجهت إلى بدء الإصلاحات الهيكلية المناسبة من أجل تصحيح تلك المشكلات. وأبرز أن الاستثمار هو المحور الثالث، حيث إنه من الضروري زيادة الاستثمارات من أجل «دعم سياساتنا الأخرى المدرجة ضمن أجندة النمو». وقال الزعيم المتشدد في هولندا خيرت فيلدرز، إن حملته الانتخابية القادمة ستركز على خروج هولندا من عضوية الاتحاد الأوروبي وستكون الانتخابات المبكرة في هولندا والمقررة في النصف الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل بمثابة أكبر استفتاء على أوروبا.

ونقل الإعلام الهولندي عن فيلدرز تصريحاته التي أدلى بها من واشنطن على هامش طرح كتاب جديد في الأسواق الأميركية تحت عنوان «حرب الإسلام ضد الغرب وأنا». وقال فيلدرز إن هولندا يمكن أن تظل عضوا في المجموعة الاقتصادية الأوروبية مثل النرويج أو عضوا في وكالة التجارة الحرة الأوروبية مثل سويسرا وآيسلندا، وبالتالي تظل الفوائد الاقتصادية موجودة، ولكن يظل الهولندي هو صاحب القرار بعيدا عن الاتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو ويستطيع وقتها أن يحدد من يأتي إلى هولندا من مهاجرين وأي من العملات يمكن استخدامها.

وكان فيلدرز قد دعا في وقت سابق إلى الانسحاب من منطقة اليورو وهو أمر من الطبيعي أن يؤدي في النهاية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وفقا للمواثيق الأوروبية. وأكد زعيم اليمين المتشدد أنه سيركز في حملته الانتخابية القادمة على الهوية الهولندية والتمسك بها. وتوقع فيلدرز أن يتفكك التكتل الأوروبي الموحد بسبب أزمة اليورو أو ما يعرف بأزمة الديون السيادية. من جهة أخرى، نفت المفوضية الأوروبية في بروكسل ما تردد من أنباء عن قيامها بإعداد مخطط مالي يصل إلى 200 مليار يورو لتحفيز النمو الاقتصادي. وفي هذا الصدد، أكدت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بيا هانسن، أن ما تم نشره في بعض وسائل الإعلام حول إعداد مخطط أوروبي على غرار مخطط مارشال بقيمة 200 مليار يورو «عار عن الصحة تماما، فهذه الأنباء لا تستند إلى أي دعائم فعلية»، حسب قولها. وأشارت المتحدثة إلى أن الأرقام التي تم الحديث عن عنها «ليست واقعية»، لافتة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل واضح ومنسق مع كافة الدول الأعضاء والمؤسسات الأوروبية على إعداد سياسات للخروج من الأزمة، فـ«لدينا عدة وسائل من بينها استراتيجية أوروبا 2020، وهي تشكل أهم دعائم عملنا للعودة إلى النمو والازدهار الاقتصادي»، وفق كلامها. وأوضحت الناطقة أن أوروبا تسعى لتعزيز الانضباط المالي وإرفاقه بإجراءات تهدف إلى تحقيق التنمية والاندماج الاجتماعي في داخل دول أوروبا وترفض الأوساط الأوروبية الحديث عن إمكانية الاستعانة بدول خارج الاتحاد لمساعدتها على الخروج من الأزمة المالية وتركز على أن العمل الأوروبي المشترك والذي يشمل الدول والمؤسسات هو الكفيل بخروج الاتحاد من أزمة المديونية وعودته إلى النمو الاقتصادي وإلى ازدهار سوق العمل فيه. ومن وجهة نظر البعض من المراقبين في بروكسل فإن الأول من مايو (أيار) شكل فرصة لتسليط الضوء على حاجة الشباب في أوروبا للحماية، والضمانات اللازمة لتفادي البطالة، وخاصة أن 5.6 مليون شاب أوروبي هم من العاطلين عن العمل في الاتحاد الأوروبي، بل إن معدلات البطالة بين الشباب في اليونان وإسبانيا وصلت إلى 50 في المائة، ولا بد من التحرك واستغلال الصناديق الإنمائية الأوروبية لضمان حماية مليوني شاب أوروبي من البطالة، وجاء ذلك أيضا من خلال دعوات انطلقت من البرلمان الأوروبي، وبالتحديد من تجمع الاشتراكيين الأوروبيين بمناسبة يوم عيد العمال في مطلع مايو، ونقل بيان صدر في بروكسل تصريحات للأمين العام للاشتراكيين في بلغاريا سيرجي ستايشيف.

وقال فيها إن مطلع مايو يخصص للاحتفال بأحداث وقعت في الماضي، ولكن الآن يجب النظر إلى المستقبل وتأمين مستقبل للشباب، ومن هذا المنطلق جاء الإعلان عن مبادرة جديدة تحمل عنوان «مستقبلك هو مستقبلي» لتؤكد على ضرورة التضامن بين الكبار والصغار في هذا الصدد، وتسعى الحملة الجديدة إلى التأكيد على حق الشباب في إيجاد فرصة عمل جديدة في غضون أربعة أشهر من تركه عمله السابق، أو من بعد الحصول على مؤهله والانتهاء من التعليم. وشدد الاشتراكيون الأوروبيون على أن عيد العمال هو يوم عطلة للاحتفال بقوة العمل الجماعي وحقوق العمال والقيم والمبادئ، ووجه البيان انتقادات للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي وما تعرضت له حقوق العمال في فرنسا خلال الخمس سنوات الأخيرة. وقال فيليب كورديلي، الأمين العام للاشتراكيين، إن الأول من مايو هو فرصة للاحتفال بالإجراءات العمالية الجماعية، والتضحيات من أجل تحسين ظروف العمل، وتحديد وقت أقل للعمل، منتقدا ما وصفه بحرمان العمال من حقوقهم الأساسية من جانب الرئيس الفرنسي، كما تناول البيان التحولات الأخيرة في رومانيا وسقوط حكومة المحافظين وتولي حكومة جديدة ترأسها شخصية تنتمي لتكتل الاشتراكي الديمقراطي وهو فيكتور بونتا. وتوقع البيان حدوث ذلك في فرنسا أيضا.

ومن المقرر أن تشارك شخصيات أوروبية وخاصة من الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الأوروبية في الانطلاق الرسمي للحملة من بروكسل في الحادي عشر من الشهر الحالي. يأتي ذلك بعد أن سجلت معدلات البطالة في أوروبا أعلى مستوياتها منذ خمسة عشر عاما، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في منطقة اليورو أكثر من سبعة عشر مليون شخص، حسب الأرقام التي جرى الإعلان عنها في أبريل (نيسان)، وتشير التوقعات إلى أن هذا الرقم مرشح للارتفاع في الأشهر المقبلة. 10.8 في المائة هي نسبة العاطلين عن العمل في منطقة اليورو لشهر فبراير (شباط) الماضي، بينما تبلغ نسبة البطالة لدى الشباب 21.06 في المائة.

وتعتبر النمسا هي أقل الدول الأوروبية تضررا من البطالة بتسجيلها 4.2 في المائة فقط، بينما بلغت معدلات مرتفعة في إسبانيا. الارتفاع الشديد في معدلات البطالة وقرار الحكومة بمراجعة قوانين العمل وإضافة حزمة إجراءات تقشفية جديدة دفع بالإسبان إلى النزول إلى الشوارع، احتجاجا على هذه القرارات ومطالبين بتوفير فرص عمل لخريجي الجامعات.