مواجهة بين «المجلس الوطني» وشركات النفط في الإمارات

خسائر شركات الوقود 8.5 مليار دولار العام الماضي

تكلفة البنزين في الإمارات 1.72 درهم (47 سنتا) للتر، وهو ما يقل عن نصف متوسط سعره العالمي البالغ 1.21 دولار للتر
TT

تسبب رخص أسعار البنزين بالإمارات في انقسام وقف فيه المجلس الوطني الاتحادي في مواجهة مع شركات النفط الوطنية التي تصارع لوقف الخسائر الناجمة عن إنتاج وقود بأسعار متدنية للسوق المحلية. وذلك حسب ما ذكرت «رويترز».

وقبل عامين، درست الإمارات إلغاء نظام الدعم السخي تدريجيا الذي يتيح للمواطنين والمقيمين الأجانب شراء لتر البنزين مقابل 47 سنتا فقط. وأطاح الربيع العربي بأي تفكير في رفع أسعار الوقود، على الرغم من أن الأجانب يمثلون 89 في المائة من سكان البلاد، وهم أكبر مستفيد من الدعم الذي يضغط على خزانة الدولة وشركات التجزئة لتجارة الوقود.

وفي الشهر الماضي، أقر أعضاء المجلس الوطني الاتحادي بالإجماع خططا لخفض أسعار البنزين للجميع إثر شكاوى من التكلفة المرتفعة لتزويد السيارات بالوقود.

وتعارض وزارة الطاقة أي خفض للأسعار، ولكن قبول توصية المجلس متروك للحكومة. وقال مصدر قريب من الوزارة: «تعارض وزارة الطاقة بشدة أي زيادة للدعم.. نحاول تحسين اقتصادنا وزيادة الدعم ستكون بمثابة انتكاسة كبيرة». ووراء الحكومة واستراتيجيتها لبناء اقتصاد حديث متنوع أقل ارتباطا بالنفط، وبلا دعم للطاقة من جانب الدولة يوجد قطاع صناعي قوي. ومن المفارقات بالنسبة لاقتصاد دولة خليجية أن شركات التجزئة التي تبيع البنزين محليا منيت بخسائر مذهلة، فيما يرجع في جانب منه للدعم، وأيضا لاختلال الموازين بين إمارات الدولة.

وبلغت الخسائر المجمعة لأربع من شركات تجارة البنزين، وهي شركة بترول الإمارات الوطنية، والإمارات لمنتجات البترولية، وشركة إمارات المملوكة للحكومة الاتحادية، وشركة بترول أبوظبي الوطنية، ما يقدر بنحو 8.5 مليار درهم (2.31 مليار دولار) في عام 2011، وتتوقع وزارة الطاقة أن ترتفع الخسائر إلى 12 مليار درهم (3.27 مليار دولار) في العام الحالي.

ومع قيام «إينوك» ووحدتها «إيبكو» بإغلاق محطات للوقود في الشارقة ورأس الخيمة، اضطر مواطنو الإمارات الشمالية للقيادة لمسافات طويلة والاصطفاف لساعات للتزود بالوقود.

وجاء الإغلاق لأن معظم نفط الإمارات (التي تنتج نحو 2.5 مليون برميل يوميا) يوجد في أبوظبي، مما يضطر تجار الوقود في دبي لاستيراده بخسارة. لكن في حين يفعل التجار هذا في دبي يعتمد من هم في الإمارات الشمالية بصورة متزايدة على محطات الوقود التابعة لـ«إدنوك» لأنها تستطيع تحمل الخسائر بوصفها من أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم.

وقال أيهم كامل محلل الطاقة بمجموعة «أوراسيا» لـ«رويترز»: «هذا مؤشر على أن حكومة دبي لم تعد راغبة أو قادرة على دعم قطاع كبير من سكان الإمارات بمفردها».

ولتخفيف الضغط على محطات البنزين في الإمارات الشمالية، وقعت «إدنوك» اتفاقا مع شركة «إمارات» الأسبوع الماضي لإدارة 74 محطة وقود في الشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة. ويقول أصحاب الرأي المعارض إن الإماراتيين يشعرون بالغبن مقارنة بمواطني الدول الخليجية الأخرى.

ودعا المجلس الوطني الاتحادي في توصيته الحكومة لزيادة الدعم على البنزين وخفض أسعار الوقود لتتماشى مع الأسعار في دول الخليج الأخرى. ووجدت لجنة من ستة أعضاء، كلفها المجلس، ببحث أسباب ارتفاع أسعار الوقود، أن تكلفة البنزين في الإمارات أعلى منها في بقية دول الخليج.

وذكرت اللجنة في تقريرها أنه لا ينبغي أن تحتل الإمارات - إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم - المركز الثالث بين الدول العربية من حيث أسعار الوقود المرتفعة بعد سوريا وتونس. وقال كامل من مجموعة «أوراسيا»: «الخطوة التي اتخذها المجلس الوطني الاتحادي محاولة ليبدي انخراطه في الشؤون الداخلية، خاصة القضايا التي تتعلق برفاهية الإماراتيين».

وتبلغ تكلفة البنزين في الإمارات 1.72 درهم (47 سنتا) للتر، وهو ما يقل عن نصف متوسط سعره العالمي البالغ 1.21 دولار للتر، حسب البنك الدولي. وتدفع الحكومة نحو 1.20 درهم لدعم كل لتر بنزين.

وفي عام 2010 أنفقت الإمارات ستة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على دعم الوقود، وبلغ متوسط نسبة الدعم 67.8 في المائة، حسبما ذكرت وكالة الطاقة الدولية. ويبلغ متوسط الدعم في الكويت 85.5 في المائة وفي السعودية نحو 76 في المائة.

وتعالت مطالب من بعض الدوائر للحكومة الاتحادية بخفض الأسعار، كي يشتريه مواطنو الإمارات بنفس الأسعار الرخيصة في الدول المجاورة. ولكن محللين يحذرون من أن استهلاك الوقود في الخليج بين أعلى النسب على مستوى العالم، وأن خفض أسعاره سيشجع على مزيد من الهدر.

وجاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «يعتقد كثيرون من المواطنين في الدول المنتجة للنفط والغاز أن أسعار الطاقة المنخفضة حق مكتسب بالميلاد».

وذكر التقرير أن الدعم الكبير في العالم العربي يشجع على الهدر، ووصفه بأنه وسيلة لا تتسم بالكفاءة لإعادة توزيع الثروة النفطية. وتابع التقرير: «اتضح أن حصة كبيرة من الدعم تحصل عليها طبقات مرتفعة الدخل وصناعات.. ويجب أن ينظر لذلك على أنه أداة باهظة التكلفة وغير رشيدة لحماية الفقراء في العالم العربي».