تعثر سهم «فيس بوك» يثير تساؤلات وتبادل لوم واتهامات

سعره انخفض إلى ما دون سعر طرحه العام الأولي

طرح أسهم «فيس بوك» رافقته جعجعة إعلامية كبيرة (إ.ب.أ)
TT

«وول ستريت» تمارس لعبة إلقاء اللوم بشأن «فيس بوك». مع تعثر أسهم موقع التواصل الاجتماعي في ثاني يوم من التداول، تساءل المصرفيون والمستثمرون والمحللون عن الخطأ الذي حدث في الطرح العام الأولي لأسهم مؤسسة «فيس بوك»، التي تعد من أكثر المؤسسات العاملة في مجال التكنولوجيا التي طال انتظارها منذ سنوات. وتشير بعض أصابع الاتهام إلى «مورغان ستانلي»، أكبر مصرف مشارك في عملية الطرح العام الأولي، بينما ينتقد البعض الآخر بورصة «ناسداك» ومؤسسة «فيس بوك» نفسها.

وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» أعده مايكل دي لا ميرسد وإيفيل راسلي وسوزان كريغ، فبعد الطرح رأى بعض النقاد أن سعر طرح سهم «فيس بوك» كان مرتفعا للغاية، وأنه تم بيع أسهم كثيرة إلى العامة، مما أثر سلبا على أداء السهم. قد تؤدي مشكلات «فيس بوك» إلى فتور حماسة العدد الهائل من الشركات المتجهة نحو طرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقد يؤدي هذا إلى إدخال تغييرات على عملية الطرح العام الأولي. وقد يطالب مستثمرون من المؤسسات الضخمة بوجه خاص مثل «فيديليتي» و«فانغارد» المزيد من السيطرة على تحديد السعر على حساب الشركات والمصرفيين. وقال ديفيد أبيلا، مدير المحافظ الاستثمارية في «روتشدال إنفستمنت مانجمنت»، الذي حاول الحصول على أسهم في عملية الطرح لكنه لم يستطع الحصول على مخصصات: «يا له من إحباط، لقد كان المستثمرون يتوقعون الحصول على أرباح بسهولة من هذه العملية».

وتم الترويج لـ«فيس بوك» باعتبارها المؤسسة التي تلي «غوغل»، نجم التكنولوجيا الذي تألق في السماء، في المرتبة. ومع ذلك تعثرت أسهم «فيس بوك» عند بداية طرحها يوم الجمعة، وأعاق خطأ فني في نظام بورصة «ناسداك»، التي أدرجت مؤسسة «فيس بوك» اسمها بها، تداول الأسهم خلال الساعات الأولى. ومع تأرجح التداول حول سعر الطرح الأولي الذي يبلغ 38 دولارا، كان على «مورغان ستانلي» التدخل للمساعدة في تثبيت السعر. وأنهى سهم «فيس بوك» ذلك اليوم مثلما بدأ تقريبا. وفي الوقت الذي قد يأمل فيه المصرفيون أن يعود سهم «فيس بوك» يوم الاثنين دون أي مشكلات فنية، تلاشى هذا التفاؤل مع تراجع سعر السهم، حيث انخفض بنسبة 11 في المائة ووصل إلى 34.03 دولار. كان الحصول على نصيب من عملية الطرح الأولي لأسهم «فيس بوك» بالنسبة إلى «مورغان ستانلي» بمثابة واحد من أكبر الانقلابات المصرفية الاستثمارية على مدى عقد وطرح ناجح كان يرى أنه سيعزز من مكانته كقوة مهيمنة في عالم الطرح العام الأولي في مجال التكنولوجيا، لكنه الآن يواجه حاليا تساؤلات بشأن دوره في الأحداث التي تحيط بـ«فيس بوك».

