تراجيديا الديون اليونانية تواصل إرباك الأسواق العالمية

بينما تم تحويل 18 مليار يورو إلى المركزي اليوناني في إطار حزمة المساعدات الثانية

رجل يتسول في أثينا حيث أثرت الأزمة المالية كثيرا على اليونانيين (رويترز)
TT

قال تقرير للتلفزيون الحكومي في اليونان أمس إن الحكومة أعلنت عن تحويل 18 مليار يورو للبنك المركزي اليوناني كجزء من حزمة المساعدات الثانية المقررة لليونان من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وكان قد تم إقرار حزمة المساعدات الثانية لليونان بقيمة 130 مليار يورو يتم دفعها على أقساط من خلال آلية الاستقرار المالي الأوروبي (إي إف إس إف).

وأضاف التقرير أن هذه الدفعة وقيمتها 18 مليار يورو تم تحويلها على حساب خاص للبنك المركزي اليوناني (بنك أوف جريس).

يأتي هذا فيما نزل اليورو لأدنى مستوى في 4 أشهر مقابل الدولار أمس الأربعاء ويتجه لمزيد من الخسائر بعد أن أعلنت اليونان أنها ستجري انتخابات جديدة مما يزيد من خطر خروج البلد من منطقة اليورو.

وفي ظل احتمال استمرار الاضطراب السياسي طويلا ومخاوف من امتداد تداعيات خروج اليونان من المنطقة إلى اقتصادات أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا سعى المستثمرون للتخلص من اليورو ليلوذوا بأمان الدولار والين.

وسجل اليورو أدنى مستوى في 3 أشهر مقابل الين بينما ارتفع الدولار لأعلى مستوى في 4 أشهر مقابل سلة من العملات.

وقال بول روبسون محلل العملات في آر بي إس: «تستمر ضبابية الوضع السياسي في اليونان في إضعاف شهية المخاطرة مما يؤثر على عدد من العملات. ثمة شكوك بشأن استعداد الدول الغنية في منطقة اليورو للإبقاء على دولة في المنطقة إذا لم تكن ترغب في تنفيذ برامج تقشف مالي. يبدو مستبعدا أن تتراجع اليونان عن برنامج التقشف وتبقى في -منطقة- اليورو في الوقت نفسه».

وهبط اليورو أكثر من 4% منذ بداية الشهر. ونزل أمس إلى 2683.‏1 دولار في التعاملات الإلكترونية علي منصة إي بي إس ويتجه لاختبار مستوى منخفض سجله في يناير (كانون الثاني) عند 2624.‏1 دولار. والنزول دون هذا المستوى يعني تسجيل أدنى مستويات العملة الموحدة منذ أغسطس (آب) 2010.

ونزل اليورو إلى 904.‏101 ين قبل أن يتعافى ويتخطى 102 ين.

وقد تعرضت الأسواق المالية صباح أمس لضربة قوية غداة الإعلان عن إجراء انتخابات جديدة في اليونان الأمر الذي بعث المخاوف من خروج هذا البلد من منطقة اليورو ما أثر سلبا على اليورو وعلى سوق القروض.

فقد سجلت جميع البورصات الأوروبية خسائر. وقد تراجعت بورصة باريس بنسبة 0.95% ولندن 1.18% وفرانكفورت 1.23% ومدريد 1.87% وميلانو 1.29%.

وقالت شركة إي جي ماركت للأوراق المالية معلقة «لقد غرقنا على الأرجح من جديد في نفس الحالة الذهنية التي سادت طوال العام الماضي عندما شعرت الأسواق المالية بالقلق من تطورات منطقة اليورو وخاصة الوضع في اليونان».

وفي آسيا سجلت الأسواق أيضا تراجعا كبيرا حيث أغلقت طوكيو على انخفاض بنسبة 1.12% وهونغ كونغ 3.19% وسيدني 2.36% وسيول 3.08% وذلك بعد أن كانت وول ستريت أقفلت مساء الثلاثاء على - 0.50%.

