قمة اليورو تنتهي بخلاف حول «سندات اليورو» وخطط التقشف

رغم تأكيد القادة على عدم التضحية باليونان

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حديث ودي مع الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند (رويترز)
TT

الكل يريد بقاء اليونان في منطقة اليورو مع احترام التزاماتها، وفي الوقت نفسه لا بد من استمرار الإصلاحات الحيوية، وتشجيع الاستثمار الخاص، وتعزيز المؤسسات، لأن ذلك هو أفضل ضمان لمستقبل أكثر ازدهارا لمنطقة اليورو، هذا ما جرى التوافق بشأنه في ختام قمة بروكسل الاستثنائية التي جمعت قادة دول الاتحاد الأوروبي على عشاء عمل غير رسمي مساء الأربعاء، واستمر حتى وقت مبكر من فجر الخميس.

وفي الوقت نفسه، لمحت تصريحات القادة إلى وجود خلافات على قضايا أخرى مثل سندات اليورو، وأكدت رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، أن التكتل الأوروبي الموحد على استعداد الآن لاتخاذ قرارات مشتركة في قمة بروكسل الاعتيادية في يونيو (حزيران) المقبل، وذلك عقب مناقشة الدعائم الأساسية لاستراتيجية النمو، التي تعرف باستراتيجية 2020.

وقال هرمان فان رومبوي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي في ختام القمة، إن استراتيجية النمو تعتمد على ثلاثة ركائز أساسية؛ أولا، الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى حشد السياسات لتقديم الدعم الكامل للنمو، وثانيا ضرورة تكثيف الجهود لتمويل الاقتصاد من خلال الاستثمارات، وثالثا تعزيز خلق فرص العمل، وأضاف المسؤول الأوروبي أن النقاش حول رفض خفض العجز وتحقيق النمو نقاش زائف لأنهما وجهان لعملة واحدة لأنه من دون المالية العامة السليمة لا يمكن تحقيق نمو مستدام.

من جهته، اعترف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بوجود اختلاف في وجهات النظر بينه وبين المستشارة الألمانية، بشأن إصدار سندات مشتركة لمنطقة اليورو. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: «أحترم وجهة نظر ميركل عندما قالت إن السندات الأوروبية ليست أداة للنمو، لكنها في المقابل، قد تكون أداة تسمح بالنمو في ظل ظروف محددة، وبالتالي، قد يستمر هذا الجدل» هولاند طلب أيضا، إدراج شفافية سندات منطقة اليورو على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي لعرضها في القمة المقبلة.

وبحسب العديد من المراقبين، فإن القرارات ستتخذ في القمة المقبلة المقررة في نهاية يونيو المقبل، إلى هذا توصل المجتمعون بعد ليلة طويلة نستطيع القول إنها شهدت خلافات كثيرة متعلقة بموضوعات كبيرة وأن الجدل ستزداد حدته خلال الأسابيع المقبلة. وفي تصريحات له عقب انتهاء أعمال القمة الاستثنائية، أوضح فان رومبوي النقاط الثلاث التي ترتكز عليها استراتيجية النمو قائلا: «نحن بحاجة إلى حشد سياسات الاتحاد الأوروبي لدعم النمو بشكل كامل، ولذلك فإننا ندعو البرلمان والمجلس الأوروبي إلى إحراز تقدم سريع في إنجاز المقترحات التشريعية مثل قانون السوق الواحدة، وكفاءة استخدام الطاقة، وبراءة الاختراع الأوروبية، وتوجيه الخدمات، وجدول الأعمال الرقمي، كما ينبغي للمفوضية والمجلس، السعي لتحقيق تنمية العمل على استخدام أفضل للتجارة الدولية بوصفها محركا للنمو، فهناك العديد من الاتفاقات التجارية الرئيسية الجارية التي من شأنها أن تعود بالنفع على الاقتصاد الأوروبي». وفي ما يتعلق بالركيزة الثانية، أوضح أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل تمويل الاقتصاد من خلال الاستثمارات، وحصول أفضل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الائتمان، ولكن لا بد للإصلاحات أن تسير جنبا إلى جنب الاستثمار، وعلى المجلس الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي النظر في إمكانية زيادة رأس المال المخصص لتمويل مختلف المشروعات في اتحاد التكتل الأوروبي الموحد، والوصول إلى تصور نهائي حول هذا الصدد بحلول شهر يونيو المقبل. ولمح فان رومبوي إلى ضرورة مواصلة العمل والمناقشات في المجلس الأوروبي حول فرض ضريبة على المعاملات المالية وكذلك مسألة التأخر في السداد، وأشار إلى أن قادة الاتحاد سيبحثون في يونيو الإطار المالي متعدد السنوات في النمو. وحول الركيزة الثالثة التي تتعلق بخلق فرص العمل، قال إنه لا بد من الاستثمار في المهارات والتدريب من أجل تعزيز الانتعاش في خلق الوظائف، وضرورة وضع خطط عمل وطنية مع التأكيد على اتخاذ إجراءات لدعم الطلب على العمالة وخلق فرص العمل، وتحقيق أفضل استخدام للسياسات الوطنية والأوروبية لتحفيز الصناديق المخصصة لمكافحة البطالة بين الشباب، ودعم العمال المتنقلين على نحو أفضل، وكذلك في ما يتعلق بحقوق التقاعد.