يا له من موقف غير عادي بالنسبة لمصرف. لقد قاد هذا المصرف العام الماضي كبرى عمليات طرح أولي في مجال التكنولوجيا، من بينها عمليات اكتتاب لـ«لينكد إن» و«غروبون» و«زينغا». كان هذا العمل مربحا للغاية بالنسبة للمصرف، حيث أدرّت عليه استثماراته في عملية الطرح الأولي لـ«فيس بوك» وحدها 67.8 مليون دولار بحسب مؤسسة «كابيتال اي كيو» التابعة لـ«ستاندرد أند بورز». في الوقت ذاته اكتسبت المؤسسة سمعة بأنها مقيدة، حيث قال عدد من المصرفيين المشاركين في عملية الطرح الأولي لـ«فيس بوك» وعمليات طرح أولي أخرى إن «مورغان ستانلي» يتخذ قرارات دون الحصول على معطيات كثيرة من متعهدي الاكتتاب الآخرين. ويقول المنافسون المشاركون في عملية اكتتاب «فيس بوك» إن «مورغان ستانلي» سيطر كثيرا على جوانب هامة من العملية، من بينها الاجتماعات مع المؤسسات المساهمة. وتقول تلك المصارف إن المصرفيين في «مورغان ستانلي» والمسؤولين التنفيذيين في «فيس بوك» تجاهلوا بعض المعطيات الخاصة بتحديد السعر. ووسط زيادة طلب المستثمرين قبل طرح أسهم «فيس بوك» للاكتتاب، اتصل مصرف «مورغان ستانلي» بمصارف أخرى لمناقشة رفع سعر الطرح الأولي إلى 38 دولارا، في حين كان السعر المقترح يتراوح بين 28 و35 دولارا.

قاومت بعض الشركات هذا الأمر، مشيرة إلى أن قواعد الشركة لا تتيح تقييما أكبر من ذلك بحسب بعض المصادر المطلعة على المناقشات. كذلك شعرت المصارف المنافسة بالقلق من أن يكون المستثمرون الأفراد الذين ينتمون إلى الفئة المتسمة بالتقلب وراء الطلب الهائل. مع ذلك يقول آخرون مشاركون في عملية الطرح العام الأولي إن «مورغان ستانلي» ومستشارين آخرين تحدثوا كثيرا مع مستثمرين محتملين بشأن السعر العادل للسهم وأن سعر الـ38 دولارا له ما يدعمه.

وبالنسبة لـ«مورغان ستانلي»، كان أحد الأهداف الرئيسية هو تجنب «قفزة» هائلة في قيمة الأسهم خلال اليوم الأول من التداول، وهي إشارة إلى أن سعر الطرح الأولي كان منخفضا للغاية. وقد تضاعف سعر سهم شركة «لينكد إن»، على سبيل المثال، خلال اليوم الأول من التداول. وبشكل عام، يحبذ المصرفيون الزيادة البسيطة، ولتكن بنسبة 10 في المائة مثلا، وهو ما يحدث نوعا من التوازن بين احتياجات المستثمرين الجدد الذين يريدون تحقيق مكاسب كبيرة وبين المستثمرين الحاليين الذين لا يريدون الدخول في صفقات تكون أرباحها أقل مما يتوقعون.

وقال نيك زاهارياس، وهو مستشار مستقل يقدم المشورة للمستثمرين: «نطاق وحجم طرح (فيس بوك) لأسهمها للاكتتاب العام لم يتزايد من خلال رصد دقيق عن طريق مؤسسة (مورغان ستانلي) وضامني الاكتتاب التابعين لها. في الحقيقة، يبدو الأمر وكأن (مورغان ستانلي) قد فقدت السيطرة على العملية».

ومع ذلك لم تتفاقم الإحباطات من عملية طرح الأسهم للاكتتاب العام حتى صباح يوم الجمعة. وعندما قامت بورصة «ناسداك» بتحديد السعر الافتتاحي لأسهم «فيس بوك»، شهدت أنظمة الصرف طلبا هائلا من قبل المستثمرين. وتم تأخير التداول في الشركة لمدة نصف ساعة حتى الحادية عشرة والنصف صباحا، ولكن لم يكن هناك الكثير من تأكيدات التداول حتى الساعة الواحدة وخمسين دقيقة مساء، على الأقل، وهو ما يعني أن الكثير من المستثمرين كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم دون أي تعليمات.

