قبرص تنضم لدول «طلب الإنقاذ الأوروبي»

ستطلب المساعدة المالية قبل أيام من توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي

الاقتصاد القبرصي رهين أزمة اليورو
TT

أصبحت قبرص الدولة الأقرب إلى النزول عن ظهر سفينة الأزمة المالية والاقتصادية لتستقل مركب الإنقاذ الأوروبي الذي أصبح مكتظا بالركاب الذين سبقوها: اليونان وآيرلندا والبرتغال وأخيرا إسبانيا، وحسب ما ذكرت وسائل الإعلام في بروكسل وتناولته أيضا مصادر أوروبية، تنوي قبرص التقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية من منطقة اليورو.

ولكن الأمر بالنسبة لقبرص سيختلف عن الطلب الإسباني، حيث طلبت مدريد مساعدة لإنقاذ القطاع المصرفي بينما ستطلب قبرص مساعدة لإنقاذ دعائم الاقتصاد وتحقيق إصلاحات. وتفاقمت المشكلة في قبرص جراء الأزمة التي واجهتها البنوك اليونانية وإعادة هيكلة الديون، وهو الأمر الذي كلف القطاع المالي القبرصي نحو 3 مليارات يورو، فضلا عن وجود ديون غير مسددة لدى القطاع الخاص اليوناني بلغت رقما يتجاوز إجمالي الناتج المحلي لقبرص، التي عليها الآن التحرك لتلبية المتطلبات الأوروبية المتعلقة برسملة البنوك قبل حلول 30 يونيو (حزيران)، فضلا عن احتياجات أخرى مستقبلية، حسب ما ذكر وزير المالية القبرصي، شيارلي فاسوس، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام بلجيكية.

وقالت مصادر أوروبية إن قبرص سوف تنتظر حتى انتهاء الانتخابات في اليونان المقررة الأحد المقبل حتى تتقدم بطلب للحصول على المساعدة المالية من منطقة اليورو على أن يحدث ذلك قبل مطلع الشهر المقبل، وهو موعد تسلم قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي التي تستمر 6 أشهر وحتى نهاية العام الحالي، وفي نفس الإطار وحسب الأوساط الاقتصادية الأوروبية، فإن ردود الفعل على خطة إنقاذ إسبانيا انتقلت من النشوة إلى الواقعية في الأسواق المالية الإسبانية. أسهم المصارف الإسبانية أغلقت على ارتفاع يوم الاثنين الماضي، لكن السباق على شراء الأسهم تباطأ خلال اليوم نفسه.

المائة مليار يورو المؤمنة من منطقة اليورو ستمكن إسبانيا من إنقاذ مصارفها المستدينة، لكن الشكوك ستستمر على المدى البعيد. والمصارف الإسبانية تحتاج إلى مساعدات تتراوح بين 37 و80 مليار يورو، مشكلتها الأساسية هي أصولها العقارية السامة.

الحكومة المحافظة أمرت المصارف بزيادة احتياطها بما يعادل 45 في المائة من ديونها السيئة، لكن بعض المصارف لا تقدر على ذلك، والمحللون ينصحون مدريد بتجميع الأصول السيئة في مصرف متأزم لمعالجة موازنة النظام المالي، إضافة إلى ذلك، فإن القروض الأوروبية ستزيد من دين إسبانيا العام، مما سيصعب عملية التمويل العام. وقد تنتهي مدريد بالاقتراض من المصارف التي تحاول هي إنقاذها، وخلال عام، تضاعفت ديون المصارف.. كل هذه الشكوك السابقة، تقف في وجه ثقة المستثمرين.

حالة انتعاش تعيشها الأسواق المالية الإسبانية، بعد موافقة وزراء مالية منطقة اليورو من خلال عملية إنقاذ مالية بقيمة 100 مليار يورو للبنوك الإسبانية، التي ستخضع إلى إعادة هيكلة، تحت إشراف الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إلا أن محللين لا يخفون تشاؤمهم من أن عملية الإنقاذ المالية قد لا تكون كافية، للتخفيف من وطأة التزامات إسبانيا المالية، وأزمة الديون في منطقة اليورو.

يقول ميغال مورادو، محلل اقتصادي: «ينبغي أن نتغلب على العجز وفق الأهداف التي رسمتها بروكسل، وهو أمر صعب جدا، وأكاد أقول إنه مستحيل، وإذا لم نتوصل إلى ذلك بنهاية هذا العام، فسنجد أنفسنا في مشكلة من جديد، لأنه ستكون هناك مرة أخرى محادثات مع إسبانيا».

ومن وجهة نظر البعض استطاع وزراء مالية منطقة اليورو تهدئة ودعم الأسواق بعد موافقتهم على منح البنوك الإسبانية قرض إنقاذ يصل إلى 100 مليار يورو، حيث لاقى ترحيبا كبيرا على مختلف الأصعدة ابتداء من صناع القرار المحليين مرورا بصندوق النقد الدولي الذي أشاد بهذا القرار وانتهاء بوزراء مالية مجموعة الـ7 الذين أشادوا أيضا بالقرار السليم الذي اتخذه وزراء اليورو في صالح إسبانيا.

