في عصر الائتمان الميسر.. المستهلكون يبتعدون

خوفا من إعادة ارتفاع أسعار الفائدة المركزية مرة أخرى

يتخوف المستخدمون من الوقوع في فخ الإقراض وترتفع الفوائد ("الشرق الأوسط")
TT

راقب مايكل شريف، مدرس علوم عمره 57 عاما، مقيم في ماريزفيل بواشنطن، في حالة من العجز، انخفاض أسعار الرهونات العقارية. وقال إنه على الرغم من هذا الإنجاز الائتماني البارز، لم يكن أي مصرف مستعدا للسماح له بتداول رهنه العقاري البالغ أجله 30 عاما والذي تبلغ نسبة الفائدة عليه 6.35 في المائة، نظرا لأن منزله الآن يساوي أقل من القيمة التي كان عليها عندما اشتراه.

قال شريف: «في مرحلة ما، ستعاود أسعار الفائدة ارتفاعها مجددا، ويجب أن أكون قادرا على الحصول على تلك الأسعار المنخفضة. هذا ليس عدلا».

مع هبوط أسعار الفائدة لمستويات متدنية جديدة على ما يبدو هذا الأسبوع، تستفيد الشركات الأميركية من تكاليف الاقتراض المنخفضة، غير أن المستهلكين قد تركوا على الهامش.

وتشير بيانات جديدة صادرة هذا الأسبوع عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه في الربع الأول من هذا العام، بدأت الشركات الأميركية في أخذ قروض جديدة مسجلة أسرع معدل منذ الأزمة المالية في عام 2008. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأسر الأميركية كانت تسير في الاتجاه العكسي، بالاتجاه بشكل متزايد لسداد ديونها والامتناع عن أخذ ديون جديدة.

كذلك، مثلما في حالة شريف، لم يكن الامتناع عن الاقتراض من قبل الأسر الأميركية دائما طوعيا. ويشير تقرير آخر صادر مؤخرا عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه في الوقت الذي يبدو فيه عدد أكبر من المستهلكين مهتما بشراء منازل أو إعادة تمويل الرهونات العقارية القائمة، ما زالت المصارف مترددة في توسيع نطاق الديون المقدمة لهم. فضلا عن ذلك، يواجه المستهلكون ضغوطا جسيمة على مستوى الاستثمار، ومدفوعين بقلقهم من الأسواق المالية المتقلبة ونتيجة لخوفهم من الضعف المستمر في الاقتصاد، بدأوا يودعون مبالغ أكبر في حسابات ادخار عادية، حسب ما تشير البيانات الجديدة. لكن تلك الحسابات تقدم نسبة فائدة تقدر في المتوسط بـ0.1 في المائة، بحسب موقع «Bankrate.com».

يقول إد يارديني رئيس «يارديني ريسرش»: «بالطبع، هناك رابحون وخاسرون في هذا النوع من مناخ أسعار الفائدة شديدة الانخفاض»، وأضاف: «في هذه الحالة، أي مقترض لديه إمكانية وصول إلى أسواق رأس المال ولا يتعين عليه ملء استمارة قرض في أحد المصارف سوف يجني فائدة كبيرة بكل تأكيد».

بالطبع، ليس بالضرورة أن يكون انخفاض عبء ديون الأسر أمرا سيئا. ينظر إليه كثير من الاقتصاديين بوصفه تحولا إيجابيا من الإفراط في الاقتراض الذي ساهم في حدوث الأزمة المالية، وتشير بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن عدم أخذ ديون جديدة قد حرر المستهلكين من القيود على نحو يسمح لهم بزيادة حجم نفقاتهم.

يقول ألين سيناي، الرئيس التنفيذي لشركة «ديسيجن إكونوميكس»: «إن ما قد تعلمه الأميركيون هو أن بإمكانهم التعايش مع المنزل القديم». وواصل قائلا: «لم آخذ ديونا وألزم نفسي؟! لقد تم تخفيف الأعباء عن كاهلهم أكثر من أي وقت مضى». لكن البيانات الجديدة تبرز التأثير الاستقطابي لسياسة البنك المركزي، المتمثلة في خفض أسعار الفائدة، على القطاعات المختلفة من الاقتصاد الأميركي. وفي الوقت الذي من المفترض أن تشجع فيه أسعار الفائدة المتدنية الأميركيين على تحمل المزيد من المخاطر، لا يبدو الأميركيون العاديون مستعدين أو قادرين على الاستفادة من تلك الفرصة.

لقد ساورت صناع السياسة مخاوف من ضعف احتمال عودة سوق الإسكان للوقوف على أرض صلبة من جديد، إلى أن يبدي الأميركيون رغبتهم في الاقتراض. وخلال العام الماضي، تباطأ معدل تسديد الأميركيين الديون، لكن في الربع الأول، ما لبث أن تسارع مجددا، مسجلا ارتفاعا نسبته 0.4 في المائة، حسب ما أظهرت بيانات جديدة صادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي. بالمقارنة، زادت الشركات الأميركية حجم ديونها بنسبة 5.2 في المائة في الربع الأول.

وقد عاد جانب من الأموال التي اقترضتها شركات أميركية إلى المستهلكين من خلال تعيينات جديدة وأسعار أسهم مرتفعة وضرائب شركات أكبر. غير أن أحدث بيانات تشير إلى أن الشركات مستمرة في استخدام القروض التي حصلت عليها في سداد قروض ضخمة أقدم أو دعم ممتلكاتها النقدية، التي بلغت قيمتها 1.7 تريليون دولار في آخر ربع.

