هل تساعد الدبلوماسية التجارية بريطانيا على الخروج من الكساد؟

أطلقت حملة «غريت بريتان» لجذب السياح والاستثمار

متسوقون بريطانيون تحت المطر في شارع أكسفورد ستريت بلندن - أحد أكبر شوارع التسوق في أوروبا (أ.ب)
TT

لم يكن شهر أبريل (نيسان) الماضي هو أكثر الشهور هطولا للأمطار في تاريخ بريطانيا فحسب، ولكنه شهد أيضا دخول البلاد في حالة من الركود المزدوج، حيث انكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.2 في المائة. وتتم إدارة البلاد منذ عامين من قبل الحكومة الائتلافية التي تجمع خططها الاقتصادية بين حزمة من تدابير التقشف التي تهدف إلى خفض العجز في الموازنة وبين تعافي القطاع الخاص الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات. ومع ذلك، يعد الانتعاش الحالي هو الأبطأ في تاريخ بريطانيا، وأبطأ حتى من الانتعاش الذي أعقب الكساد الكبير في عام 1929. وفي عام 2012 جاءت بريطانيا في مرتبة متأخرة عن البرازيل من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وكانت على وشك الخروج من قائمة أفضل عشرة اقتصادات في العالم. وفي الواقع، لم يكن التصنيف العالمي تصنيفا مثاليا، ولكن الشيء الواضح هو أن اقتصاد بريطانيا، مثله في ذلك مثل العديد من الاقتصادات الكثيرة في أوروبا، يعاني من الركود، إن لم يكن من الانخفاض والتدهور. وبالنسبة لصانعي السياسة البريطانية في وستمنستر، فإن كيفية التعامل مع هذا التحدي، وإعادة الاقتصاد البريطاني إلى مكانته الطبيعية في ظل اقتصاد عالمي تتزايد فيه شدة المنافسة، هي مسألة ذات أهمية قصوى في السياسة الحديثة.

وقد اعتمدت الحكومة الحالية على عدة استراتيجيات رئيسية، كان من بينها الترويج لبريطانيا على الصعيد العالمي باعتبارها سوقا حيوية وديناميكية للاستثمار والأعمال التجارية. وتعاملت وزارة الخارجية البريطانية مع تعزيز الرخاء الاقتصادي على أنه جزء أساسي من جدول أعمالها في السياسة الخارجية. وأطلقت الحكومة في الآونة الأخيرة حملة بريطانيا العظمى أو «غريت» بهدف استغلال إقامة دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012 لـ«عرض إمكانات وقدرات بريطانيا، وتشجيع وتعزيز سمعتنا في الخارج، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من دورات الألعاب الأوليمبية». وقد تم الإعلان عن تلك الحملة من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في نيويورك في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) عام 2011، وتدعم تلك الحملة التسويق والدبلوماسية العامة التي تقوم بها هيئة المملكة المتحدة للتجارة والاستثمار، وهيئة الإذاعة البريطانية «زر بريطانيا»، والمجلس الثقافي البريطاني، وزارة الخارجية والدوائر الحكومية الأخرى في الخارج.

وعلاوة على ذلك، أوفدت الحكومة عدة بعثات تجارية رفيعة المستوى إلى الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك الصين والهند، وجنوب شرقي آسيا. وكان على رأس الوفد الذي زار الصين في عام 2010 رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي ترأس أكبر بعثة تجارية بريطانية في التاريخ إلى الصين، حيث ضمت البعثة أيضا أربعة وزراء و43 وفدا تجاريا، فضلا عن وفد صغير يمثل التعليم والثقافة. وعقب الزيارة، أشادت لجنة برلمانية بالوفد لأنه نجح في تحقيق «عدد من النتائج التجارية الملموسة». وتم الإعلان عن بعض الصفقات التجارية، من بينها اتفاق بقيمة 5 مليارات دولار مع شركة إيرباص، واتفاق آخر بقيمة 750 مليون جنيه استرليني مع شركة «رولز رويس». وأكدت اللجنة أيضا على أنه «لا يجب التقليل من أهمية التعاون رفيع المستوى بشكل دوري مع الصين»، في حين ذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن المسؤولين الحكوميين قد أكدوا أن الصادرات إلى الدول التي ترأس كاميرون الوفود التجارية إليها قد ارتفعت بمقدار 20 في المائة. وعقب التوقيع على صفقة أسلحة مع الهند بقيمة 700 مليون جنيه استرليني عام 2010، أشار كاميرون إلى أن الرحلة كانت «دليلا على سياستنا الخارجية الجديدة فيما يتعلق بالتجارة».

