رهان ملياردير روسي على «فيس بوك» يؤتي ثماره

عثمانوف قد يجني 6 مليارات على الأقل من طرح أسهم الشركة

الملياردير الروسي علي شير عثمانوف (إ.ب.أ)
TT

بنظارته المتدلية وحُلّته التي تشبه الصندوق، لا يمكن أن تخطئ العين علي شير عثمانوف كرأسمالي ورجل أعمال بارز في وادي السيلكون. يتهيأ قطب صناعة الصلب الروسية لجني مليارات الدولارات من خلال الطرح العام الأولي لأسهم «فيس بوك»، مثله مثل كل الداعمين الأوائل لشبكة التواصل الاجتماعي.

يجني السيد عثمانوف، وهو قطب الصناعة والإعلام الذي أثبت قدرة كبيرة على الاستفادة من الفرص التي تلوح في أثناء الأزمات المالية، ثمار رهانه الطموح على «فيس بوك» في أثناء فترة الركود العالمي في عام 2009.

وبينما كان المستمرون الآخرون يطالبون بشروط صارمة، قال عثمانوف، 58 عاما، في مقابلة أجريت معه في الأسبوع الحالي إنه وشركاءه الروس كانوا يرغبون في شراء نحو 10 في المائة من أسهم شركة «فيس بوك» والتخلي عن حق التصويت بموجب هذه الأسهم لمؤسس «فيس بوك» ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ.

بلغت قيمة الاستثمارات الروسية التي تم ضخها في شركتين هما «ميل. آر يو» و«ديجيتال سكاي تكنولوجيز» أقل من 900 مليون دولار، ولكن قيمة تلك الاستثمارات تزيد الآن عن 6 مليارات دولار، بحسب متوسط السعر الذي حدده المصرفيون لسهم «فيس بوك»، الذي يتراوح بين 34 - 38 دولارا للسهم.

يقول عثمانوف، الذي نشأ في منطقة نائية في الاتحاد السوفياتي وبدأ حياته العملية في مجال صناعة الأكياس البلاستيكية، إنه قد أدرك فوائد العمل الجريء خلال أزمة الروبل في عام 1998.

وفي مقابلة عبر الهاتف أجريت معه في الأسبوع الحالي، قال عثمانوف: «لدي نظرية للتعامل مع الأزمات، تتمثل في ضرورة توظيف الأزمة لجني هامش ربح إضافي. ينبغي على المرء توقع وقت حدوث النمو، والاستثمار قبل ذلك مباشرة».

لجأ زوكربيرغ إلى المستثمرين الروس في عام 2009 في اجتماع عقد بواسطة مصرف غولدمان ساكس، في الوقت الذي تباطأت فيه مصادر التمويل الأخرى جراء الأزمة. وبسبب ارتفاع شعبية الألعاب الاجتماعية على الإنترنت في روسيا كان المستثمرون الروس على وعي تام بقيمة مواقع شبكات التواصل الاجتماعي وكانوا على استعداد كامل لدفع أموال أكثر من غيرهم للحصول على أسهم في «فيس بوك».

كان المستثمرون الروس على استعداد أيضا لقبول شرط آخر شديد الأهمية بالنسبة لزوكربيرغ، ألا وهو عدم حصولهم على حقوق تصويت أو مقاعد داخل مجلس الإدارة، على الرغم من امتلاكهم لنسبة 10 في المائة من أسهم «فيس بوك»، بالإضافة إلى أنهم لن يكون لهم رأي في تحديد سياسات الخصوصية والتنظيم السياسي الخاصة بالموقع، بما يحافظ على استقلال الموقع، وهو الأمر الذي أصبح شديد الأهمية في الوقت الذي يلعب فيه «فيس بوك» دورا رئيسيا في السياسات الداخلية في روسيا.

