منظمات المجتمع المدني تهدد بمظاهرات عارمة رفضا للموازنة العامة

كردستان العراق: تتقدم بشكوى لدى منظمة الشفافية الدولية

TT

أنهى البرلمان الكردستاني مناقشاته حول تقريري وزارة المالية واللجنة المالية بالبرلمان بعد أن أبدى 104 من أعضائه بآرائهم ومقترحاتهم حول التقريرين، ويستعد البرلمان حاليا لتلقي ردود كل من وزير المالية ووزير التخطيط بحكومة الإقليم على أسئلة واستفسارات ومقترحات أعضاء البرلمان فيما يتعلق بأبواب الميزانية وكيفية معالجة النواقص والأخطاء الواردة في تخصيصات القطاعات المختلفة تمهيدا لبدء المناقشات حول مشروع قانون الميزانية للعام الجاري 2012 قبل طرحه على التصويت. يأتي ذلك في وقت تستعد فيه منظمات المجتمع المدني بإقليم كردستان لتنظيم مظاهرات شعبية عارمة بجميع أنحاء كردستان، يعيد إلى الأذهان الأوضاع المضطربة التي شهدتها كردستان قبل عامين احتجاجا على حالة الفساد المستشري بالإقليم. وكانت الكتل النيابية المعارضة (حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وحزب الغد) التي تمتلك 36 مقعدا في البرلمان قد وجهت في بيان مشترك انتقادات شديدة إلى الحكومة ورئاسة البرلمان بسبب ما ذكرتها من انتهاكات لحقوق المواطنين ومصادرة أقواتهم، وهدر الأموال العامة وتشجيع حالات الفساد عبر تخصيصات ميزانية العام الجاري.

وتخشى الكتل المعارضة تمرير قانون الموازنة على قاعدة الأغلبية حيث أكد كاردو محمد رئيس كتلة التغيير في البرلمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قدمنا الكثير من المقترحات والمداخلات عند مناقشة تقريري المالية، ولكن يبدو أن الحكومة والكتلة الكردستانية غير جادتين في أخذ ملاحظاتنا ومقترحاتنا بنظر الاعتبار، فرغم أن عرض الميزانية على البرلمان قد تأخر كثيرا ونحن الآن في منتصف السنة، ما أثر بشكل سلبي على مصالح الناس، مع ذلك هناك محاولات من الكتلة الكردستانية بتمرير القانون على قاعدة الأغلبية والأقلية، وما لم تعالج النواقص الموجودة بالميزانية، ومن دون أخد ملاحظاتنا ومقترحاتنا بنظر الاعتبار فسيكون لنا موقف تجاه هذه المسألة». من جهته كشف طارق جوهر سارممي المستشار الإعلامي لرئاسة البرلمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الموضوع لم ينته بعد، فالمناقشات حول تقريري وزارة المالية واللجنة المالية للبرلمان قد انتهت، ونحن الآن بانتظار ردود وزيري التخطيط والمالية حول ملاحظات النواب ومقترحات الكتل النيابية، والخطوة القادمة ستكون عرض مشروع القانون على التصويت مادة بمادة، عندها ستكون هناك فرصة لدى أعضاء البرلمان لإبداء آرائهم حول مواد القانون.

