مصرفيون يواجهون تحقيقا حول نزاهة الإصدار الأولي لأسهم «فيس بوك»

الاتهامات تطال «مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس»

TT

في ظل الاهتمام المتزايد من جانب واشنطن بالتحقيق في ملابسات الطرح العام الأولي لأسهم شركة «فيس بوك»، يواجه المسؤولون الماليون بالشركة تساؤلات تتعلق بمدى نزاهة عملية الطرح، حتى وإن كانت سليمة من الناحية القانونية.

وتتركز المخاوف على «مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس» وغيرهما من المصارف المشاركة في الطرح العام الأولي التي خصت مجموعة معينة من العملاء بإطلاعهم على وجود توقعات سلبية لديها تجاه سهم «فيس بوك»، بدلا من إعلانها على جميع المستثمرين.

ففي الأيام السابقة لبدء تداول سهم «فيس بوك» في البورصة، قام المحللون في الكثير من المصارف بخفض تقديراتهم المتعلقة بنمو الشبكة الاجتماعية. وقد جاءت هذه الخطوة بعد أن أخبرتهم الشركة بتراجع إيراداتها الربعية والسنوية، بحسب مصادر مطلعة طلبوا عدم ذكر أسمائهم بسبب عدم التصريح لهم بالحديث علنا عن هذه القضية. وطبقا لما هو معتاد في عمليات الطرح العام الأولي، اتصل محللو الأبحاث لدى «مورغان ستانلي» و«غولدمان ساكس» وغيرهما من المؤسسات المالية ببعض العملاء من أجل مناقشة توقعاتهم المعدلة، بينما اتصل مستثمرون كبار آخرون بتلك المصارف لإطلاعهم على تصوراتها الجديدة. أما المستثمرون الصغار العاديون، فلم تتح لهم نفس الفرصة للاطلاع على تلك المعلومات القيمة.

وقد بدأت السلطات التنظيمية والتشريعية مؤخرا في التحقيق عن كثب في المسألة، حيث ذكر مصدر مطلع على الأمر أن قسم تفعيل القوانين في «هيئة الأوراق المالية والبورصة» فتح الأسبوع الماضي تحقيقا مبدئيا في عملية طرح أسهم «فيس بوك» للاكتتاب، كما بدأت اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ ولجنة الخدمات المالية في الكونغرس عمليات استقصاء غير رسمية حول الموضوع نفسه.

وينوي موظفون بالكونغرس، خلال الأيام المقبلة، التحدث مع مسؤولي شركة «فيس بوك» والسلطات التنظيمية والأطراف الأخرى التي كان لها ضلع في الطرح العام الأولي، وبعدها سوف تحدد اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ ما إذا كانت ستعقد جلسة استماع علنية بخصوص هذا الأمر.

ويقول السيناتور الديمقراطي جاك ريد، ممثل ولاية رود أيلاند ورئيس اللجنة المصرفية الفرعية للأوراق المالية والتأمين والاستثمار بمجلس الشيوخ: «في الوقت الذي تحقق فيه هيئة الأوراق المالية والبورصة في المشكلات التي أحاطت بالطرح العام الأولي لسهم (فيس بوك)، أعتقد أنه من المهم إجراء استقصاء واسع وعلني حول إجراءات طرح أسهم أي شركة من الشركات في البورصة. نحن بحاجة إلى التحقق من أن النظام القائم عادل ومتوازن ويعمل من أجل الجميع».

وليس من الواضح حجم التحقيق الذي ستجريه «هيئة الأوراق المالية والبورصة»، وإن كان من الممكن أن تقوم وحدة مخالفات سوق المال التابعة للهيئة بالتحقيق في كيفية وصول معلومات غير معلنة إلى بعض المستثمرين، وما إذا كانت تلك المعلومات تتعارض مع الإفصاحات العلنية الصادرة عن الشركة وكذلك التقارير التي قدمتها إلى الجهات الرسمية. وأضاف مصدر قريب من الموضوع أن الهيئة استمعت كذلك إلى شكاوى من مستثمرين لم يكن لديهم علم بعدد الأسهم التي يحملونها، وسط أخطاء فنية وقعت في بورصة «ناسداك» يوم الجمعة الماضي.

