الحكم على مصرفي أميركي بالسجن 110 أعوام في قضية احتيال بـ7 مليارات دولار

خدع المستثمرين وأنفق أموالهم ببذخ وأودع ما تبقى في مصارف سويسرية

المصرفي آلان ستانفورد في أعقاب صدرو الحكم في نيويورك يوم الخميس (رويترز)
TT

لقد خسر جيم إسكالونا كثيرا من المال بسبب المصرفي، ألين ستانفورد، إلى الحد الذي يحول دون دفعه تكلفة علاج حفيده من مرض التوحد، على حد قوله أمام المحكمة يوم الخميس بصوت ثابت، قبل أن يلتفت إلى المتهم، ويقول: «إنك محتال قذر متعفن». تلقى ستانفورد الإهانة بهدوء وحملق. وطلبت أنجيلا شو كوغت، التي قالت إن ثلاثة أجيال من عائلتها خسرت ما يزيد على أربعة ملايين دولار بسبب «الإرهاب المالي»، الذي مارسه ستانفورد، من كل الضحايا الذين كانوا في قاعة المحكمة الفيدرالية، الوقوف أمام ستانفورد حتى يرى البؤس الذي يعلو وجوههم. وأخبر القاضي ديفيد هيتنر، قاضي المحكمة الفيدرالية للمقاطعة، ستانفورد أنه غير مضطر للنظر، لكنه استدار بمقعده ليكون في مواجهة الضحايا من دون أي يبدو عليه أدنى اهتمام. بالنسبة إلى ستانفورد، كان يوم المحاكمة يوم الخميس، الذي صدر فيه حكم بسجنه 110 أعوام، من دون فرصة لإطلاق السراح المشروط، بسبب تدبير خطة احتيال حصل من خلالها على 7 مليارات دولار، هو يوم يدعو إلى الندم.

مع ذلك، بعد رفض ستانفورد الإدلاء بالشهادة في محاكمته، خرج عن صمته وقال إنه على عكس برنارد مادوف، الشخصية الأبرز في خطط الاحتيال على طريقة بونزي (التي يتم دفع خلالها الأرباح للمستثمرين من أموالهم أو أموال مستثمرين آخرين)، ليس «لصا». وأوضح أنه كان ضحية التدابير السرية للحكومة التي أدت إلى إفلاس مصرفه في الكاريبي، ثم بيع أصوله بثمن بخس. وقال إن أي شخص خسر أمواله كان بسبب إجراءات لا لزوم لها من قبل الحكومة. وذكر في إفادته غير المتسقة أمام المحكمة قبل النطق بالحكم: «لست هنا طالبا للتعاطف أو الصفح»، وكان يحاول بين الحين والآخر منع دموعه من الانهمار بينما يقلب في الأوراق. وقال أخيرا: «أنا هنا لأخبركم من أعماق قلبي أنني لم أدبر خطة احتيال».

ردا على ذلك، وصف ممثل الادعاء العام الفيدرالي، ويليام ستيلماتش، رواية ستانفورد للأحداث بـ«الفاحشة». وقال ستيلماتش: «إنه رجل عديم الضمير. لقد عامل الضحايا منذ البداية وحتى النهاية كجثث حيوانات تقتل على قارعة الطريق».

وأدانت هيئة المحلفين الفيدرالية في مارس (آذار) ستانفورد بتهمة تدبير خطة دولية قدم خلالها على مدى أكثر من عقدين شهادات ودائع بأسعار فائدة مرتفعة عبر مصرف «ستانفورد إنترناشونال»، ومقره جزيرة من جزر الكاريبي، وهي أنتيغا. وقال ممثلو الادعاء العام إن ستانفورد كان يكذب باستمرار على المستثمرين ويروج لاستثمارات آمنة في أموال أنفقها في مظاهر الفخامة ووضعها في حساب بمصرف سويسري وعدد من الصفقات التجارية التي لم تحقق أي نجاح. وطلب محامو الدفاع عن ستانفورد خصم المدة التي قضاها في الحبس على ذمة القضية، والتي وصلت إلى ثلاث سنوات.

وأوصى ممثلو الادعاء العام بالحكم عليه بالسجن لمدة 230 سنة، وهي أقصى عقوبة طبقا للقانون، حيث أدين بالقيام بـ13 عملية خداع واحتيال عن طريق الوسائل السلكية والبريد الإلكتروني والعرقلة وغسيل الأموال. وتم تبرئته من إحدى جرائم الاحتيال بوسائل سلكية. وعول ممثلو الادعاء العام بشكل كبير على جيمس ديفيس، شريك الغرفة السابق لستانفورد في جامعة بايلور، الذي عمل معه ككبير المسؤولين الماليين. وأوضح ديفيس في شهادته أن إمبراطورية ستانفورد كانت قائمة على الاحتيال والرشاوى التي دفعها إلى المنظمون في جزيرة أنتيغا وعلى خطط لإخفاء العمليات عن أعين المحققين الفيدراليين. وروى كيف بعث به ستانفورد إلى لندن من أجل إرسال فاكس إلى عميل محتمل من مكتب شركة تأمين وهمية من أجل طمأنته بأن استثماراته ستكون في أمان. كان الحكم بالنسبة إلى ستانفورد بمثابة نهاية تامة لحياته المهنية التي بدأها بشراء نادي لياقة بدنية في تكساس. بعد إفلاسه، حاول العمل في القطاع المصرفي بالخارج وعاش حياة مرفهة.

