هل يشعل خروج اليونان من اليورو فتيل إفلاس البنوك الأوروبية؟

خبير بحي المال البريطاني لـ «الشرق الأوسط»: إيداعات اليونان تتدفق على لندن

الحكومة الإسبانية اضطرت لضخ 19 مليار يورو في مصرف بانكيا لإنقاذه من الإفلاس (إ.ب.أ)
TT

هل يؤدي خروج اليونان من اليورو إلى انهيار بنوك في دول اليورو الضعيفة؟ سؤال أصبح يطرح بإلحاح من قبل خبراء المال والمصارف على جانبي الأطلسي وسط ربكة القيادات الأوروبية وانقسامها بشأن التعامل مع أزمة الديون السيادية وأزمة اليونان تحديدا التي يهدد فيها مرشح حزب اليسار المتطرف سيريزا انطونيس تسيبراس بوقف تسديد الديون وإعادة التفاوض حول شروط حزمة الإنقاذ وبرنامج التقشف الذي أجازته ومولته المفوضية الأوروبية و«المركزي الأوروبي» وصندوق النقد الدولي.

وسط هذه الأجواء القلقة يحول المودعون أموالهم من بنوك اليونان ويحبس المستثمرون أنفاسهم بانتظار نتائج الانتخابات اليونانية التي ستجرى في السابع عشر من الشهر القادم ويتقدم في استطلاعات الرأي حتى الآن مرشح اليسار على منافسيه من أحزاب اليمين والخضر. وبالتأكيد ستحدد هذه الانتخابات عما إذا كانت أثينا ستبقى في منطقة اليورو أم ستتخلى عن عضويتها في اليورو وبالتالي عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي. ويهدد مرشح اليسار اليوناني في حال فوزه بالتفاوض حول شروط حزمة الإنقاذ وبرنامج التقشف. وهذا التفاوض مرفوض بالنسبة لألمانيا والعديد من أعمدة دول منطقة اليورو، كما يرفضه كذلك صندوق النقد الدولي. «ولكن في الواقع لا أحد يعرف ماذا سيحدث لعضوية اليونان قبل ظهور نتائج الانتخابات»، كما يقول الخبير والمصرفي الأميركي لويدز شولتز الذي يدير شركة استثمارية في حي المال بلندن. وقال شولتز كل ما أعرفه حتى الآن أن أثرياء اليونان وأصحاب الشركات المتوسطة والمودعين يتدفقون إلى لندن وأن المصارف وعلى رأسها مصرف «سيتي بنك» تعمل لتلبية احتياجات أصحاب الثروات والمودعين الهاربين من السفينة اليونانية.

ولكن خلافا للتوقعات المتشائمة يرى شولتز في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن كلفة خروج اليونان من اليورو ستكون أكبر من الاحتفاظ بها في اليورو. ومن هذا المنطلق يعطي شولتز نسبة تتراوح بين «10 إلى 20 في المائة» لخروج اليونان من اليورو ونسبة تتراوح بين «80 إلى 90 في المائة» لبقاء اليونان. ويقول في هذا الصدد من سيفوز في انتخابات اليونان سيجد نفسه أمام القبول ببرنامج التقشف وشروط حزمة الإنقاذ ولكن ألمانيا تحديدا ودول اليورو يمكن أن تتفاوض معه حول حزمة نمو وتحفيز للنشاط الاقتصادي في اليونان. وتوقع أن يقبل الرئيس القادم، أي كان، بمثل هذا الاقتراح ويتفاوض على حزمة إنعاش اقتصادي جديدة تضاف إلى حزمة الإنقاذ دون أن يخدش أو يمس الشروط التي تم الاتفاق عليها. وقال إن ألمانيا حريصة على عدم تفكك اليورو وستجد في مثل هذا الاقتراح، مخرجا من أزمة اليونان.

ويرى شولتز أن ألمانيا وقادة اليورو يعلمون تماما أنهم سيدفعون فاتورة عالية في حال خروج اليونان. وقال في هذا الصدد إن دول اليورو ستكون مضطرة لإجازة حزمة معونات لليونان في حال خروجها ولن ترمي اليونانيين للذئاب. كما أن منطقة اليورو ستواجه فاتورة مالية ضخمة في حال خروج اليونان على صعيد إنقاذ بنوكها المتورطة في الديون السيادية، إضافة إلى احتمالات هروب الأموال من دول اليورو الضعيفة مما قد يؤدي إلى إفلاس بعض البنوك. وبالتالي يرى شولتز أن كلفة ترك اليونان تخرج من اليورو أكبر من كلفة إبقائها داخل اليورو. وبالتالي ستجد دول اليورو نفسها مضطرة لإجازة حزمة إنعاش إضافية بدلا من ترك اليونان تغادر اليورو.