ولم يتم اتهام أحد في شركة «فيس بوك» أو أي من متعهدي تغطية الاكتتاب الخاص بها بارتكاب أي مخالفات، وحذرت مصادر قريبة من الموضوع من أن الشركة ومصارفها قد لا تكون قد ارتكبت أي مخالفة لأي لوائح. وامتنعت «هيئة الأوراق المالية والبورصة» وشركة «فيس بوك» ومصرف «مورغان ستانلي» عن التعليق.

ورغم كونه طرح الأسهم التكنولوجية الأكثر ترقبا منذ سنوات، جاءت بداية تداول سهم «فيس بوك» في البورصة مخيبة للآمال بالنسبة لكثير من المستثمرين الذين كانوا متحمسين له في يوم من الأيام. وفي الوقت الذي كان متعهدو تغطية الاكتتاب والمستثمرون والمحللون يأملون في «قفزة» حتى ولو بسيطة في أول يوم من التداول، كسر سهم «فيس بوك» بالكاد سعر طرحه البالغ 38 دولارا، واستلزم الأمر دعما من مصرف «مورغان ستانلي» لإبقاء السهم فوق ذلك المستوى.

ثم هوى سهم «فيس بوك» خلال اليومين التاليين من التداول، قبل أن يقفل أخيرا على ارتفاع بنسبة 3.2 في المائة يوم الأربعاء الماضي، ليصل إلى سعر 32 دولارا، وإن ظل أقل بكثير من السعر الذي طرح به.

وما زال كثير من المشاركين في السوق يكافحون لمعالجة انعكاسات البداية المضطربة لسهم «فيس بوك» في البورصة، حيث كتبت ذراع الوساطة المالية لمصرف «مورغان ستانلي» في مذكرة داخلية الأربعاء الماضي أنها بصدد مراجعة أوامر العملاء، وربما تقوم برد ما دفعوه نتيجة لوجود تفاوتات في التسعير.

ونظرا لكونه أكبر طرح لشركة إنترنت في التاريخ، فقد حظي الطرح العام الأولي لأسهم «فيس بوك» برقابة واهتمام شديدين منذ البداية. ولكن مع خسارة الأسهم لمبلغ 16 مليار دولار من إجمالي قيمتها السوقية، بدأ بعض المستثمرين الصغار في الصراخ حول وجود مخالفات في الموضوع، وبدأت الجهات التنظيمية في التساؤل عما أفسد الأمور بهذه الصورة.

ويقول جاكوب فرنكل، محام سابق لدى «هيئة الأوراق المالية والبورصة»، وهو حاليا شريك في شركة «شولمان وروجرز وغاندال وبوردي وإيكر»: «أي ضوء أسطع من أشهر طرح عام أولي في العصر الحديث؟ مع عطلة يوم الذكرى، تفتح حمامات السباحة الصيفية أبوابها، وهذه دعوة لجميع الجهات الرسمية كي تقفز فيها».

ومن الأمور التي سيشملها التحقيق من قبل الجهات التنظيمية تلك المحادثات التي دارت بين شركة «فيس بوك» والمحللين، وخاصة حول ما إذا كانت الشبكة الاجتماعية قد أعلنت بيانات تتعارض مع التقارير الرسمية التي قدمتها. وطبقا للقواعد المنظمة للأوراق المالية، يسمح للشركة التي تنوي طرح أسهمها في البورصة بتقديم معلومات «جوهرية» إلى محللي الأبحاث، ولكن إذا كانت تلك المعلومات غير متسقة مع نشرة الاكتتاب الرسمية التي أعلنتها الشركة، فيجب على الشركة المصدرة للسهم أن تعدل التقارير الرسمية التي قدمتها إلى الجهات التنظيمية.

وسوف يركز هذا التحقيق في الغالب على اثنين على الأقل من المؤتمرات الهاتفية التي أجرتها شركة «فيس بوك» مؤخرا مع محلليها. فخلال مناقشة جرت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، أحاطت شركة «فيس بوك» نحو 20 محللا مصرفيا علما بتصوراتها فيما يتعلق بإيرادات الربع الثاني والعام بأكمله، بحسب مصدر مطلع على الأمر. وفي يوم 9 مايو (أيار)، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الشركة نشرة اكتتاب معدلة تحدثت فيها عن التحديات التي تواجهها في مجال إعلانات الهواتف الجوالة، تحدثت شركة «فيس بوك» إلى المحللين مرة أخرى، وأخبرتهم بأن الإيرادات سوف تأتي في أدنى مستوى من توقعاتها.