وفي أثينا انتهى اجتماع لقادة 5 من الأحزاب السبعة التي انتخبت في اقتراع 6 مايو (أيار) دون التوصل إلى أي اتفاق على تشكيل ائتلاف حكومي ما فتح الطريق إلى تنظيم انتخابات تشريعية جديدة قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل.

ويهدد هذا الاقتراع الجديد بتعزيز موقع المعارضين لسياسة التقشف الذين حققوا بالفعل فوزا كبيرا في انتخابات مايو الأمر الذي يغذي الشكوك في إمكانية بقاء هذا البلد في منطقة اليورو.

إلى ذلك تضاف عمليات السحب الكثيفة من البنوك اليونانية والتي بلغ حجمها الثلاثاء 700 مليون يورو لتزيد من هشاشة نظام مصرفي ضعيف أصلا. وقال الرئيس اليوناني كارولوس بابولياس «توجد مخاوف كبيرة قد تتحول إلى حالة فزع».

وفي هذا السياق بلغت مخاوف المستثمرين ذروتها. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أشار الخبراء الاقتصاديون لبنك كريدي أجريكول إلى أن «اهتمام المستثمرين سينصب على مخاطر انتقال عدوى الأزمة اليونانية إلى دول أخرى ضعيفة في منطقة اليورو» وخصوصا إسبانيا وإيطاليا. وفي سوق السندات، حيث يجري التفاوض على الدين السيادي للدول، ساد التوتر أيضا صباح الأربعاء وبلغ الفارق في معدل الفائدة بين سندات الاقتراض الإسبانية على 10 سنوات ومثيلتها الألمانية، التي تشكل مرجعا في منطقة اليورو، حدا تاريخيا وصل إلى نحو 500 نقطة.

فصباح أمس بلغ معدل فوائد السندات الإسبانية على 10 سنوات 6.495% كما اقتربت السندات الإيطالية من 6% في حين بلغت الألمانية أدنى حد قياسي لها مع 1.434%.

ومع ذلك فإن اللقاء الأول بين الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أزال المخاوف من حدوث قطيعة بين الثنائي الفرنسي الألماني.

فقد أبدى الاثنان استعدادهما لـ«دراسة إمكانية اتخاذ إجراءات إضافية لتحفيز النمو في اليونان» إذا ما طلبت أثينا ذلك. كما أكدا رغبتهما في بقاء هذا البلد في منطقة اليورو.

وجدد هولاند، الذي تعول عليه أثينا في تخفيف برنامج التقشف الذي فرضته عليها الجهات الدائنة الدولية منذ 2010، رغبته في إعادة التفاوض على ميثاق الموازنة، الهادف إلى تشديد قواعد ضبط الحسابات العامة لدول منطقة اليورو، لكي يضاف إليه شق لتحفيز النمو. ومن المتوقع أن يطرح ظهر اليوم أول إصدار للسندات المتوسطة والبعيدة المدى منذ انتخاب فرنسوا هولاند، والذي تأمل الخزينة الفرنسية أن يجلب لها فورا 9 مليارات يورو.

من جهتها أنهت الأسهم الأسترالية تعاملات أمس في بورصة سيدني للأوراق المالية بانخفاض نسبته 2.‏2% في ظل قلق المستثمرين من استمرار الأزمة السياسية في اليونان التي تثير شكوكا قوية في قدرة منطقة اليورو على التعامل مع أزمة الديون.

فقد مؤشر إيه إس إكس 200 الرئيسي لبورصة سيدني 100 نقطة بما يعادل 2.‏2% من قيمته في تعاملات أمس ليستقر عند مستوى 4165 نقطة. وقد انخفض المؤشر إلى أدنى مستوى له منذ شهرين.

أنهت الأسهم اليابانية تعاملات أمس في بورصة طوكيو للأوراق المالية بتراجع كبير على خلفية استمرار مخاوف المستثمرين من أزمة ديون منطقة اليورو والأزمة السياسية في اليونان وخسائر البورصات الآسيوية الأخرى.

