لبنان: قلق من استنزاف بوادر الانتعاش بعد تردي الأوضاع الداخلية وتواصل الأزمة السورية

صندوق النقد توقع نموا يصل إلى 4% لكنه حذر من المخاطر

TT

تسود موجة من القلق في الأوساط الاقتصادية اللبنانية بفعل تنامي مؤشرات انكماش قطاعات إنتاجية حيوية بعد التطورات السلبية الميدانية التي برزت تباعا خلال الأسابيع الماضية. وهذا ما يؤدي، في حال تفاقمه، إلى استنزاف الرصيد الإيجابي النسبي المحقق في الفصل الأول من العام الحالي، الذي أنتج جرعة من التفاؤل بإمكانية تسجيل نمو اقتصادي بين 3 و4 في المائة هذا العام، والتعويض جزئيا عن انكماش النمو إلى ما دون 2 في المائة خلال عام 2011.

فإلى جانب الانعكاسات المتواصلة للأزمة السورية في جانبي العلاقات الاقتصادية بين البلدين وبوصفها المعبر البري الوحيد لحركة السياحة والصادرات والترانزيت لبنان والخارج، وبالأخص الدول العربية، أثار قرار بعض البلدان الخليجية، على خلفية التوترات الأمنية المحلية، بالطلب إلى رعاياها عدم زيارة لبنان حاليا ونصح الموجودين فيه بالمغادرة - مخاوف جدية بضربة قوية يتعرض لها القطاع السياحي وقطاعا الخدمات والتجارة، فضلا عن تداعياته على الحركة السياحية الوافدة من بلدان أخرى، إضافة إلى تأخير معالجة الأزمة المالية الناجمة عن غياب الموازنة العامة منذ عام 2006، والصرف الإضافي، المحقق وقيد التحقيق، البالغ نحو 20 مليار دولار الذي أنفذته الحكومات المتعاقبة خارج القاعدة الاثني عشرية المعتمدة للإنفاق.

وسبق لصندوق النقد الدولي أن أشار، قبل أشهر، إلى أن النشاط الاقتصادي في لبنان يبدي بوادر انتعاش وإن النمو قد يبلغ ثلاثة إلى أربعة في المائة في العام الحالي، لكنه قال إن المخاطر مرتفعة وفي الاتجاه النزولي بسبب عدم اليقين الاقتصادي العالمي والاضطرابات الإقليمية. بينما توقع معهد التمويل الدولي الاقتصادي أن يخوض لبنان مرحلة عدم استقرار سياسي، ويتراوح النمو الاقتصادي الحقيقي للبنان في عام 2012 بين 2 و3 في المائة.

واتفقت ترقبات اللجنة المنبثقة عن الهيئات الاقتصادية المولجة بمتابعة الوضع الاقتصادي المتردي، والتي اجتمعت برئاسة عدنان القصار، مع هذه المخاوف حيث قدر رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس، أنه «إذا بقي الوضع على ما هو عليه من السوء، فإن النمو لن يتعدى الصفر خلال النصف الثاني من العام الحالي، مما يستدعي يقظة حقيقية سياسية لتهدئة الأجواء، وتهيئة المناخات من أجل إعادة دورة العجلة الاقتصادية بالاتجاه المعاكس لما هي عليه اليوم».

ووفقا لتقرير مصرفي، شهد الاقتصاد اللبناني تراجعا في بعض مؤشراته الاقتصادية في الفصل الأول من العام الحالي، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. وقد ظهر ذلك من خلال التراجع الملحوظ في معظم مؤشرات القطاع الحقيقي، كمساحات البناء المرخصة (3.87 في المائة -)، وعدد السواح (7.87 في المائة -)، وعدد السفن في مرفأ بيروت (6.90 في المائة -)، وقروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (21.50 في المائة -).

لكن التقرير، الصادر عن مجموعة «فرنسبنك» المصرفية أشار إلى أن الاقتصاد سجل تحسنا في بعض المؤشرات الاقتصادية، حيث سجل زيادات (على أساس سنوي) في عدد المسافرين (21.4 في المائة)، وحركة البضائع المشحونة وغير المفرغة (5.4 في المائة)، وعدد المستوعبات (4.7 في المائة) عبر مرفأ بيروت، وقيمة الشيكات المتقاصة (2.47 في المائة)، ومعدلات الإشغال في الفنادق (19 في المائة)، وعدد السيارات المبيعة (14 في المائة)، وموجودات مصرف لبنان من العملة الأجنبية (6.58 في المائة)، وموجودات القطاع المصرفي (9.2 في المائة)، والودائع (9.3 في المائة)، والصادرات الوطنية (25 في المائة)، والتدفقات الأجنبية (37.5 في المائة). كما تراجع حجم العجز المالي بنسبة 34 في المائة.

وبلغ إجمالي الدين العام 54.1 مليار دولار حتى نهاية مارس (آذار)، بزيادة سنوية نسبتها 2.8 في المائة عن ذات الفترة من عام 2011. وبعد استبعاد ودائع القطاع العام في المصرف المركزي والمصارف التجارية من إجمالي الدين العام، ينخفض صافي الدين العام إلى 46.9 مليار دولار.

وأكد التقرير أن الوضع النقدي حافظ على استقراره العام، في ظل تواصل سياسة التثبيت النقدي لمصرف لبنان، وزيادة الطلب على الليرة اللبنانية. إذ توسعت الكتلة النقدية (4M) في الفصل الأول من عام 2012 لتبلغ ما يعادل 94.93 مليار دولار، بزيادة بلغت 2.18 مليار دولار عن الفترة ذاتها من العام الماضي.

وتبعا للبيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2012، فقد بلغ معدل التضخم 4 في المائة بالمقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي. وقد زادت الموجودات بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان بنسبة 6.6 في المائة لتصل إلى 32.4 مليارا في نهاية آذار (مارس) 2012، مقارنة مع 30.40 مليار في الفترة ذاتها من 2011. وقد بلغ معدل دولرة الودائع 65.4 في المائة.

وأوضح التقرير أن القطاع المصرفي واصل نموه القوي في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2012، بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق، إذ نمت أصول المصارف بنسبة 9.2 في المائة، لتصل إلى 144.7 مليار دولار في نهاية مارس، كما ازدادت ودائع القطاع الخاص بنسبة 9.3 في المائة لتصل إلى 118.2 مليار دولار. وقد زادت القروض الإجمالية للقطاع الخاص بنسبة 12.5 في المائة لتصل إلى 41 مليار دولار.

وفي ما يخص القطاع الخارجي، أظهر التقرير أنه استنادا إلى بيانات المجلس الأعلى للجمارك، بلغت قيمة المستوردات نحو 6 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2012، بزيادة سنوية نسبتها 30.43 في المائة عن ذات الفترة من العام الماضي. وبالمقابل، بلغت قيمة الصادرات 1.20 مليار دولار وزادت بنسبة 25 في المائة. ونتيجة لذلك، ارتفع حجم العجز التجاري بنسبة 31.5 في المائة إلى 4.8 مليارات دولار. وبلغت قيمة التدفقات المالية الصافية إلى لبنان 4.4 مليارات الأشهر الثلاثة الأولى، بارتفاع نسبته 37.5 في المائة عن ذات الفترة من عام 2011.