وحينها، قام أحد المصارف بخفض توقعاته بشأن إيرادات الربع الثاني للشركة بنسبة 5 في المائة، وقام محللو مصرف «غولدمان ساكس» بإرسال مذكرة داخلية، تحتوي على الأرقام المعدلة، إلى مسؤولي إدارة الثروات الخاصة وفريق المبيعات المؤسسية به.

وفي رأي محامين وأساتذة متخصصين في الأوراق المالية يتابعون تفاصيل الطرح العام الأولي أن هذه التوقعات، رغم عدم ظهورها في التقارير الرسمية التي قدمتها شركة «فيس بوك»، لا يبدو أنها تتعارض مع أي معلومات قامت الشركة بالإفصاح عنها سابقا، علاوة على أن الشركة ألقت الضوء في نشرة الاكتتاب الخاصة بها على الخطوط العريضة للمخاطر التي تتهدد نموها مستقبلا.

ويقول خبراء الأوراق المالية إن من المسارات الأخرى التي قد تسلكها التحقيقات التي تجريها السلطات الرسمية مسألة ما إذا كان المحللون المصرفيون قد قاموا بنشر تلك المعلومات بصورة غير نزيهة اقتصرت على مجموعة مختارة من المستثمرين. فقبل أن تطرح أي شركة أسهمها للتداول، لا يسمح للمحللين الذين يعملون لدى المصرف المتعهد بتغطية الاكتتاب بنشر أي توقعات أو أبحاث عن الشركة، ولا يمكنهم تقديم تلك التقديرات سوى شفهيا، عبر مكالمة هاتفية مثلا، وهم لا يفعلون ذلك على وجه العموم سوى مع عملائهم الكبار.

ويشير المحامون المتخصصون في الأوراق المالية إلى أن محللي الأبحاث غير ملزمين بإطلاع الجمهور العادي على أعمالهم، حيث تسمح القواعد المنظمة لعملية الطرح العام الأولي للمحللين بالتشاور مع عملاء معينين، طالما أن هذا يتم وفقا لسياسات المصرف الثابتة والقائمة منذ زمن طويل.

ومع ذلك، فقد ترك الطرح العام الأولي لأسهم «فيس بوك» مرارة في حلق بعض المستثمرين، الذين يرون أن النظام بأكمله أقيم بصورة تحابي كبار المستثمرين، حيث إن هذه العملية، التي تتضمن بصورة واضحة إجراء سلسلة من الاجتماعات مع فرق الإدارة تعرف باسم «العرض الفني»، تعطي المستثمرين الكبار مثل صناديق التحوط ميزة الاطلاع على معلومات أكثر عن الشركة. ويقول كريستوفر كيلر، شريك في شركة «لاباتون سوشارو»: «إنها مشكلة تاريخ. منذ 20 إلى 30 عاما، لم يكن هناك شيء اسمه مستثمرو تجزئة بالصورة التي نعرفها، وبالتالي لا تزال لدينا قواعد تسمح للاعب الكبير في السوق بأن يتمتع ببعض المزايا».

وقد كان هذا درسا تعلمه إلياس فياني مؤخرا. فخلال الساعات الأولى من تداول سهم «فيس بوك» يوم 18 مايو الماضي، قام فياني، موظف في «هيئة مواصلات مدينة نيويورك» يبلغ من العمر 53 عاما، بشراء ألف سهم عن طريق مصرف «بنك أوف أميركا ميريل لينش» بسعر 38 دولارا للسهم. وفي صباح يوم الاثنين، أصابه الذعر نتيجة هبوط سعر السهم، فقام ببيع حصته مقابل 33 دولارا للسهم، بخسارة قدرها 5 آلاف دولار.

وبعد يومين، اتصلت به شركة الوساطة التي يتعامل معها، وطلبت منه 4 آلاف دولار أخرى، لأن سعر الشراء الصحيح، نتيجة لخطأ ما، كان ينبغي أن يكون 42 دولارا.

وما زاد الطين بلة بالنسبة للرجل أنه علم أن بعض المستثمرين قد حصلوا على معلومات عن الأوضاع المالية لشركة «فيس بوك» لم تتح له على الإطلاق، فما كان منه إلا أن اتصل بـ«هيئة الأوراق المالية والبورصة» بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي من أجل التقدم بشكوى. وختم قائلا «المسألة تتعلق بفقدان الثقة. هذه واقعة تلاعب أخرى في البورصة».

* خدمة «نيويورك تايمز»