وليست كل أنواع ديون المستهلكين في حالة انخفاض. ومع ارتفاع تكاليف التعليم، ارتفع كم قروض الطلاب المستحقة في كل شهر من الأشهر الخمسة الأولى من العام، حسب ما كشفته بيانات «إكويفاكس» التي حللتها وكالة «موديز أناليتيكس». كذلك كان الإقراض لشراء سيارات يتجه نحو الصعود، ولكن مع إنذار مميز.

وقال ألان ستارلينغ، الذي يملك ثلاث وكالات لبيع سيارات في أورلاندو بولاية فلوريدا، إنه قد تابع سلوك المستهلكين خلال السنوات العديدة الماضية، وقال: «حذر.. تلك هي الكلمة».

يطرح المستهلكون القادمون إلى ستارلينغ مزيدا من التساؤلات عن استهلاك السيارات للوقود والمخاوف المتزايدة بشأن المدفوعات الشهرية، على حد قوله.

وقال ستارلينغ: «الناس أكثر وعيا بدرجة كبيرة بالديون وضرورة عدم تحمل التزامات مفرطة». وأضاف أنه يقود سيارة «تشيفي فولت» وأنفق نحو 25 دولارا شهريا على الغاز.

وتتمثل أكبر فئة من الدين المنزلي حتى الآن في العقارات السكنية، وقد استمر الدين في ذلك القطاع في الهبوط لأسباب عديدة. لقد قضت عمليات استعادة الملكية وحالات التعثر في السداد على بعض الالتزامات، ويتمثل أحد الأسباب التي تكبح جماح مشتري المنازل المحتملين في القيود المفروضة من قبل المصارف. وأشار استطلاع أجراه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لآراء مسؤولي قروض رفيعي المستوى بمصارف أميركية في أبريل (نيسان) إلى أن معظم المصارف قد أبقت على معايير الإقراض نفسها، أو قامت بفرض قيود إضافية عليها، حتى مع ثبات أو ارتفاع حجم الطلب على الرهونات العقارية. يتعلق نحو ثلثي أنشطة الرهونات العقارية بإعادة تمويل القروض الحالية، لا بأخذ رهونات عقارية جديدة، بحسب غاي سيكالا، ناشر «إنسايد مورتغيدج فاينانس».

وقال سيكالا: «المشكلة الحقيقية تتمثل في أن عددا محدودا نسبيا من المقترضين هم من يوفون بالمعايير الأكثر صرامة المعمول بها اليوم، حتى ولو كان بإمكانهم الاستفادة من إعادة التمويل، وذلك هو الأمر المحبط». وأضاف أنه في آخر مرة، كان هناك مزيد من الضمانات المعتادة في عام 2003، وكان هناك مبلغ يقدر بنحو 4 تريليونات دولار في صورة رهونات عقارية، والتي تضم إعادة تمويل قروض ومشتريات جديدة. وفي العام الماضي، مع تشديد الضمانات وانخفاض أسعار الفائدة، قدر إجمالي القروض الممنوحة بقيمة 1.4 تريليون دولار.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه بشكل عام، يعتبر قلق المستهلكين من خوض غمار مخاطر جديدة عاملا محفزا للعديد من القرارات الأسرية.يقول جوزيف باتلر، المصرفي المتقاعد في بيرنيس بولاية لوس أنجليس، إنه بعد مشاهدته المأزق الذي سببته الديون إبان الأزمة المالية، يبدو أخذ قروض أو تحمل أي نوع آخر من المخاطر نوعا من الحماقة. وقال باتلر إنه يتجنب تماما الآن القيام بأي استثمارات مالية وإنه أودع كل أمواله في حساب ادخار في مصرفه المحلي، محققا مكسبا تقل نسبتها عن 1 في المائة سنويا. وقال: «أود الحفاظ على ما لدي من مدخرات».

ويشير استطلاع رأي أجراه مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه حتى في الربع الأول، وقتما كانت تشهد أسعار الأسهم ارتفاعا، باعت الأسر الأميركية أسهما ووضعت الأموال في صورة أصول مثل حسابات ادخار مؤمنة وسندات خزانة. وتشير معدلات الفائدة الآخذة في الهبوط إلى أن تلك الاستثمارات تحقق عائدات ضئيلة، لكنها توفر درجة من التأمين.

تقول كيث ليغيت، كبيرة الاقتصاديين بجمعية المصرفيين الأميركيين: «لسان حال عميل التجزئة الآن يقول: (لا أرغب في خسارة أي أموال)».

ويتمثل أحد الاستثمارات المالية المحدودة التي كان الأميركيون العاديون يعتزمون القيام بها في سندات الشركات. كشفت بيانات صادرة عن «معهد شركات الاستثمار» أن الأميركيين قد أودعوا مبلغا قيمته 136 مليار دولار في صناديق استثمار السندات الخاصة بالشركات خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام. وقد ساهم هذا بالطبع في تسهيل الاقتراض بالنسبة للشركات الأميركية. يقول يارديني: «لقد تمثل أكبر المنتفعين في الشركات. كانوا يجمعون أموالا ليسوا في حاجة إليها».

*خدمة «نيويورك تايمز»