بانتصار المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند في انتخابات الرئاسة الفرنسية، فقد البيت الأبيض واحدا من أهم حلفائه في القارة الأوروبية العجوز، لكنه ربما يكون قد كسب حليفا لديه قناعات في مجال السياسات الاقتصادية تتماشى بصورة أكبر مع قناعاته.
والحقيقة أن هولاند غير معروف بالنسبة لواشنطن، ولا توجد سوى تصورات محدودة للغاية عن توجهات سياساته المستقبلية في الشؤون المحلية والدولية، على العكس تماما من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي بلغ من كثرة مشاوراته مع البيت الأبيض وحماسه في الدفاع عنه أن اشتهر داخل وطنه بلقب «ساركو الأميركي».
إلا أن ساركوزي اختلف مع البيت الأبيض خلال الأشهر القليلة الماضية، من خلال دعمه مشروع التقشف الذي تقوده ألمانيا في منطقة اليورو الغارقة في الديون، وهو مشروع يعترض عليه البيت الأبيض على أساس أن التعجل في خفض ميزانيات الدول سوف يؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة في جميع أنحاء أوروبا مع عدم الوفاء بمطالب المستثمرين القلقين من حملة السندات.
وفي المقابل، فقد دأب هولاند على التعهد بإعادة التوازن إلى أوروبا بعيدا عن التقشف والمضي قدما نحو النمو، وترى واشنطن أن فوزه بفارق ضئيل يعبر عن رفض شعبي للحكومات التي تفرض تخفيضات حادة على اقتصادات متأزمة.
وقد صرح هولاند عقب فوزه قائلا: «ليس بالضرورة أن يكون التقشف هو مصير أوروبا». ولتحقيق هذه الغاية، فقد أشار إلى نيته إعادة التفاوض على الاتفاقية المالية التي توصلت إليها أوروبا الشتاء الماضي، من أجل إعطاء ميزانيات الدول مساحة أكبر للتنفس، في بلدان ربما تكون ما زالت تقترض من أجل دعم نفسها بفوائد معقولة في أسواق الدين، كما أعلن تأييده إجراءات دعم النمو عن طريق زيادة الإنفاق على البنية التحتية مثلا.
وقد كانت إدارة الرئيس أوباما تضغط من أجل انتهاج هذه التغييرات في السياسات بهدف تعزيز النمو، حتى مع انضمام ساركوزي إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الدعوة إلى خفض الإنفاق بصورة كبيرة.
وقد ذكر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر أمام إحدى لجان الكونغرس في شهر مارس (آذار) الماضي، وهي تعليقات ترددت منذ ذلك الحين في تصريحاته أمام كثير من المحافل الدولية: «إذا أجبرت الحكومات، في كل مرة يتعرض فيها النمو الاقتصادي للإحباط، على خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب فورا لتعويض أثر ضعف النمو على حالات العجز، فسوف تكون هذه مجازفة بالدخول في دوامة سلبية متجددة من التقشف الذي يقتل النمو».
ويقول إدوين ترومان، كبير باحثين في «معهد بيتر جي بيترسون للشؤون الاقتصادية الدولية»: «تأمل الإدارة، بصورة عامة، في أن تغير هذه الانتخابات من لغة الحوار. ومن حيث المبدأ، فسوف تقول: (لا تشدوا حزامكم) للبلدان التي لديها مجال لفعل ذلك».
ويقول جوستين فاييس، مدير البحوث في «المركز المعني بالولايات المتحدة وأوروبا» التابع لـ«مؤسسة بروكنغز»، إن هولاند يبدو «بطبيعته مستساغا أكثر بالنسبة للإدارة»، مضيفا أن الإدارة الأميركية ترى على ما يبدو أن «أوروبا لديها في الغالب فرصة أفضل في تجنب حدوث تفكك أو تجدد أزمة الديون السيادية مرة أخرى من خلال التركيز على النمو، بدلا من مجرد التمسك بالتقشف».
ويقول مسؤول كبير بالإدارة الأميركية، رفض ذكر اسمه تجنبا لحدوث أي اضطراب في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إن إدارة الرئيس أوباما تتطلع إلى التعاون مع هولاند، وإنها لا تظن أن إحداث تغييرات في الاتفاقية المالية سوف يفزع الأسواق أو يهدد صحة الاتفاقية برمتها، التي ساعدت على تقليل عائدات الديون السيادية في الشتاء الماضي.
وأشار ترومان إلى أن هولاند سوف «يضيف بعض المواد الداعمة لجعل الاتفاقية أكثر ملاءمة للنمو»، بدلا من البدء من الصفر.
وذكر المسؤول الأميركي أن البيت الأبيض ليس لديه علم بتفاصيل التغييرات التي يأمل الرئيس المنتخب في إدخالها على الاتفاقية، لكن هناك خيارات كثيرة مطروحة على الطاولة، ومن بينها إرجاء بعض الإجراءات التقشفية، وتعزيز الطرق التي تتبعها القارة في تغيير هيكل رؤوس أموال بنوكها، وتسوية الاختلالات بين البلدان التي تعاني من حالات عجز كبيرة والبلدان التي تحقق فوائض.
لكن المراقبين يرون أن هولاند، رغم احتمالات تقاربه مع إدارة الرئيس أوباما في القضايا الاقتصادية، سوف يتباعد عنها أكثر في الغالب في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والعسكرية.
وقد كان ساركوزي يقود علاقات ودية كبيرة بين الحكومتين الفرنسية والأميركية في ما يتعلق بالشؤون الخارجية، حيث انضم إلى واشنطن في الدعوة إلى فرض عقوبات قاسية جديدة على إيران، كما لعب دورا قياديا في تجميع تحالف دولي من أجل إسقاط الدكتاتور الليبي العقيد معمر القذافي، إلى جانب عدد من الأعمال الأخرى.
وفي بيان صحافي يوم الاثنين الماضي، اعترف مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، بمدى تقارب الإدارة مع ساركوزي، وأعرب عن أمله في تعمق العلاقات الثنائية في عهد هولاند.
وذكر في تصريحاته: «سوف تتاح لنا فرصة الجلوس معا على أعلى المستويات؛ الرئيس مع الرئيس المنتخب هولاند، لمناقشة جميع هذه القضايا. لن أحكم مسبقا بأي شكل على الكيفية التي قد تسير بها تلك المناقشات».
ويتمتع هولاند بسمعة كبيرة بوصفه شخصية توفيقية تميل إلى الإجماع، ويؤكد مسؤولو إدارة الرئيس أوباما بقوة أنهم يتوقعون حليفا مقربا في عهده.
وفي مقابلة مع مجلة «سليت» الإلكترونية، في نسختها الفرنسية، امتدح هولاند، الذي أشار إلى قدرته على تحدث اللغة الإنجليزية، السياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما، قائلا إن البلدين يوجد بينهما «تقارب» في القضايا الاقتصادية، وإن كان قد أعرب في السابق عن تشككه في بعض مواقف الولايات المتحدة في ما يتعلق بالقضايا العسكرية.
وقد اتصل الرئيس أوباما بهولاند بعد فوزه، ودعاه إلى الالتقاء به في واشنطن قبل اللقاءات الدولية التي ستعقد هناك وفي شيكاغو هذا الشهر.
* خدمة «نيويورك تايمز»