المودعون يهربون من البنوك الإسبانية إلى «ملاذات آمنة»

الإسبان يتخوفون من عدم استرداد أموالهم حال إفلاس المصارف

تعليق التعامل في سهم «بانكيا» أقلق المودعين (أ.ف.ب)
TT

يقول ألفارو سافيدرا لوبيز، مسؤول تنفيذي بارز في شركة «آي بي إم» في إسبانيا، إن كثيرا من زملائه في الشركة في مختلف المناطق الإسبانية يبحثون عن ملاذات آمنة لأموالهم عن طريق تحويل الأموال الزائدة «بصورة يومية» إلى بعض البلدان القوية في منطقة اليورو مثل ألمانيا.

وعلى الرغم من قلة قيمتها وأنها لم ترتق بعد لمستوى علميات التهافت التقليدية على سحب الأموال من المصارف، فإن هذه التحويلات المتزايدة للودائع من المصارف الإسبانية المضطربة تعكس مخاوف أوسع من أن تؤدي المشكلات التي تواجهها البلاد إلى صعوبة استرداد الإسبان لأموالهم في حالة فشل هذه المصارف وعدم قيام الحكومة بدعمها. وفي أسوأ الحالات، يشعر البعض بالقلق من أن تقل قيمة أموالهم بصورة كبيرة إذا اضطرت إسبانيا للخروج من العملة الموحدة لمنطقة اليورو والعودة لاستخدام عملتها السابقة، البيزيتا.

وبالفعل، بدأت عمليات تدفق الأموال من المصارف في اليونان، حيث يعتقد الكثير من اليونانيين أنه من المرجح بصورة كبيرة أن تضطر بلدهم للخروج من منطقة اليورو. ولكن بالنسبة لصناع السياسة وخبراء الاقتصاد الأوروبيين، فإن احتمال انتشار عمليات التهافت البسيطة على المصارف من اليونان إلى الدول الكبرى، مثل إسبانيا - التي تمتلك ودائع مصرفية تصل إلى تريليون يورو (1.25 تريليون دولار) - يشكل خطرا متزايدا. وفي الواقع، ربما يزداد حجم التدفقات المالية من المصارف الإسبانية إذا قامت وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف، كما هو متوقع، بخفض تصنيف المصارف الإسبانية، التي تؤكد أن ضعف دولتها يجعلها في وضع أكثر خطورة.

من الممكن أن يؤدي حجم الدمار الذي قد يحدث في النظام المالي في القارة الأوروبية نتيجة لعمليات التهافت على المصارف إلى وضع مزيد من التعقيدات أمام الجهود التي يبذلها مسؤولو الاتحاد الأوروبي لصياغة خطة طويلة الأجل لتخفيف أزمة الديون وإحياء الاقتصاد الأوروبي، وذلك لأنه سيتوجب على السلطات التكيف مع التكاليف المضافة الكبيرة التي ستطلبها عملية دعم المصارف.

ويقول مات كنيغ، خبير في التدفقات المالية العالمية في مصرف «سيتي غروب» في لندن: «قد تحدث عمليات التهافت على المصارف بصورة سريعة للغاية، فقد تكون كل الأمور على ما يرام في الليلة السابقة، ولكن في الصباح التالي، تجد أنه قد فات الأوان». حدثت أزمة سيولة مشابهة في «وول ستريت» في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2008، والتي بدأت مع قيام المستثمرين القلقين بسحب أموالهم من المؤسسات المتعثرة، ثم تطور الأمر بسرعة إلى سحب الأموال من المؤسسات القوية، مما أدى إلى حدوث الأزمة المالية.

وفي اليونان، والتي ما زالت تعاني من أزمة مالية منذ أكثر من عامين، خرج بالفعل ثلث حجم الودائع المصرفية تقريبا من البلاد. ولم يحدث مثل هذا الخروج الكبير للودائع في إسبانيا حتى الآن، على الرغم من أن العام الماضي قد شهد تحويل نحو 4.3 في المائة من الودائع المصرفية، التي تصل إلى 41 مليار يورو أو 51 مليار دولار، إلى خارج إسبانيا. ولكن هذا المبلغ يجب أن يضاف إلى 140 مليار يورو أخرى تمثل حجم الانخفاض في الأصول المالية التي يمتلكها الأجانب في العام الماضي، حيث قام بعض الأجانب ببيع السندات الحكومية الإسبانية التي بحوزتهم.

