هل تبقي «أوبك» على سقف الإنتاج الحالي في اجتماع الخميس؟

خبراء: الهبوط طارئ.. النفط يتماسك فوق 100 دولار خلال ما تبقى من العام

TT

توقع خبراء أن تتماسك أسعار النفط في نطاق يتراوح بين 100 و110 دولارات لخام «برنت»، و90 و100 دولار لخام غرب تكساس، خلال النصف الثاني من العام الحالي، رغم الظروف الاقتصادية المتدهورة وحالة عدم اليقين بشأن مستقبل منطقة اليورو. وكانت أسعار النفط قد تراجعت قبل أسبوع من اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» المقرر عقدها في فيينا الخميس المقبل، قليلا عن المستوى الذي استهدفته السعودية والبالغ مائة دولار لخام القياس البريطاني «برنت»، لتصل إلى نحو 98 دولارا للبرميل. ولا يبدو أن مستويات سعر النفط الحالي تبرر إجراء تغيير على سقف الإنتاج، كما أن المعروض النفطي الحــــالي لا يفوق كثيرا الطلب العالمي وبدرجة تدعو إلى خفض سقف الإنتاج.

ويلاحظ أن هنالك رضا عاما عن مستويات الأسعار الحالية للنفط من قبل المنتجين الرئيسيين، حيث إن الأسعار انخفضت إلى المستويات التي استهدفتها السعودية (مائة دولار لخام برنت). وكانت السعودية قد رفعت إنتاجها فوق 10 ملايين برميل يوميا خلال الشهور الماضية لتحقيق هذا الهدف.

لكن على الرغم من ذلك يرى خبراء أن معسكر الصقور في «أوبك» ربما يجد في انخفاض خام برنت بنسبة 15 في المائة خلال الشهر الماضي فرصة للمطالبة بخفض الإنتاج. مايكل لينش، رئيس مركز استراتيجيات الطاقة والأبحاث الاقتصادية الأميركي، قال في هذا الصدد «قبل شهر كان الحديث عن سقف الإنتاج حديثا مملا، لكن ليس الآن بعد أن انخفضت الأسعار بنسبة 15 في المائة». ويوافقه في ذلك كيرك ماكدونالد، المحلل النفطي الأميركي.

ومما يبرر الإبقاء على سقف الإنتاج الحالي أن معظم المصارف الاستثمارية والخبراء يعتقدون أن أسعار النفط ستتماسك فوق مائة دولار لخام برنت. مصرف «ميريل لينش» يتوقع أسعارا لخام برنت فوق مائة دولار، وأسعارا فوق 90 دولارا لخام غرب تكساس. وتوقع مصرف «ميريل لينش - بنك أميركا» في مراجعته الأخيرة للأسعار أن تنخفض أسعار برنت في النصف الثاني من العام الحالي من 116 دولارا للبرميل إلى 106 دولارات، ولخام غرب تكساس من 107 دولارات للبرميل إلى 97 دولارا.

وعزا مصرف «ميريل لينش» في تقريره النفطي الذي بعث به لـ«الشرق الأوسط» في نهاية الأسبوع، خفض توقعاته لسعر النفط إلى عوامل أهمها ضعف الطلب في أوروبا وأميركا بسبب أزمة اليورو وتأثيراتها على النمو العالمي. وقال المصرف إن ضعف النمو الاقتصادي في منظومة دول التنمية والتعاون الاقتصادي أدى إلى نمو حجم المخزون التجاري النفطي في هذه الدول. وقال إنه يتوقع أن يرتفع المخزون التجاري النفطي في هذه الدول إلى 2730 مليون برميل في الربع الأخير من العام الحالي، وهو ما يعني تغطية الطلب في هذه الدول لمدة 60 يوما.

وحسب معلومات وكالة الطاقة الدولية فإن المعروض النفطي الحالي يفوق الطلب العالمي بأكثر من 180 ألف برميل يوميا، لكن جهات نفطية منتجة تقدره بنحو 1.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني أن السوق النفطية متوازنة إلى حد ما، وأن الزيادة في المعروض ليست بالقدر الكبير الذي يبرر خفض سقف الإنتاج بالنسبة لـ«أوبك» البالغ 30 مليون برميل يوميا.

لكن مصرف «سيتي غلوبال ماركت» أعطى توقعات أعلى من «ميريل لينش» لأسعار الخامات في النصف الثاني من العام، حيث توقع أن يبلغ خام برنت في المتوسط 115 دولارا، وخام غرب تكساس 95 دولارا. ومن جانبه يرى مصرف «غولدمان ساكس» أن انخفاض سعر النفط الذي حدث في الأسابيع الأخيرة «انخفاض طارئ»، وتوقع أن تعود الأسعار للارتفاع في العام المقبل. أما الرئيس التنفيذي لشركة «رويال داتش شل» فيقول «من غير المحتمل أن تنخفض الأسعار إلى أدنى من مستوياتها الحالية بسبب عدم تغير أسس العرض والطلب». وأضاف «على المدى الطويل ربما لا يفي العرض الطلب العالمي».

