هل يدفع فوز هولاند مليونيرات فرنسا إلى الهجرة؟

قال إنه لا يحب الأثرياء وتعهد بفرض ضريبة 75% على دخولهم

وزير التجارة الخارجية الجديد بيير موسكوفيسي يصافح وزير المال والتجارة السابق فرانسوا باروين (أ.ب)
TT

يخطط جيريمي لو فيبفر، مؤسس شركة الأسهم الخاصة المتخصصة في خدمات التسويق، «تي بي جي كابيتال أدفيزورز» البالغ من العمر 30 عاما، للهجرة من باريس إلى سنغافورة هذا العام. وليس هذا بسبب تعهد الرئيس الفرنسي المنتخب، فرنسوا هولاند، بزيادة الضرائب؛ وإنما بسبب تأثير انتصار هولاند على الصورة التي ينظر بها للثروة في فرنسا، على حد قول رجل الأعمال. وذلك وفقا لتقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

وقال في مقابلة أجريت معه: «ما يدفعني للرحيل في واقع الأمر هو حقيقة أنني لا أشترك في القيم التي ظهرت على السطح أثناء فترة الانتخابات، وعلى رأسها نبذ الطموح والنجاح». وأضاف: «إنه جزء من علاقة فرنسا الصعبة بالمال، لكن الأمر قد وصل إلى مستوى جديد. وحتى إن كان هذا نموذجا للمدينة الفاضلة، أحتاج لتصديق أنه بالنسبة لي ولأبنائي، لن تكون هناك حدود». ولا تحتفي فرنسا، التي تعتبر خامس أغنى دولة وموطن بعض أغنى أغنياء العالم، من بينهم برنار أرنو، صاحب مجموعة «إل في إم إتش مويت هينيسي لوي فيتون إس إيه»، بأثريائها. فهولاند، الاشتراكي الذي قال في إحدى المرات: «لا أحب الأثرياء»، والذي يخطط لفرض ضريبة نسبتها 75 في المائة على أصحاب الدخول التي تربو على مليون يورو (1.29 مليون دولار) يؤكد على فكرة أن كونك ثريا في فرنسا لا يعتبر مبعث فخر. وقال لو فيبفر: «هولاند يوظف الضريبة المقدرة بنسبة 75 في المائة كرمز لإبراز قيم معينة من خلال وصم الأثرياء بالعار».

ويدفع خطاب هولاند الموجه ضد الثروة والتمويل البعض في فرنسا للتفكير في مغادرة البلاد، وتستقبلهم بعض الدول الأوروبية المنافسة بالترحاب. «أهلا بكم في لندن»، هكذا جاء ترحيب العمدة بوريس جونسون في يناير (كانون الثاني). كذلك، كانت كل من سويسرا وبلجيكا على الدرجة نفسها من الحفاوة. وتلقى جوليان بيركمانز حسب وكالة بلومبيرغ، وكيل عقاري في شركة «بيست هوم كونسالت» الكائنة في بروكسل، خمسة اتصالات من مواطنين فرنسيين يطلبون شراء عقارات في العاصمة البلجيكية بعد هزيمة نيكولا ساركوزي أمام هولاند في 6 مايو (أيار).

«لقد أتوا وزاروا المنازل في الأسابيع الماضية، قائلين لنا إن قرارهم ارتكز على نتيجة الانتخابات الرئاسية»، هذا ما قاله بيركمانز. وأضاف: «لقد اتصلوا صباح اليوم التالي كي يقولوا إنهم جادون بشأن الانتقال». وقال بيركمانز إنه كان هناك تدفق مستمر للباحثين عن منازل في مناطق مثل إكسيلز وأوكل - بالقرب من المدرسة الفرنسية.

وقال عبد الله شتيلة، سمسار عقاري مقيم في جنيف متخصص في العقارات التي تزيد قيمتها عن 3 ملايين يورو، إنه تلقى العديد من الاستفسارات من محامين نيابة عن عملاء فرنسيين. وقال: «من الصعب التوصل إلى قرار، لكننا سوف نعلم خلال الثلاثة أشهر المقبلة عدد من يعتزمون التأكيد».

وقال مارك سيمونشيني، مؤسس موقع «ميتينغ دوت كوم» الفرنسي في حوار لمحطة «بي إف إم تي في» إنه «بالنظر إليها من الخارج، تبدو فرنسا آخر دولة يمكن أن يقصدها رجل أعمال». واستطرد قائلا: «لا أعرف أي شخص بريطاني أتى لتأسيس مشروع في فرنسا. لكني أعرف العديد من الفرنسيين الشباب الذين قد ذهبوا إلى لندن لأجل هذا الهدف».