وبات ستانفورد الآن ظلا لرجل المال المختال الذي كان يمتلك منذ ثلاثة أعوام ثروة تقدر بملياري دولار، ولقب النبيل من جزيرة أنتيغا ومجموعة من اليخوت وأسطول طائرات فريق كريكيت محترف واستاد في جزر الهند الغربية «ويست إنديز».

وكان يرتدي ستانفورد أثناء حديثه أمام المحكمة بزة السجن الخضراء الفضفاضة ويداه مقيدتان بالأغلال، ولم يذكر أي تفاصيل تتعلق بالاتهامات الموجهة إليه. مع ذلك قال هو ومحاميه علي فاضل، إنه على عكس مادوف، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 150 عاما في 2009، اتهم بسرقة أموال كان يستثمرها بالفعل في الكثير من المشاريع حصلت بعضها على موافقة المنظمين في الولايات المتحدة.

وقال ستانفورد إن عدد العاملين لديه وصل إلى 5 آلاف شخص، وإنه أقرض المال إلى حكومة الإكوادور وعدد من المؤسسات والمجالس البلدية والمستشفيات. وأضاف ستانفورد في إشارة إلى مصرفه: «لقد كان مصرف ستانفورد مؤسسة مالية راسخة. أنا لست لصا». وقال ستانفورد ومحاموه إنه سيستأنف الحكم. وسيظل ستانفورد في مركز الاعتقال الفيدرالي في هيوستن لمدة شهر أو اثنين إلى أن تقرر مصلحة السجون الفيدرالية مكان حبسه. وأكد فاضل للمحكمة يوم الخميس أن عملاء ستانفورد كانوا يحصلون على أموالهم في الموعد المتفق عليه، إلى أن وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصة أول اتهام ضده منذ ثلاث سنوات، مما أدى إلى إهدار قيمة مشاريعه وأعماله.

وقال فاضل: «يبلغ ستانفورد من العمر 62 عاما، وسوف يموت في السجن. إن هذا حكم قاس على إنسان، حتى وإن ارتكب خطأ، كان يعتزم إعادة أموال كل مستثمر. لم يستثمر بيرني مادوف المال في أي شيء، بينما قام بذلك ألين ستانفورد».

مع ذلك، زعم ممثلو الادعاء العام أن ستانفورد أخبر عملاءه بأن الأسطوانات المدمجة الخاصة بهم مؤمن عليها، وأنه استثمر الأموال في أوجه آمنة، بينما كان في الواقع يحولها إلى عقارات ومشاريع خاصة، حيث أنفق ملياري دولار منها على حياته الخاصة. وكما فعل ممثلو الادعاء العام في المحاكمة، وصفه ستيلماتش بـ«الرجل الذي نظم خطة احتيال ونصب كبرى على مدى 20 عاما».

وقال عنه إنه «كان يفسد كل ما تقع عليه يداه». ويمثل كل من كوغت وإيسكالونا، نوعين من ضحايا ستانفورد، ويوضحان كيف خسر مستثمرون منازلهم وأموال تقاعدهم وقدرتهم على تحمل تكلفة تعليم أبنائهم وأحفادهم. لقد قالوا إن بعض الضحايا يتجهون إلى الانتحار.

قال إيسكالانو، فنزويلي يتحدث نيابة عن المستثمرين من أميركا اللاتينية: «أفعال ستانفورد القاسية تم حسابها والترتيب لها بدم بارد وبتقدير مسبق». وقالت كوغت من دالاس إن ستانفورد «تلاعب بمستقبلنا وكأنه ينخرط في لعبة وتلاعب بأموالنا وكأنها أموال في لعبة لوحية. إنه لص».

لقد استغرق تقديم ستانفورد للمحاكمة ثلاث سنوات حيث ضُرب خلال شجار عام 2010 مع سجين في أحد السجون الفيدرالية خارج هيوستن، ثم أصبح مدمنا لعقاقير مضادة للتوتر. وخضع للعلاج على مدى عام قبل أن يصدر القاضي هتنير حكما بقدرته على المثول أمام المحكمة. وقال الدفاع إن ستانفورد لم يكن قادرا على الدفاع عن نفسه بشكل مناسب لأنه فقد الذاكرة جزئيا.

وقال ستانفورد في المحكمة يوم الخميس في محاولة منه الحصول على حكم مخفف إنه كان يعمل بجد لاستعادة ذاكرته على الرغم من أنها أصبحت مثل «الجبن السويسري»، على حد تعبيره. وتحدث عن «المزيج السام» من العقاقير التي كان يتعاطاه في السجن الفيدرالي وعن الاعتداء الذي أسفر عن خضوعه إلى عملية جراحية استمرت لست ساعات. وقال: «إنها لم تكن ثلاث سنوات سعيدة من أي جهة. لا أتمنى لأحد أن يمر بتلك الظروف ولا حتى محاميي الادعاء».

* خدمة «نيويورك تايمز»