ويذكر أن مصرف «يو بي إس» السويسري قد أبلغ عملاءه الأثرياء في مذكرة داخلية الأسبوع الماضي أن هنالك احتمالا 20 في المائة أن تخرج اليونان من اليورو. من جانبه أعطى مصرف «سيتي بنك» نسبة 50 في المائة لفرصة خروج اليونان من اليورو. من جانبه قال المصرفي بيل أونيل كبير مسؤولي الاستثمارات في مصرف «ميريل لينش» في أوروبا «في النهاية أعتقد أن اليونان ستتمسك بتعهداتها ولن تتخلى عن اليورو حتى وإن كانت نتيجة الانتخابات غير موافقة لخطة الإنقاذ».

وعلى مستوى الخسائر في حال خروج اليونان قدر مصرف «سوسيته جنرال» الفرنسي أن تصل خسائر القروض والعملات في أوروبا وأميركا 1.1 تريليون دولار. وفي هذا المنحى قال شولتز إنه في حال خروج اليونان ستحتاج البنوك والشركات المتعاقدة مع اليونان إلى إعادة التفاوض وتقييم العقود بناء على العملة الجديدة سواء كانت الدراخمة أو غيرها وهنالك العديد من الإشكاليات القانونية التي يجب التعاطي معها. وقال مصرف «يو بي إس» إنه في حال خروج اليونان ستنطلق شرارة سحوبات من بنوك منطقة اليورو الضعيفة كما سترتفع الفائدة على سندات دول اليورو الكثيفة الديون. وحول كيفية التعامل مع مثل هذا الاحتمال قال شولتز سيحتاج «المركزي الأوروبي» إلى إيجاد آلية موحدة لتغطية الإيداعات في بنوك دول اليورو، حتى يطمئن المودعون إلى أنهم لن يفقدوا جزءا من أموالهم في حال إفلاس البنوك في أي من دول اليورو. وأضاف إذا لم تتوفر هذه الآلية الموحدة فإن المودعين سيتحولون من دول اليورو الفقيرة إلى دول اليورو الغنية وستحدث فجوة تمويلية كبيرة ونقص حاد في السيولة ربما يتسبب في إفلاسات بعض البنوك.

وتقدر ديون البنوك الأوروبية على إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وآيرلندا بنحو 1.19 تريليون دولار حسب إحصائيات بنك التسويات الدولية الصادرة أخيرا في بازل. وفي حال خروج اليونان من منطقة اليورو فإن المستثمرين يتخوفون من انتشار العدوى إلى دول اليورو الضعيفة. ومن المتوقع أن يدفعهم هذا الخوف إلى سحب أموالهم من بنوك هذه الدول. ويلاحظ أن هذه السحوبات وهروب المستثمرين فرادى وجماعات قد بدأ فعلا منذ عام 2010 من دول مثل اليونان والبرتغال وآيرلندا وإسبانيا إلى مراكز مالية داخل أوروبا وخارجها.

وحسب معلومات البنك المركزي الأوروبي، بلغ حجم الإيداعات التي سحبت من البنوك التجارية في اليونان وأيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا بلغت 103 مليارات دولار بين عام 2010 وحتى شهر مارس (آذار) الماضي. وكانت معظم هذه السحوبات تتجه إلى سويسرا في السابق ولكن في أعقاب الإجراءات التي اتخذها «المركزي السويسري» بمعاقبة التدفقات المالية على بنوكه والدفاع عن سعر ثابت للفرنك السويسري توجهت هذه التدفقات إلى البنوك البريطانية والألمانية والفرنسية.

ويقول «المركزي الأوروبي» في إحصائياته إن الإيداعات في بنوك ألمانيا وفرنسا ارتفعت بمعدل 6.3 في المائة لتصل إلى 217.4 مليار يورو، بسبب هروب الأموال من دول اليورو شبه المفلسة. وفي اليونان سجل المركزي اليوناني هروب 700 مليون يورو من بنوك اليونان في يوم واحد خلال الأسبوع الماضي.