انخفاض أسعار البترول مع قرب تطبيق العقوبات يؤزمان وضع إيران الاقتصادي

خبير سعودي: طهران لديها احتياطيات من العملة الأجنبية تكفيها 10 أشهر

TT

يوم الأحد المقبل هو الأول من يوليو (تموز) المقبل، وهو الموعد المقرر لبدء تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، والتي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي في وقت مبكر بداية من العام الحالي لثني إيران عن الاستمرار في برنامجها النووي.

وكخطوة لبدء تطبيق العقوبات استبعد نظام السويفت وهو مجتمع الاتصالات السلكية واللاسلكية، البنك المركزي الإيراني، ومعه نحو 37 بنكا إيرانيا من شبكة البنوك العالمية منذ منتصف مارس (آذار) الماضي وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها قرار بطرد بنك مركزي من النظام.

لكن التساؤل يتضمن هل الأمور تسير في طريق تطبيق العقوبات، يبدو ذلك ففي منتصف الأسبوع الماضي فشلت المحادثات بين إيران ومجموعة 5 + 1 لحل مشكلة الملف النووي الإيراني.

وما قد يبدو جيدا للإيرانيين مع اقتراب فرض العقوبات على صادراتهم من النفط والعقوبات التي تطال النظام المالي، هو حصول اليابان على استثناء من العقوبات جراء شراء النفط الإيراني بسبب حادث التسونامي الذي تعرضت له في مارس من عام 2011.

العقوبات التي ستواجهها إيران هذه المرة ستكون شديدة ويصفها المعلقون الاقتصاديون بأنها خانقة وستصيب الاقتصاد الإيراني في مقتل، كونها تمثل ضربة مزدوجة، فمن ناحية سيتم حصر الخام الإيراني الذي يمثل عصب الاقتصاد، ومن ناحية أخرى وحتى تكون العقوبات ذات فعالية أشد ستشمل البنك المركزي الإيراني والبنوك التجارية من أي تحويلات بالدولار أو باليورو.

بموزاة ذلك، فإن مؤشرات أسعار النفط لا تبدو مبشرة للإيرانيين، حيث سجل يوم الخميس الماضي النفط أدنى مستوى له خلال 18 شهرا، وتراجع خام برنت حتى استقر عند 91 دولارا للبرميل، في حين سجل الخام الأميركي 80.45 دولار للبرميل، في حين اتخذت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك قرارا في الـ14 من يونيو (حزيران) الحالي بالإبقاء على سقف إنتاجها عند حد الـ30 مليون برميل يوميا، رغم تراجع الأسعار دون الـ100 دولار لسلة خاماتها.

وعن وضع السوق النفطية حاليا: يقول تركي الحقيل محلل اقتصادي سعودي والمقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت إيران بشتى الطرق زعزعة السوق النفطية حتى يصل سعر البرميل إلى مستويات قياسية ولكن فشلت في ذلك».

ويضيف «الأحداث السياسية والاقتصادية أثرت وغيرت التنبؤات باتجاه أسعار النفط خلال 2012»، ويشير إلى أنه ومنذ إقرار الولايات المتحدة الحظر على النفط الإيراني وتجميد أصول البنك المركزي الإيراني ثم تبعتها كثير من الدول الأوروبية في فرض الحظر الكلي على الخام الإيراني أدى إلى ارتفاع في أسعار النفط ولكن سرعان ما عادت الأسعار إلى مجراها الطبيعي.

في المقابل، حافظت السعودية التي تمتلك أكبر طاقة إنتاجية في منظمة أوبك على نمو إنتاجها النفطي، وبلغ إنتاجها مستويات قياسية هي الأعلى منذ ثلاثة عقود، حيث وصلت إلى قرابة الـ10.4 مليون برميل يوميا في الفترة الماضية.

ويشير الخبير الاقتصادي السعودي إلى أن أسعار النفط شهدت ارتفاعا رغم تخفيض وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب العالمي من 1.1 مليون برميل يوميا إلى 0.8 مليون برميل يوميا ليكون إجمالي الطلب العالمي 89.9 مليون برميل يوميا، ويؤكد أن الرياض هي اللاعب الأول والرئيسي في قضية توازن السوق والأسعار.

لكن كيف سارت الأمور خلال الستة أشهر الماضية؟ يقول الحقيل، إن حجم صادرات الخام الإيراني انخفضت بنحو أكثر من 1.2 مليون برميل يوميا منذ بدء الحديث فرض الحظر على النفط وهو ما يعادل أكثر من 47 في المائة من إجمالي الصادرات البترولية الإيرانية.

ويضيف الصين خفضت وارداتها من النفط الإيراني بنحو 34 في المائة ليصل إلى 400 ألف برميل يوميا وفي نفس الوقت عوضت هذا الخفض بزيادة في وارداتها النفطية من السعودية.

ويوضح الحقيل، أن بعض المصادر الصينية، أرجعت خفض الواردات من النفط الإيراني إلى قضايا التسعير وليس علامة على أن الصين تتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الحظر والعقوبات التي تم فرضها على إيران، وفي ذات السياق خفضت الهند وارداتها إلى النصف من النفط الإيراني ليصل إلى حدود الـ250 ألف برميل يوميا.

وبحسب المعطيات يقول الخبير الاقتصادي، إن صادرات إيران من النفط ستتراجع بنحو 700 ألف برميل يوميا مع بدء تطبيق العقوبات، حيث يتم بدء سريان حظر أوروبي تام على استيراد النفط الإيراني، مطلع يوليو المقبل، وفرض عقوبات أميركية موجعة جديدة اعتبارا من 28 يوليو على دول التي تستورد النفط الإيراني.