في غضون ذلك تستعد مجموعة من منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع عدد كبير من المثقفين من الكتاب والصحافيين والفنانين والشرائح الأخرى من المجتمع الكردستاني لتنظيم مظاهرات شعبية عارمة بأنحاء كردستان احتجاجا على تمرير قانون الموازنة. وقالت اللجنة المنظمة للمظاهرة في نداء للرأي العام «كما تلاحظون فإن النواقص والإخفاقات تتسع يوما بعد يوم بكافة المفاصل السياسية والاقتصادية والإدارية بإقليم كردستان، وبالمقابل نجد السلطات المعنية تتعامل ببرود وتغض الطرف عن جميع تلك النواقص والثغرات، ولذلك فإن الاحتجاجات تتصاعد بين فترة وأخرى وتتخذ أشكالا متعددة. وآخر أخطاء حكومة الإقليم هو الميزانية العامة لعام 2012 ومحاولاتها لتمرير قانونها من البرلمان، وبما أن الميزانية تشكل قوت الشعب والخدمات التي تقدم له، كان يفترض أن يعرض على البرلمان بموعدها المحدد وليس تأخيرها لأكثر من ثمانية أشهر وبالنواقص التي تحتويها، ومن هذا المنطلق ندعو كافة المثقفين والصحافيين والفنانين وأساتذة الجامعات والشخصيات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني بكافة أنحاء كردستان إلى مؤازرتنا من خلال جمع التواقيع وإقامة التجمعات الشعبية استعدادا لتنظيم مظاهرات شاملة لمنع تمرير قانون الموازنة بالنواقص الموجودة فيه». هذا النداء لقي صدى لدى حزبي السلطة (الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني) حيث سارعا بعقد اجتماع عاجل في السليمانية لدراسة تطورات هذه المسألة، ووضع الخطط لمواجهتها قبل أن تستفحل وتعيد الأجواء إلى ما كانت عليه قبل سنتين حين عمت المظاهرات الشعبية مناطق السليمانية لمكافحة الفساد تأثرا بأحداث الربيع العربي. وفي تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط» أكد النائب عن حركة التغيير عدنان عثمان: «أؤيد خروج الناس بمظاهرات ضد الميزانية، لأنها قوت الشعب ويفترض أن يدافعوا عنه، فقد حاولنا كثيرا داخل جلسات البرلمان أن نطرح مطالب الشعب وأن نؤشر مكامن الفساد في الميزانية ولكن رئاسة البرلمان والكتلة الكردستانية لا تريدان أن تستمعا إلينا وتأخذا ملاحظاتنا بنظر الاعتبار، ولذلك من حق المواطن والأمر يتعلق به أن يحتج على مصادرة قوته». وأضاف: «للأسف لم نتمكن داخل البرلمان أن نعالج الوضع بسبب إصرار الكتلة الكردستانية والحكومة على مواقفهما، ونعتقد أن الأمور ستسير وفقا لما يشتهون، أي تمرير القانون بحسب نظام الأغلبية والأقلية، ولذلك أرى أن الضغط الشعبي هو الوحيد الذي سيمنع تمرير الميزانية بكل هذه النواقص». من جانبه أشار النائب عن الاتحاد الإسلامي ببرلمان كردستان حمة سعيد حمة علي في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن الميزانية المعروضة بها نواقص وثغرات كثيرة، وهي ميزانية غير شفافة وغير واضحة بتخصيصاتها، وتساعد على استمرار حالة الفساد وهدر الأموال، ورغم أننا ناقشنا أبوابها طوال أسبوعين، ولكن يبدو أن مناقشاتنا كانت عقيمة ودون جدوى، لأن الجانب الآخر وهو السلطة أصر على مواقفه، وبذلك أعتقد أن القانون سيمرر بالضد من رغبة المعارضة، ولذلك من حق المواطنين أن يتظاهروا دفاعا عن أقوتهم وضد هدر أموالهم، ولكني أؤكد على ضرورة أن تكون المظاهرات في إطار سلمي دون ممارسة أي عنف من الجانبين، وأن نحول دون تكرار التجربة السابقة عندما وقع الكثير من الضحايا. وختم النائب تصريحه بالقول: «هناك بعض الوقت لحين عرض مشروع قانون الميزانية على المناقشات بعد أن أكملنا مناقشة التقارير، وفي الأسبوع القادم سيتم طرح مشروع القانون على المناقشة والمصادقة، وإذا أصر الجانب الآخر على موقفه بتمرير القانون بالضد من إرادة الشعب، فمن حق الشعب أن يتظاهر دفاعا عن أمواله وضد الفساد».

ويتوقع أن تجتمع اللجنة المنظمة للمظاهرات في السليمانية بغضون اليوم أو الغد لبحث الاستعدادات لتنظيم المظاهرات بأرجاء كردستان. وقال كمال رؤوف رئيس تحرير جريدة «هاولاتي» وهو أحد الأعضاء المنظمين في تصريحات صحافية: «أجرينا مشاورات مكثفة مع عدد من البرلمانيين والشخصيات السياسية حول الموقف من تمرير الميزانية، وطلبت رئاسة البرلمان منا إعداد قائمة بالمطالب التي نريد تنفيذها، وسنعمل على ذلك» وأشار رؤوف إلى «أننا نفكر حاليا بتقديم شكوى لدى منظمة الشفافية الدولية وحقوق الإنسان باعتبار العراق قد وقع على بروتوكولات ومعاهدات هذه المنظمة، ووفقا للقانون من حقنا أن نستدعيهم إلى كردستان لمراقبة كيفية تمرير قانون الموازنة، ففي حال لم ترد رئاسة البرلمان على مطالب الشعب عندها سنتخذ كافة الاستعدادات اللازمة للتعبير عن رفض الميزانية عبر تنظيم مظاهرات عارمة بأنحاء كردستان».