وتثير هذه النزعة مخاوف المسؤولين الأوروبيين، ففي اجتماع غير رسمي لزعماء الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء في بروكسل، بدأت إيطاليا وبعض البلدان الأخرى في طرح اقتراح لزيادة الثقة في المصارف - وعمليات السحب التي لازلت في بدايتها - عن طريق إنشاء نظام تأمين على الودائع يشمل منطقة اليورو بالكامل ويهدف لحماية أصحاب الحسابات المصرفية من انهيار المصارف، على غرار «الشركة الفدرالية للتأمين على الودائع»، المعروفة اختصارا بـ«إف دي آي سي»، في الولايات المتحدة الأميركية. يمثل هذا الأمر مصدرا كبيرا للقلق بالنسبة لإسبانيا على وجه الخصوص، حيث إن صندوق التأمين على الودائع الوطنية في إسبانيا قد أفلس من الناحية العملية.

وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع حدوث المزيد من التدهور في أوضاع المصارف الإسبانية خلال العام المقبل، نظرا لاستمرار الخسائر الكبيرة في قطاعات العقارات التجارية والرهن العقاري، والتي تعد جزءا كبيرا من المشكلات التي تواجهها المصارف في البلاد.

وأعلنت الجهات التنظيمية لسوق الأسهم الإسباني يوم الجمعة أنه قد تم تعليق التداول على أسهم «بانكيا»، المصرف الإسباني المتعثر، وسط توقعات بأن تقوم المصارف التي جرى تأميمها بطلب الحصول على المزيد من الأموال من الحكومة الإسبانية كجزء من خطة إعادة الهيكلة التي سيتم الإعلان عنها بعد ظهر يوم الجمعة عقب اجتماع مجلس الإدارة. سوف تؤكد نتائج أعمال مصرف «بانكيا» في عام 2011 على الخسائر الكبيرة التي مني بها المصرف، الذي تضرر بشده نتيجة لانهيار سوق العقارات الإسبانية.

هناك القليل من الإشارات حتى الآن على أن خطط إنشاء صندوق الودائع في أوروبا باتت وشيكة، ولكن المسؤولين في بروكسيل يؤكدون أن هذه الفكرة، جنبا إلى جنب مع القضية الأكثر إثارة للجدل والخاصة بإصدار سندات باليورو مدعومة بمكانة كافة أعضاء منطقة اليورو، سيتم مناقشتها بصورة أكثر تفصيلا في الشهر القادم عندما يعقد القادة الأوروبيون اجتماعهم الرسمي القادم.

لا تزال فكرة التأمين على الودائع في سائر بلدان منطقة اليورو مطروحة منذ وقت طويل، ولكنها تواجه عقبة سياسية واضحة تتمثل في رفض دافعي الضرائب الألمان لموضوع دعم الودائع، التي تصل قيمتها إلى نحو 2.8 تريليون يورو، في البلدان التي تواجه مخاطر كبيرة مثل إسبانيا وإيطاليا، فضلا عن الأموال التي تم دفعها في إطار خطة الإنقاذ المالية في اليونان وآيرلندا والبرتغال.

وفي تقرير صدر مؤخرا، أشار كينغ، المحلل في مجموعة «سيتي غروب»، إلى أن خروج الأموال الأجنبية كان نذيرا بحدوث أزمة مصرفية كبيرة في آيرلندا واليونان قبل أن تطلب هذه البلدان من الاتحاد الأوروبي التدخل لإنقاذها. باتت إيطاليا تشعر بالقلق في الوقت الحالي من الخروج المفاجئ لنحو 220 مليار يورو من الأموال الأجنبية خلال العام الماضي.

لا تعتبر مثل هذه التدفقات المالية الساخنة أمرا غير عادي، ولا تشير في الغالب إلى إمكانية حدوث موجة هجرة مماثلة في الأموال المحلية. ويشير كينغ إلى أن عمليات سحب الودائع الأجنبية بدأت تقترب من المستويات التي وصلت إليها في اليونان وآيرلندا، حيث خرجت أكثر من نصف الودائع المصرفية الأجنبية وثلث حجم السندات من هذه البلدان قبل أن يتم وضع خطة الإنقاذ المالي موضع التنفيذ، بينما من الممكن أن يأخذ الانهيار المصرفي في إيطاليا وإسبانيا منحى مختلفا.

* خدمة «نيويورك تايمز»