وحسب رومبوي، فقد شهدت القمة الاستثنائية مناقشات معمقة حول آخر التطورات في منطقة اليورو، وأكد الجميع على الالتزام بالحفاظ على الاستقرار المالي، وأنه لا بد من مرحلة جديدة من الاتحاد النقدي الاقتصادي، وتطرق القادة إلى ملفات أخرى مثل سندات اليورو، والرقابة المصرفية، والتأمين على الودائع، كما جرى في نهاية الاجتماع تبادل وجهات النظر حول الوضع في اليونان، وقال رومبوي إن الكل يريد بقاء اليونان في منطقة اليورو مع احترام التزاماتها، وأضاف: «ندرك تماما الجهود الكبيرة التي بذلتها اليونان حكومة وشعبا، ولكن في الوقت نفسه أظهرت منطقة اليورو تضامنا كبيرا مع أثينا بعد أن صرفت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ما يقرب من 150 مليار يورو لدعمها منذ 2010، وعلينا ضمان تحقيق إصلاحات تضمن النمو وخلق فرص العمل». واختتم بالقول إن استمرار الإصلاحات الحيوية، وتشجيع الاستثمار الخاص، وتعزيز المؤسسات، هو أفضل ضمان لمستقبل أكثر ازدهارا لمنطقة اليورو.

وقبل ساعات قليلة من انطلاق أعمال القمة الأوروبية الاستثنائية، قالت المفوضية الأوروبية إنها تتمنى أن تبقى اليونان عضوا في منطقة اليورو، وإنها سوف تستمر في بذل كل الجهود من أجل ذلك، وأكد رئيس المفوضية مانويل باروسو عقب لقاء مع رئيس الوزراء اليوناني المؤقت، على أن منطقة اليورو أظهرت تضامنا غير مسبوق مع اليونان وشعبها، وقدمت الدعم المالي حتى تستطيع أثينا أن تحافظ على التزاماتها بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة للعودة إلى النمو، مشيرا إلى أن الطريق الأقل صعوبة لخروج اليونان من الأزمة هو التنفيذ الكامل للبرنامج الثاني من الإصلاحات والتدابير التي جرى الاتفاق بشأنها مع الشركاء والداعمين الدوليين، كما رحبت المفوضية الأوروبية في بروكسل بتأييد المؤسسة التشريعية الأوروبية فرض ضريبة على المعاملات المالية، وأشاد الجيرداس سيميتا مفوض شؤون الضرائب والاتحاد الجمركي ومكافحة الفساد، بالدعم القوي من جانب البرلمان الأوروبي لفرض ضريبة على المعاملات المالية بعد التصويت الإيجابي لمقترح حول هذا الصدد جرى الأربعاء. وقال سيميتا في بيان إنه يرحب بشدة بتصويت البرلمان على مقترح فرض ضريبة على المعاملات المالية، وهو بمثابة اعتراف بأن الاتحاد الأوروبي يبذل كل الجهود من أجل نظام أكثر عدالة ضريبية، وقدر أكبر من الاستقرار في القطاع المالي، ومصدر جديد للدخل.

ويرى بعض المراقبين في بروكسل أن القمة الأوروبية المقررة بحثت مقترحات من أجل تحريك النمو الاقتصادي لدول أوروبا وإيجاد مخرج للأزمة اليونانية التي تقلق الأوروبيين منذ سنوات، كذلك البحث في الوضع الاقتصادي الإسباني المترنح. ويقول البعض إن القمة، كسابقاتها، بحثت في مبادرات تحريك النمو وزيادة رأسمال مصرف الاستثمار الأوروبي وتفعيل ما يعرف بالصناديق الهيكلية الأوروبية وفرض ضريبة على المعاملات المالية. وفي خضم هذه الملفات، احتلت اليونان الصدارة في المباحثات الأوروبية، لا سيما أنها تشهد أزمة اقتصادية منذ سنوات أثرت على استقرار المنطقة برمتها بالإضافة إلى مأزق سياسي جديد زاد الوضع تعقيدا. والتقى مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية قبل وقت قصير من انطلاق القمة مع باناجيوتيس بيكرامانوس رئيس الوزراء المؤقت في اليونان وأخبره الأخير بأن حكومته لها دور محدد خلال الأسابيع المقبلة وحتى إجراء الانتخابات، وقال باروسو إنه نقل للمسؤول اليوناني أن المفوضية الأوروبية تتمنى أن تبقى اليونان عضوا في منطقة اليورو، مشيرا إلى أن فرض ضريبة صغيرة قد يشكل مصدرا لتوليد عائدات ضخمة لتوليد النمو وتعزيز التدابير والإصلاحات الضريبية ومواجهة تحديات عالمية. واختتم بالقول إن الأمر أصبح الآن في أيدي وزراء المال الأوروبيين في الدول الأعضاء لإقراره. وقبل أيام قليلة، وجه هرمان فان رومبوي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، الدعوة لقادة دول التكتل الأوروبي الموحد لحضور القمة الاستثنائية الأربعاء على عشاء عمل غير رسمي، وبرر فان رومبوي الدعوة للاجتماع الاستثنائي بأن أمورا كثيرة حدثت منذ القمة الأوروبية الأخيرة في مارس (آذار) الماضي، وأنه حان الوقت لإجراء تبادل مفتوح في وجهات النظر حول كيفية تعزيز النمو وفرص العمل في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وقال فان رومبوي إن الغرض ليس اتخاذ القرارات ولكن التحضير لاتخاذ قرارات في يونيو المقبل وهو الموعد المحدد للقمة الاعتيادية، وأشار إلى أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت وضع استراتيجية شاملة للنمو المستدام وتحتوي على عناصر رئيسية مختلفة ومنها تدابير إدارة الأزمات والمالية والإصلاح التنظيمي والإصلاحات الهيكلية في إطار استراتيجية 2020. وقال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي إن بعض العناصر كان واضحا وأحيانا مؤلما، والبعض الآخر كان أقل وضوحا ولكن سوف يؤتي ثماره مع مرور الوقت. ولمح إلى أن الوقت حان لوضع المزيد من التركيز على تدابير أكثر مباشرة ومرتبطة بتشجيع النمو وفرص العمل.