لم يتردد عثمانوف، المقرب من الكريملين، في استخدام وسائل الإعلام التي يمتلكها في دعم الحكومة، حيث قام في شهر ديسمبر (كانون الأول) بإقالة ناشر ومدير تحرير إحدى أكثر المجلات السياسية التي تحظى بالاحترام في روسيا، «كوميرسانت - فلاست»، عقب قيام المجلة بنشر تقارير مفصلة حول عمليات التزوير الواضحة التي جرت في الانتخابات الوطنية.

أوضح عثمانوف أنه لم يقُم بإقالة مدير التحرير بسبب التغطية السياسية في حد ذاتها، ولكن لقيامه بنشر صورة حول الاقتراع تحتوي على إهانة صارخة في حق فلاديمير بوتين، الذي كان وقتها رئيسا للوزراء وأصبح الآن رئيسا لروسيا.

أكد عثمانوف أن المغامرة الروسية بالدخول في موقع «فيس بوك» كانت محض مغامرة اقتصادية، مضيفا: «بدأ الأميركيون بالاستثمار في الخارج بعد 100 عام من تطبيق الرأسمالية في بلدهم، ولكننا نقوم بهذه الخطوة بعد 20 عاما فقط».

من الصعوبة بمكان تخمين التفاصيل الدقيقة لصفقة استحواذ المستثمرين الروس على أسهم في «فيس بوك». تم ضخ هذه الاستثمارات على مدار عامين من خلال شركة الإنترنت الروسية «ميل. آر يو» وصندوق استثمار «ديجيتال سكاي تكنولوجيز»، الذي يديره رجل الأعمال الرأسمالي البارز يوري ميلنير. وعلى الرغم من أن عثمانوف كان هو الداعم الرئيسي، اشترك مستثمرون آخرون معه في هذه الصفقة.

التقى ميلنير بزوكربيرغ في عام 2009 قبل البدء في أولى الاستثمارات، على الرغم من أنه لم يلتقِ عثمانوف مطلقا.

يقول عثمانوف إن تركيزه على شبكات التواصل الاجتماعي يعكس الخبرة التي اكتسبها من مراقبة نمو سوق الإنترنت في روسيا في الأعوام القليلة الماضية. وفي عام 2005 بدأت «ديجيتال سكاي تكنولوجيز» في الاستثمار في شركات الإنترنت في روسيا ودول أوروبا الشرقية، حيث يزداد تهافت الناس على الألعاب الاجتماعية وتجارة السلع الافتراضية في بعض الأجزاء من قارة آسيا بمعدل أكبر من الولايات المتحدة الأميركية.

كانت سوق وسائل الإعلام المطبوعة شديدة الضعف في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، نظرا للضوابط السياسية المفروضة على الصحف القومية، مما ترك مساحة أكبر من الحرية لوسائل الإعلام الأخرى مثل شبكات التواصل الاجتماعي.

أدى هذا الأمر إلى تفهم إمكانات النمو الهائلة التي تحظى بها شبكات التواصل الاجتماعي، التي تنطوي على قيام عدد كبير من المستخدمين بدفع مبالغ صغيرة من المال، في الأسواق الناشئة، طبقا لميلنير.

يقول ميلنير: «وفي هذا الوقت، ربما كنت أنا أكثر الأشخاص في العالم إدراكا للأرباح التي قد تدرها شبكات التواصل الاجتماعي».

تعتبر روسيا واحدة من الأسواق الرئيسية القليلة في العالم في الوقت الحالي التي لا يهيمن «فيس بوك» على شبكات التواصل الاجتماعي فيها، نظرا لقوة الشركات المحلية، مثل «فكونتاكتي» و«موي مير». تتضمن الأسواق الأخرى التي يضعف فيها تأثير «فيس بوك» بلدان كوريا الجنوبية حيث تزداد شعبيته في الوقت الراهن، والصين حيث تقوم الحكومة بحجب الموقع نظرا لإمكانية استخدامه في تنظيم المعارضة.