وقد تجلت هذه السياسة التجارية الخارجية بطريقة فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث نجحت الحكومة البريطانية في تعزيز التجارة مع شركائها التقليديين مثل إسرائيل، ليصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2012 إلى 3.75 مليار جنيه استرليني، بزيادة قدرها 34 في المائة في عام واحد، كما نجحت بريطانيا في تعزيز التبادل التجاري مع قطر، ونجحت عام 2011، خلال زيارة كاميرون لقطر، في توقيع اتفاقية بقيمة ملياري جنيه استرليني بين شركة «سنتريكا» البريطانية المتعددة الجنسيات وشركة قطر للبترول لتوريد الغاز. وعلاوة على ذلك، ركزت بريطانيا على التعامل مع الشركاء غير التقليديين، مثل الجزائر والمغرب، والتي لا يتعدى حجم التبادل التجاري معها 200 مليون جنيه استرليني في العام. ومن المؤشرات المثيرة للاهتمام والتي تدل على دعم بريطانيا بثورات الربيع العربي تعارض سياساتها تجاه ليبيا مع مصالحها التجارية المباشرة، وكذلك فرض قيود على منح تصاريح تصدير من بريطانيا إلى المنطقة. وفقدت عدة شركات بريطانية عائدات كبيرة نتيجة التدخل البريطاني في ليبيا، وتحاول الآن الاستفادة من الفرص المتاحة في مرحلة ما بعد القذافي لاسترداد الأموال المفقودة. وفي كلتا الحالتين، لم يكن المال طرفا أساسيا في المعادلة، على الرغم من التركيز على أفكار «الدبلوماسية التجارية» التي دخلت حيز الاهتمام مع تولي الحكومة الائتلافية الجديدة.

وبصرف النظر عن «استثناء» الربيع العربي، ظلت الحكومة البريطانية تفتخر بدبلوماسيتها التجارية. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، احتفلت الحكومة بنهاية السنة الأولى من سياستها التجارية الجديدة من خلال تسليط الضوء على عدد من النجاحات، بما في ذلك دعم الشركات لتحقيق أرباح تصل إلى 800 مليون جنيه استرليني في فرص تجارية ذات قيمة عالية بالخارج، ومساعدة أكثر من 20,000 مشروع من المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التصدير واقتحام أسواق جديدة تتميز بمعدلات نمو مرتفعة مثل الهند والصين والبرازيل وتركيا. وفي شهر أبريل (نيسان)، ترأس كاميرون وفدا آخر إلى جنوب شرقي آسيا، ووصل إلى اليابان على متن طائرة مكتوب عليها «2012 بريطانيا العظمى». وفي وقت لاحق، أصبحت هذه الطائرة مصدرا للإحراج، بعدما تبين أنها طائرة غير بريطانية، وتم تأجيرها من إحدى الشركات الخاصة في أنغولا. وقد انضم لهذه الرحلة أكثر من 35 مسؤولا تنفيذيا بارزا قاموا بالتركيز على أن يحظوا بقبول من شركة «بي إيه إي سيستمز» المتخصصة في الصناعات الجوية والدفاعية، واتحاد الصناعة النووية، الذي يعمل في مجال الطاقة.

في يوم 8 مايو (أيار)، ظهر كل من رئيس الوزراء البريطاني ونائبه بأحد المصانع لإظهار التزامهما بخطة النمو المدفوع بالصادرات. وذكرا الجمع المحتشد بأن بريطانيا ما زالت سادس أكبر دولة مصنعة في العالم وأن مصنع نيو هولاند المملوك لشركة «فيات»، حيث كانا يتحدثان، يقوم بتجميع 26,000 جرار سنويا معظمها للتصدير.

لكن هل يجدي هذا التركيز على بيع «الشركات البريطانية العامة ذات المسؤولية المحدودة» نفعا؟ هل يجب أن يعتمد انتعاشنا الاقتصادي على تقديم جزء آخذ في النمو من الاقتصاد البريطاني المربح لمستثمرين أجانب؟ وهل من الصحيح أنه في وقت تحتدم فيه المنافسة العالمية، يبدو أن بريطانيا تنتهج أسلوبا أحادي الجانب بصورة أكبر تجاه التجارة بدلا من لعب دور قيادي في انتعاش منطقة اليورو الأوسع نطاقا؟

الأمر الواضح هو أن الحكومة البريطانية وحدها لا يمكن أن تعتمد على سياسة نقدية أو مالية من أجل إبعاد الدولة عن الخطر الاقتصادي.