هل هناك «تستر» على مدى عمق التراجع الاقتصادي في الصين؟

خبراء غربيون: البيانات الرسمية الصينية تحتوي على «تزييف» في الإحصاءات

موظفة صينية تنظم رزم أوراق نقدية من اليوان في أحد البنوك (رويترز)
TT

بينما يواصل الاقتصاد الصيني مسيرته القوية، خرج مسؤولون كبار بالشركات الصينية وخبراء اقتصاد غربيون ليؤكدوا وجود أدلة على أن المسؤولين في الحكومات المحلية وحكومات الأقاليم يزيفون الإحصاءات الاقتصادية من أجل إخفاء الحقيقة حول مدى عمق المشكلات الموجودة.

وقد تراكمت كميات قياسية من الفحم الفائض عن الحاجة في أكبر مناطق تخزين الفحم في البلاد، حيث أصبحت محطات توليد الكهرباء تحرق فحما أقل، على الرغم من تراجع الطلب على الكهرباء. إلا أن المسؤولين في الحكومات المحلية وحكومات الأقاليم أجبروا مديري المحطات على عدم إبلاغ بكين بمدى التباطؤ الحقيقي، طبقا لما ذكره مسؤولون في قطاع الكهرباء.

وقد كان إنتاج واستهلاك الكهرباء يعتبران بمثابة علامة تنبيه بالنسبة للكثير من أوجه النشاط الاقتصادي، حيث ينظر إليهما كثير من المستثمرين الأجانب، وحتى بعض المسؤولين الصينيين أيضا، على أنهما أداة دقيقة لرصد ما يحدث بالفعل في اقتصاد البلاد، نظرا لأن عمليات جمع البيانات والإبلاغ بها في الصين لا تتم بالدرجة نفسها من الموثوقية التي تتم بها في كثير من البلدان.. بل ويضيف مسؤولون بالشركات وخبراء اقتصاديون أن المسؤولين في بعض المدن والأقاليم يبالغون في ما يتعلق بالناتج الاقتصادي وإيرادات وأرباح الشركات ومتحصلات الضرائب، وهم يفعلون ذلك عن طريق حث الشركات على الاحتفاظ بمجموعة منفصلة من الدفاتر تبين وجود تحسن في نتائج الأعمال وسداد الضرائب المستحقة على خلاف الواقع.

وبحسب التقديرات التقريبية للمسؤولين والخبراء، فإن هذه البيانات الإحصائية غير الدقيقة تنتج عنها زيادة غير حقيقية في العديد من المؤشرات الاقتصادية بنسبة 1 أو 2 في المائة، وهو ما قد يكفي لجعل أي أنباء اقتصادية بالغة السوء تبدو مجرد أنباء غير جيدة. وقد طلب هؤلاء المسؤولون والخبراء عدم ذكر أسمائهم خوفا من تأثر علاقتهم بالسلطات الصينية، التي يعتمدون عليها في الحصول على البيانات وعقد الصفقات التجارية.

وقد أنكر «المكتب الوطني للإحصاء»، وهو الهيئة الحكومية الصينية التي تقوم بتجميع معظم الإحصاءات الاقتصادية على مستوى البلاد، أن تكون البيانات الاقتصادية مبالغا فيها، وصرحت متحدثة باسم المكتب: «هذا لا يستند إلى أي دليل».

وما زال البعض يعربون عن ثقتهم في الإحصاءات الرسمية، فقد استشهد مارك موبيوس، الرئيس التنفيذي لمجموعة «تمبلتون غروب للأسواق الناشئة»، بالأرقام المعلنة المتعلقة بالكهرباء في معرض إبداء تشككه في أن يكون الاقتصاد الصيني معرضا لمصاعب حقيقية، حيث قال: «لا أظن أن النشاط الاقتصادي بهذا السوء.. فقط انظر إلى إنتاج الكهرباء».

لكن خبيرا اقتصاديا على صلة بالمكتب ذكر أن المسؤولين بدأوا في إجراء تحقيقات بعد اكتشاف علامات على احتمال وجود مبالغة في الأرقام المتعلقة بالكهرباء.

وهناك علامات استفهام قائمة منذ وقت طويل حول جودة ودقة البيانات الاقتصادية الصينية، غير أن المخاوف المثارة حاليا غير عادية، على اعتبار أن العام الحالي يشهد، للمرة الأولى منذ 1989، تزامن حدوث تباطؤ اقتصادي كبير مع التغيير الشامل في القيادة العليا للبلاد، الذي يتم كل 10 سنوات.