وتبقى الأمور معلقة حاليا إلى أن تقدم إسبانيا طلبا رسميا بحاجتها لقرض إنقاذ تدعم به بنوكها المتعثرة، حيث من المتوقع أن تقوم الدولة بتقديمه قبيل 21 من شهر الحالي الذي يعقد به وزراء مالية اليورو اجتماعا في سبيل الخوض بالتفاصيل في وضع إسبانيا بالتحديد والمنطقة ككل والمشكلات التي تواجهها.

وأشار رئيس المفوضية الأوروبية إلى أن المفوضية نفسها إلى جانب البنك المركزي الأوروبي، هيئة البنوك الأوروبية وصندوق النقد الدولي، سيقومون بتقديم تحليل مكثف ومفصل حول حاجة القطاع المصرفي الإسباني من مال في سبيل إعادة الرسملة والهيكلة، ولكن بعد أن تقدم إسبانيا الطلب بشكل رسمي. ولكن أشارت إسبانيا إلى أنها لن تقوم بتقديم الطلب بشكل رسمي ودقيق إلى أن تقوم هيئتان منفصلتان، وهما: أوليفر وايمان ورولاند بيرغر، بإصدار تقييمهما وتقريرهما الهادفين لمعرفة المبلغ الذي يحتاجه القطاع المصرفي الإسباني في سبيل إعادة الهيكلة، وأشارت الحكومة إلى أن هذا التقرير قد يصدر في تاريخ 18، حسب ما أشارت كل من الهيئتين.

إلى ذلك، قام صندوق النقد الدولي يوم الجمعة الماضي بإصدار تقييمه عن القطاع المصرفي الإسباني ليستبق بذلك التقرير، وقد أشار فيه إلى أن أسوأ المؤسسات المالية في إسبانيا قد تحتاج إلى ما لا تقل قيمته عن 40 مليار يورو، وأن هذا المبلغ قد يرتفع في سبيل إعادة هيكلتها إلى ما قيمته 60 مليار يورو في حال تفاقمت الأوضاع سوءا.

وتمت الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي يرى متانة القطاع المصرفي الإسباني بشكل عام، وأن ما نسبته 30 في المائة فقط من القطاع المصرفي الإسباني يعاني ويواجه الصعاب والأزمات حاليا، ولكن الحكومة الإسبانية تتخذ حاليا خطوات قيمة في سبيل حماية قطاعها المصرفي، وأشاد الصندوق إلى مدى جدية الحكومة الإسبانية في الخطوات المتخذة ومدى شفافيتها مع الجانب الخارجي.

ومن جهة أخرى، أشارت وكالة «فيتش» للتصنيفات الائتمانية التي قامت بتخفيض التصنيف الائتماني لإسبانيا بـ3 خطوات عن احتمالية حاجة البنوك الإسبانية إلى 100 مليار يورو في سبيل إعادة هيكلتها، حيث إن ما يصل إلى 60 في المائة من هذا المبلغ سيذهب إلى متطلبات رأس المال لتلك البنوك، وأن هذه النسبة قد ترتفع حسب الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.

وكان رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، أشاد بقرار وزراء مالية منطقة اليورو بتقديم 100 مليار يورو مساعدات مالية إلى المصارف الإسبانية المتعثرة، معتبرا القرار انتصارا للعملة الأوروبية الموحدة.

بروكسل رأت المساعدات ضرورية لمنع انتشار الأزمة المالية في مختلف الدول الأوروبية، وقال المفوض الأوروبي للاقتصاد وشؤون النقد، أولي رين: «كان الأمر مهما حتى نضمن استمرار تدفق الائتمان إلى الشركات في إسبانيا وحتى يتسنى لنا احتواء العدوى التي يمكن أن تنتشر».

تأكيدات الحكومة الإسبانية أن شروط المساعدات الجديدة ستفرض على البنوك لا على المجتمع قوبلت بتشكيك من أحزاب المعارضة، وقال زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، ألفريدو بيريز: «يجب علينا أن نتحرك حتى لا ينتهي الأمر بمواطنين أبرياء لا علاقة لهم بتعثر البنوك كي يدفعوا ثمن خطة الإنقاذ الأوروبية»، واعتبر رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، أن «الإصلاحات الهيكلية» التي اتخذتها حكومته خلال الأشهر الـ5 الماضية حالت دون التدخل المالي الأوروبي في إسبانيا على غرار دول أخرى في المنطقة. وقال إن اتفاق دول منطقة اليورو على منح مساعدات مالية لإعادة هيكلة القطاع المالي الإسباني يدل على «المصداقية الكبيرة التي تتمتع بها إسبانيا بين شركائها الأوروبيين، وبين المؤسسات المالية العالمية»، وأكد راخوي أنه كان من الضروري اتخاذ ذلك القرار، مشيرا إلى أن المساعدة المالية لإعادة رسملة البنوك الإسبانية «لن تؤثر على العجز المالي الإسباني».