ويأتي اجتماع فيينا قبل بضعة أيام من الانتخابات التشريعية الحاسمة في اليونان واستئناف مفاوضات إيران مع دول مجموعة «5+1» (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين، روسيا وألمانيا) حول برنامجها النووي المثير للجدل. كما ستجتمع «أوبك» مع الشركات النفطية الكبرى يوم الأربعاء المقبل قبل التوجه إلى فيينا لعقد اجتماع الخميس.

من جانبه، يرى الخبير غاري هورنبي، من مكتب الاستشارات البريطاني «اينينكو»، أن بعض وزراء أوبك «قد يرتاحون لمستوى أسعار أدنى، لأن ذلك مهم للاقتصاد العالمي، في حين يتزايد القلق بشأن الطلب على الطاقة». وإضافة إلى تقييم السوق النفطية ستناقش «أوبك» يوم الخميس مسألة الأمين العام المقبل للمنظمة النفطية الذي يفترض أن يتسلم مهامه في أواخر العام بدلا من الأمين الحالي عبد الله البدري. ويلاحظ بناء على معلومات وكالة الطاقة الدولية أن السوق النفطية متوازنة وإن كانت تميل قليلا إلى كفة المعروض.

وعلى صعيد العرض النفطي العالمي، يلاحظ أن السعودية عملت منذ العام الماضي الذي شهد اضطرابات سياسية في ليبيا والأزمة النووية الإيرانية على إحداث توازن في السوق النفطية عبر عدة استراتيجيات، أهمها استغلال طاقتها الإنتاجية الفائضة في زيادة الإنتاج من نحو 9 ملايين برميل إلى فوق 10 ملايين برميل خلال الشهور الأخيرة، كما أن المملكة نفذت خلال الأعوام الأخيرة استراتيجية تخزين كميات من النفط بالقرب من أسواق الاستهلاك الرئيسية. وإبان الاضطرابات السياسية في ليبيا التي أودت بحكم العقيد القذافي وما تبعها من انخفاض كبير في معروض الخام الخفيف الحلو «سويت لايت كرود» الذي تنتجه ليبيا، طورت السعودية مزيجا من الخام الخفيف عبر خلط عدة خامات من حقولها لتغذية المصافي الأوروبية التي عانت من نقص في الخامات الخفيفة التي كانت تستوردها من ليبيا. وقال خبراء «عبر هذه الاستراتيجيات تمكنت السعودية من لجم الأسعار وإقناع الأسواق بأنها قادرة على تلبية أي نقص في الطلب العالمي».

وعبر الرسائل المتواصلة التي بعث بها وزير النفط السعودي علي بن إبراهيم النعيمي للأسواق بأن السعودية قادرة على رفع الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا إذا تطلب، الأمر ويمكنها رفع الطاقة إلى 15 مليون برميل يوميا في ظرف 3 سنوات، شعر المضاربون بأنهم سيخسرون إذا استمروا في المضاربة على أسعار النفط.. وبالتالي هبطت الأسعار. وإضافة إلى ذلك فإن السعودية عمدت إلى التنسيق اللصيق والشفافية مع الدول الرئيسية المستهلكة للنفط في أميركا وأوروبا وآسيا، لتأمين احتياجاتها النفطية ورسم صورة شفافة لمستويات العرض النفطي العالمي. وإضافة إلى العامل السعودي المهم أسهمت عوامل أخرى أقل أهمية في طمأنة الأسواق خلال الشهور الأخيرة، أهمها من ناحية العرض عودة الإنتاج الليبي مقتربا من الطاقة القصوى قبيل حدوث الاضطرابات السياسية في ليبيا (1.6 مليون برميل يوميا) وزيادة الإنتاج العراقي.

أما على صعيد الطلب العالمي، فيلاحظ أولا: أن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو وتفاعلاتها الاقتصادية أدت إلى تباطؤ النمو في أوروبا وفي العديد من الدول الشريكة تجاريا مع أوروبا. وثانيا: تباطؤ النمو الاقتصادي في أميركا في أعقاب النجاح المحدود لسياسة التحفيز النقدي التي اتكأ عليها مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) في إخراج الاقتصاد من أسوأ ركود تعرض له منذ الثلاثينات. وثالثا: تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني وارتفاع معدل التضخم. لهذه الأسباب انخفض الطلب العالمي على النفط وأصبح هنالك فائض في المعروض.