وبالنسبة إلى الكثير من المصرفيين، كان هذا إنذارا بوجود كارثة. وبصفتها ضامن الاكتتاب والمسؤول عن الحفاظ على استقرار الأسعار، كان يتعين على «مورغان ستانلي» أن تعمل على مواصلة التداول في حالة تعثر سهم «فيس بوك»، ولذا قام المستثمرون التابعون للمؤسسة بشراء ما يتراوح بين 30 مليونا و40 مليون سهم بقيمة 38 دولارا للسهم في ذلك اليوم، على أمل منع السهم من الهبوط إلى قيمة أقل من السعر المعروض، وفقا لأشخاص مشتركين في العملية. وعادة ما ينجح بيع أسهم إضافية بسعر المعروض في الحفاظ على قيمة الأسهم من الانحراف بعيدا جدا عن قيمة السعر المعروض.

ومع ذلك، لن تكون الآلية الدفاعية فعالة لمدة طويلة على الأرجح، نظرا لحجم اكتتاب أسهم «فيس بوك» والتداول الكثيف. ولم تكن «مورغان ستانلي» تملك سوى 63 مليون سهم فقط، في حين تم تداول أكثر من 571 مليون سهم من أسهم «فيس بوك» يوم الجمعة، وتداول 168 مليون سهم يوم الاثنين.

وقال أحد المصرفيين المشاركين في عملية الاكتتاب: «يشبه الأمر خوض حرب بمدفع مياه، وهو ما يعني أن الأمر كان غير فعال بالمرة».

وعلاوة على ذلك، كان يتعين على المستثمرين التعامل مع مجموعة من الأنباء المقلقة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، فقبل أسبوع من الاكتتاب العام قامت «فيس بوك» بتعديل نشرة الاكتتاب، مما ألقى الضوء على التحدي المتمثل في تحقيق أرباح في شركات الاتصالات. وفي الخامس عشر من مايو (أيار) الحالي، أعلنت شركة «جنرال موتورز» التي تعد واحدة من أكبر المعلنين في البلاد، عن سحب إعلاناتها من على شبكة «فيس بوك»، التي كانت تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار.

وعلاوة على ذلك، فوجئ بعض المستثمرين من المؤسسات بحجم مخصصاتهم، حيث كانوا يتوقعون الحصول على حصص أقل بكثير. وفي عملية المناورة للحصول على مزيد من الأسهم في عملية الاكتتاب، سوف يطالب المستثمرون في غالب الأمر بكمية كبيرة من الأسهم، حتى لو كانوا يتوقعون الحصول على جزء بسيط منها.

وقال أحد مديري المحافظ، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من إغضاب متعهدي الضمان في «فيس بوك»: «حصلنا على أسهم أكثر مما كنا نتوقع، وهو ما سبب لنا حالة من التوتر». وخوفا من أن يكون حجم التخصيص لا يحظى بدعم واسع من قبل المستثمرين، قام المدير ببيع كل أسهم «فيس بوك» التي تملكها الشركة يوم الجمعة، وقال: «لو كانت هذه الأسهم حقا رائجة لما حصلنا على هذا العدد الكبير من الأسهم».

إن الاكتتاب العام الأولي المخيب للآمال بالنسبة لـ«فيس بوك» لا يبشر بالخير للاكتتابات الأخرى، حيث تستعد عشرات الشركات لطرح أسهمها للاكتتاب العام خلال الفترة المقبلة، وفقا لمؤسسة «طومسون رويترز»، بما في ذلك بعض الشركات المعروفة مثل «مايكلز ستورز» و«شاترستوك»، وهي خدمة إلكترونية لعرض الصور.

وقد يتأثر المستثمرون من المؤسسات، مثل مؤسسة «فيديليتي مندجمنت»، بانخفاض أسعار أسهم «فيس بوك»، وهو ما قد يجعلهم أكثر حذرا في إبرام صفقات في المستقبل.

ومع ذلك لم تنتهِ قصة أسهم «فيس بوك» حتى الآن، حيث سرعان ما تعثر موقع «أمازون دوت كوم» عقب طرح أسهمه للاكتتاب الأولي لأول مرة في مايو عام 1997، وتم التداول بأقل من السعر المعروض الذي كان يبلغ 18 دولارا للسهم لعدة أشهر. وبعد مرور عام على الاكتتاب العام، ارتفع سعر سهم «أمازون دوت كوم» بمقدار أربعة أضعاف، وأغلق سعر السهم يوم الاثنين الماضي على 218.11 دولار.