تراجع مؤشر نيكي القياسي بمقدار 57.‏99 نقطة بما يعادل 12.‏1% ليصل إلى 17.‏8801 نقطة.

في الوقت نفسه تراجع مؤشر توبكس الأوسع نطاقا بمقدار 52.‏8 نقطة أي بنسبة 14.‏1% إلى 88.‏738 نقطة.

بدورها نهت الأسهم الكورية الجنوبية تعاملات أمس الأربعاء في بورصة سيول للأوراق المالية بانخفاض جديد لليوم السادس على التوالي في ظل قلق المستثمرين من استمرار الأزمة السياسية في اليونان التي تثير شكوكا قوية في قدرة منطقة اليورو على التعامل مع أزمة الديون.

فقد مؤشر كوسبي الرئيسي لبورصة سيول 43.‏58 نقطة بما يعادل 1.‏3% من قيمته في تعاملات أمس ليستقر عند مستوى 53.‏1840 نقطة. وفي برلين استبعد وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله وزير المالية الألماني إجراء مفاوضات جديدة حول حزمة المساعدات الأوروبية المقدمة للدولة العضو في منطقة اليورو لإنقاذها من الإفلاس الذي يهددها بسبب أزمة الديون الخانقة.

وفي مقابلة مع إذاعة «دويتشلاند فونك» الألمانية قال شويبله أمس الأربعاء إن إعادة التفاوض لن تأتي بشيء أفضل.

وفي إشارة إلى الأزمة السياسية التي تمر بها اليونان في الوقت الراهن والفشل في تكوين حكومة جديدة بعد انتخابات السادس من الشهر الجاري بالإضافة إلى تزايد شعبية الأحزاب الراديكالية المنادية بعدم التزام أثينا ببرنامج التقشف وضغط النفقات، قال شويبله إن على اليونان إذا أرادت الاستمرار في إطار مجموعة اليورو أن تشكل حكومة فاعلة تستطيع مواصلة الطريق الذي بدأ «وعلى اليونان أن تحدد بنفسها هذا الأمر الآن».

ورأى شويبله أن مسؤولية الوضع السياسي المتأزم في الوقت الراهن في اليونان تقع على عاتق الأحزاب مؤكدا في الوقت نفسه على حرية الناخب اليوناني في تأييد من يشاء «لكن ذلك ليس خطأ آخرين في أوروبا».

وفي مدريد دعا رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أمس الأربعاء الاتحاد الأوروبي لبعث رسالة «واضحة وقوية» دفاعا عن اليورو بعد أن سجلت أسعار الفائدة على السندات العشرية الإسبانية مستوى قياسيا جديدا.

قال راخوي للصحافيين إن الوضع الإسباني «معقد جدا» بسبب ارتفاع تكاليف إقراضها. غير أنه شدد على أن الحكومة تطبق الإجراءات السليمة.

أضاف أن الاتحاد الأوروبي في حاجة بالتالي إلى إرسال رسالة للدفاع عن اليورو والتأكيد على القدرة على تحمل الديون العامة لكل دول منطقة اليورو.

كان العائد على السندات الإسبانية لأجل 10 سنوات ارتفع إلى 5.‏6% مقابل 3.‏6% الثلاثاء ليرتفع الفارق مع عائد السندات الألمانية القياسي الذي يبلغ حاليا نحو 4.‏1%.

عزا محللون الارتفاع إلى المخاوف بشأن الوضع المالي في اليونان في أعقاب الإعلان عن إجراء انتخابات جديدة.

وتراجع مؤشر إيبيكس 35 الرئيسي ببورصة مدريد بنسبة 7.‏1% بعد فترة وجيزة من بدء التعامل.

وفي روما ارتفعت تكاليف الإقراض لإيطاليا أمس الأربعاء بما يعكس قفزة مشابهة شهدتها إسبانيا وسط قلق الأسواق بشأن خروج محتمل لليونان من منطقة اليورو.

بدأ التداول على السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات على 6% في أعلى مستوى منذ 31 يناير قبل أن ينخفض العائد إلى 90.‏5% في منتصف الجلسة الصباحية.