وعن كيف ستكون الأسواق النفطية في 1 يوليو: يقول تركي الحقيل «للسعودية أن تغطي وبكل سهولة أي نقص في الإمدادات النفطية العالمية، وتلبية الطلب العالمي من قبل طاقتها الاحتياطية الفائضة التي تشكل أكثر من 2.7 مليون برميل يوميا بنفس الجودة».

ويعتبر أن هذا الدور الذي ستلعبه السعودية خلال بدء سريان العقوبات ينسجم مع توجيهات السياسة النفطية السعودية في الاحتفاظ بفائض نفطي أكثر من مليوني برميل يوميا لسد الفجوات والإمدادات النفطية في السوق العالمية للمحافظة على استقرار السوق النفطية.

ويضيف «قد تنخفض الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمتلكها السعودية إلى نحو 2.4 مليون برميل في أواخر الربع الثالث العام الحالي إذا تم فرض الحظر الكلي على النفط الإيراني». وقال إن ذلك لن يكون مقلقا للأسواق النفطية العالمية فالسعودية أثبتت قدرتها على سد الثغرات والإمدادات العالمية من النفط خلال الأزمات العالمية، سواء حرب الخليج الثانية أو إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأميركية.

وأشار الحقيل إلى نمو الصادرات النفطية من موانئ العراق الجنوبية والتي ارتفعت بنحو 90 ألف برميل يوميا منذ بداية يونيو مقارنة مع الشهر الماضي، وهو ما يشير إلى أن الشحنات في طريقها لتكرار المعدل القياسي المسجل في أبريل (الأعلى منذ بداية الحرب في 2003)، حيث بلغ متوسط الصادرات 2.11 مليون برميل يوميا في أول 20 يوما من يونيو ارتفاعا من 2.02 مليون في مايو (أيار)، وقال إن كل هذا يدل أن الأسواق النفطية جاهزة لسد أي فجوة ناتجة من الحظر النفطي لطهران.

وعن إيران قبل 1 يوليو: يقول تركي الحقيل، إن عدم الاستقرار الاقتصادي حول مدى فعالية العقوبات النفطية على طهران واحد من الأسباب وراء استبعاد أكثر من 38 بنكا من أصل 42 بنكا إيرانيا من التعامل مع نظام السويفت منذ منتصف شهر مارس الماضي، وهو مجتمع للاتصالات السلكية واللاسلكية بين البنوك العالمية، وتعد الخطوة التي تم اتخاذها بحق إيران هي الأولى التي يتم فيها استبعاد بنك مركزي من شبكة العالمية للبنوك.

يقول الحقيل، إن هذه الخطوة خلقت أضرارا قوية وتأثيرا أشد من العقوبات النفطية التي تنتظر طهران بداية الشهر المقبل، ويضيف هذه الخطوة تعني أن إيران لم يعد بإمكانها إجراء أي تحويلات مالية خارجية أو تستقبل أي مدفوعات مالية على الصعيد الدولي بشكل قانوني وهي تعيش الآن نقصا في السيولة النقدية الأجنبية.

وفي ذات الوقت، يقول الخبير الاقتصادي «من الصعب الحصول على معلومات دقيقة أو معلومات بشكل عام من إيران بعد العزل من نظام السويفت، ولكن التقديرات تشير إلى أن هناك تأثيرا مباشرا على الصناديق السيادية الإيرانية عن طريق خفض احتياطي العملات الأجنبية على المدى الطويل ولكن لدى إيران حاليا احتياطيات من العملات الأجنبية كافية لتغطية أكثر من 10 أشهر من الواردات».

ويشير الحقيل إلى أن إيران سعت بكل جهدها في اجتماع الأخير لمنظمة أوبك لخفض سقف الإنتاج الحالي المقرر عند 30 مليون برميل، حتى يساهم ذلك في زيادة الأسعار بما يعوضها الخسائر المحتملة من تراجع الصادرات.

ويوضح الحقيل أن طهران تحتاج إلى متوسط سعري لا يقل عن 119 دولارا للبرميل خلال العام الحالي، ويشار إلى أن متوسط أسعار مزيج برنت قرابة 115 دولارا منذ بداية العام ومتوسط سعر مزيج غرب تكساس منذ بداية العام يحوم حول الـ100 دولار.

في جانب مهم لمقاومة العقوبات، أعلنت شركات التأمين الإيرانية أنها مستعدة لتوفير تغطية لناقلات النفط الأجنبية لمواصلة شحن الخام بعد بدء تنفيذ الحظر الأوروبي على استيراد النفط الإيراني الشهر المقبل.

وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة لتخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي، فشلت محادثات إيران ومجموعة 5 + 1 في موسكو منتصف الأسبوع الماضي، ولن تتمكن شركات التأمين الأوروبية من توفير خدماتها للناقلات التي تحمل الخام الإيراني بدءا من أول يوليو نتيجة للعقوبات المفروضة بسبب برنامج إيران النووي.

أمام ذلك، اتحدت شركات تأمين إيرانية خاصة معا لتوفير تغطية للسفن وناقلات الخام التي تبحر في مياه إيرانية، يقول الحقيل، إن حل مشكلة التأمين يعني أن يتحمل المنتج (إيران) تكاليف نقل الإمدادات.

وفقا للإحصاءات الحكومة الإيرانية، ففي عام 2010، كانت الإيرادات النفطية تشكل نحو 35 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، بينما يقدر صندوق النقد الدولي العائدات النفطية بـ75 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، والفرق بين إحصاءات الحكومة الإيرانية وصندوق النقد الدولي، أن أرقام صندوق النقد الدولي تتضمن الإيرادات الناتجة من الصناديق السيادية، في حين تشير أرقام الحكومة الإيرانية إلى الإيرادات التي تم تحصيلها مباشرة من مبيعات النفط.