فقد قال مايكل كوليت، محامي ضرائب بشركة المحاماة «سي إم إس بورو فرانسيز ليفيبفر» التي تتخذ من باريس مقرا لها: «لقد سئم الأثرياء من وصمهم بالعار». وأضاف: «على نحو يتجاوز توقع فرض ضرائب أعلى، يتمثل سبب آخر هام وراء قول عملائنا إنهم يرغبون في الهجرة في أن المفهوم السلبي عن الثروة قد تعاظم خلال الأسابيع الماضية». وأسلوب التعامل مع أصحاب الأعمال وجامعي الثروات يدفعهم دفعا لمغادرة البلاد، وفقا لديان سيغالين، مؤسسة «سيغالين أند أسوسييز»، شركة الأبحاث المتخصصة في الإدارة العليا وأعضاء مجلس الإدارة.

«الأمر لا يقتصر على هؤلاء الرافضين لفرض ضريبة نسبتها 75 في المائة، لكنه يشمل أيضا هؤلاء الذين يرغبون في الاستقرار بدولة يعتقدون أنه بإمكانهم مزاولة أعمال تجارية بها»، هكذا تحدثت ديان. وأضافت: «إنهم يودون الإقامة في دولة يوجد بها استقرار في الضرائب وقوانين العمل، وحيث لا يكونون معرضين لخطر، لدى محاولتهم إنشاء مشروع». وقالت إن المواهب والمهارات سوف تذهب إلى المكان الذي تلقى الترحيب فيه.

وانتقل برتراند مونيير، المسؤول بإحدى شركات الأسهم الخاصة، إلى لندن هذا الشهر للانضمام إلى شركة «سي في سي كابيتال بارتنرز» المحدودة المتخصصة في الاستحواذ على الشركات من خلال شراء حصص الأسهم المسيطرة فيها والتي تتخذ من لوكسمبورغ مقرا لها. وانضم كريستوف فلوين، مدير العمليات السابق بشركة «أكسا» للأسهم الخاصة الكائنة في باريس، إلى هيئة أبوظبي للاستثمار. ولم يرد مونيير على طلبات للتعليق، فيما رفض فلورين التعليق.

بدأ توالي عمليات الهجرة حتى قبل حملة الانتخابات، حيث ارتفع عدد الفرنسيين المتهربين من الضرائب الضخمة إلى أكثر من 1000 شخص في الفترة ما بين 2009 و2011، بحسب تقديرات سيغالين. وكان العدد هو 384 فقط في عام 2001، بحسب أرقام حكومية.

وذكر كوليت أنه قد لاحظ تزايد الاستفسارات ذات الصلة بالهجرة قبل نحو عام، عندما بدأ ساركوزي في زيادة الضرائب وألغى امتيازا حدد سقفا لجميع الضرائب المفروضة بنسبة 50 في المائة من الدخل. وكان ما يعرف بـ«الدرع الضريبي» أحد أول الإجراءات التي اتخذها ساركوزي عقب انتخابه رئيسا في عام 2007. وتم تسجيل نحو 1.6 مليون مواطن فرنسي في القنصليات الفرنسية بالخارج في 31 ديسمبر (كانون الأول)، بزيادة نسبتها 6 في المائة عن عام 2010، ومتخطية كل من الزيادة المقدرة بنسبة 2.3 في المائة العام المنصرم ومتوسط الزيادة السنوية البالغ 3 في المائة في تعداد الفرنسيين بالخارج، بحسب وزارة الشؤون الدولية.

وبلغت نسبة الزيادة في عدد من يسجلون أسماءهم بالقنصليات الفرنسية في المملكة المتحدة 8.5 في المائة، فيما سجلت سويسرا زيادة نسبتها 7.3 في المائة، وسجلت بلجيكا زيادة نسبتها 8.1 في المائة. وتعزى هذه الزيادة بشكل جزئي إلى تصويت عام 2012، والذي يدعم عمليات التسجيل بشكل عام، بحسب الوزارة.

«إذا كانوا في سن صغيرة نسبيا ويمتلكون بعض الأصول، عادة ما تغريهم فكرة الهجرة إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة لإقامة مشروعاتهم الخاصة هناك»، قال كوليت. وأضاف: «غالبا ما يتجهون للتقاعد في سويسرا نظرا لأنه لا توجد ضريبة تركات هناك، فيما يفضلون الهجرة إلى بلجيكا إذا ما كانوا يتطلعون إلى بيع أصول من دون أن تفرض ضرائب على المكاسب التي يحققونها». وقد يأتي اقتراح هولاند بفرض ضريبة قيمتها 75 في المائة على كبار الأغنياء على رأس اقتراحه بفرض ضريبة قيمتها 45 في المائة على الأفراد الذين يكسبون دخلا قيمته 150,000 يورو أو أكثر.

وقال هولاند في حديث للقناة الأولى بالتلفزيون الفرنسي يوم 27 فبراير (شباط): «ما لا أقبله هو الثروة الفاحشة، والأجور التي لا تتكافأ مع مستوى الموهبة أو الذكاء أو الجهد المبذول في العمل».