وبعد سلسلة الاستثمارات التي بدأت منذ عام 2009 وحتى 2011، أكد عثمانوف أنه كان يمتلك، بالاشتراك مع ميلنير، نحو 9 في المائة من أسهم «فيس بوك» في وقت من الأوقات، ولكن النسبة انخفضت الآن إلى نحو 6 في المائة فقط، وستصل إلى نحو 4.5 في المائة بعد الطرح العام الأولي، حيث ذهبت الحصص الأخرى التي كانت بحوزتهم إلى مستثمرين آخرين، مثل زبائن «ديجيتال سكاي تكنولوجيز» وبعض الكيانات الأخرى.

حصل عثمانوف على كل هذه المليارات التي بحوزته من خلال عالم الأعمال الذي أعقب الحقبة السوفياتية، حيث أدار مصانع صلب تابعة لشركة «غازبروم»، قبل أن تنفصل عن «غازبروم» وتصبح ملكه، تحت اسم «غازميتال»، ثم تحول الاسم إلى «ميتالو إنفست». وأكد عثمانوف أنه تحمل الديون المترتبة على هذه الصفقة وغيرها من صفقات الاستحواذ على مناجم الحديد الخام في روسيا. وأشار عثمانوف إلى أنه سوف يستخدم الأموال التي سيجنيها من شراء أسهمه في الطرح العام الأولي لـ«فيس بوك» في الاستثمار ودفع ديون مشروعاته الأخرى في روسيا.

من المتوقع أن تقوم شركة «ميغافون»، ثاني أكبر مشغل لخدمات الهواتف الجوالة في روسيا، والتي يمتلك عثمانوف جزءا منها، بإصدار أسهم في لندن في الطرح العام الأولي للشركة في العام الحالي.

يقال إن عثمانوف قد أصبح مقربا من الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي ديمتري ميدفيديف من خلال عمله مع شركة «غازبروم»، التي كان ميدفيديف يترأس مجلس إدارتها في السابق. وأثارت علاقة عثمانوف مع الكريملين، بالإضافة إلى امتلاكه لأسهم في «فيس بوك»، المخاوف من إمكانية تأثيره على سياسيات الشركة بطرق خفية، لاسترضاء حكومات بعض الدول التي يلعب فيها «فيس بوك» دورا هاما بالنسبة للمعارضة السياسية فيها، مثل روسيا.

وحيث إنه لا يمتلك حق التصويت في «فيس بوك» بموجب الأسهم التي بحوزته، فليس لعثمانوف تأثير مباشر على سياسات الموقع تجاه روسيا.

قضى عثمانوف، الذي ولد في أوزبكستان، ست سنوات في أحد السجون الأوزبكية بعد إدانته بالاحتيال والاختلاس في ثمانينات القرن الماضي، وهي التهم التي يصفها عثمانوف بالسياسية نتيجة الصراع على السلطة بين النخبة في أوزبكستان. وتم إرسال عثمانوف، الذي كان والده يعمل مدعيا عاما، إلى أحد معسكرات الاعتقال النائية، حيث كان الكثير من الرجال الذين حكم عليهم والده يقضون عقوبة السجن هناك، وهو ما يبدو قرارا متعمدا لكي يتم الإساءة إليه أو حتى قتله.

برأت المحاكم السوفياتية في وقت لاحق عثمانوف من هذه التهم وقامت بشطب هذا الحكم من سجله. وقضت المحكمة العليا في أوزبكستان في عام 2000 بأن أجهزة الاستخبارات الروسية «كي جي بي» قد قامت بتلفيق الأدلة ضد عثمانوف وبعض أبناء كبار المسؤولين في أوزبكستان في تلك الفترة.

يقول عثمانوف: «تمكنت من البقاء على قيد الحياة بسبب حبي لزوجتي ورغبتي في العودة إليها ورغبتي في إثبات براءتي. أنا أعتبر مثالا للأشخاص الأبرياء الموجودين داخل السجون. يمكن لشخص بريء مثلي أن يحقق أشياء هامة في الحياة، وهو ما دفعني لتكريس 25 عاما من عمري لهذه الفكرة».

* ساهم في كتابة هذا التقرير إيفلين روسلي من نيويورك.

* خدمة «نيويورك تايمز»