ويتعرض المسؤولون على جميع المستويات الحكومية لضغط الاضطرار إلى إبلاغ بكين بنتائج اقتصادية جيدة، في فترة ينتظر فيها أن يتدفق من بكين شلال من قرارات الترقية والنقل وإنزال الدرجات الوظيفية، لذا، فقد بدأوا في تزييف مقاييس النشاط الاقتصادي التي تتسم بدقة أكبر وتبدو أكثر غموضا، طبقا لما ذكره هؤلاء المسؤولون والخبراء.

ويقول مسؤول تنفيذي في قطاع الكهرباء: «مسؤولو الحكومة لا يريدون أن يروا السلبيات، وبالتالي، فهم يأمرون مديري محطات الكهرباء بعدم ذكر حالات التراجع في معدلات الاستهلاك في تقاريرهم».

ويقول مسؤول كبير آخر في إحدى الشركات الصينية مطلع على بيانات شبكات الكهرباء الخاصة بإقليمين واقعين في وسط شرقي الصين يعدان مركزين للتصنيع الثقيل، وهما شان دونغ وجيانغ سو، إن استهلاك الكهرباء في كلا الإقليمين تراجع خلال شهر مايو (أيار) الماضي بنسبة تزيد على 10 في المائة عن العام السابق، كما انخفض استهلاك الكهرباء أيضا في أجزاء من غرب الصين. ومع ذلك، يشير الخبير الاقتصادي المتصل بالمكتب الإحصائي إلى أن المدن والأقاليم في مختلف أنحاء البلاد قد أبلغت عن وجود ثبات أو ارتفاع ضئيل في استهلاك الكهرباء.

ويقول روهان كيندال، وهو كبير المحللين لشؤون الفحم بآسيا لدى الشركة الاستشارية العالمية المتخصصة في مجال الطاقة «وود ماكينزي»، إن الفحم المكدس في ميناء كين هوانغ داو بلغ 9.5 مليون طن هذا الشهر، نتيجة لأن الفحم المحمل على قطارات يصل بسرعة أكبر مما تحتاج إليه محطات توليد الكهرباء في جنوب الصين، وهذه الكمية تتجاوز المستوى القياسي السابق البالغ 9.3 مليون طن والمسجل في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008، قبيل بلوغ الأزمة المالية العالمية منتهاها.

وأوضح أحد المسؤولين الصينيين أن المناطق الثلاث التالية ضمن قائمة أكبر مناطق تخزين الفحم في الصين؛ وهي: تيان جين، وكاو في ديان، وليان يون غانغ، بلغت كذلك مستويات قياسية.

وقد أظهر كثير من مؤشرات الاقتصاد الصيني وجود تباطؤ بالفعل هذا الربيع، حيث سجل الاستثمار في الأصول الثابتة أبطأ معدل نمو له في شهر مايو منذ عام 2001، كما هبط معدل النمو السنوي في الإنتاج الصناعي إلى ما دون 10 في المائة، بينما لم يرتفع توليد الكهرباء سوى بنسبة 3.2 في المائة خلال شهر مايو الماضي مقارنة بالعام السابق، وبنسبة 1.5 في المائة خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي.

والسؤال الآن هو: هل التباطؤ الفعلي أسوأ من ذلك بكثير؟ إن هذا التحريف الذي حدث في البيانات الحكومية يفسر لماذا تراجعت أسعار سلع أساسية مثل النفط والفحم والنحاس بشدة هذا الربيع، رغم أن الإحصاءات الصينية الرسمية تظهر تراجع درجة التباطؤ في النشاط الاقتصادي، كما أن هذا التلاعب في الإحصاءات الرسمية يفك لغز التصريحات التي صدرت عن تجار الجملة الذين يتعاملون في السلع الاستهلاكية ومواد البناء، التي قالوا فيها إن المبيعات وصلت إلى المستوى المقبض نفسه الذي كانت عليه في أوائل عام 2009. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاحتفاظ بالبيانات الإحصائية الدقيقة للاستعمال الداخلي من قبل صناع السياسات بينما يتم الإعلان عن أرقام أقل سوءا للجماهير والأسواق المالية، قد يفسر لماذا قام البنك المركزي الصيني على نحو مفاجئ وغير متوقع بخفض أسعار الصرف في وقت سابق من هذا الشهر.

وقد أكد كثير من الدراسات التي أصدرتها مؤسسة «غولدمان ساكس» ومؤسسات أخرى على مدار العام، أن الخبراء الإحصائيين الصينيين يتصرفون في معدلات النمو الربعي حسب مقتضى الحال، حيث يعلنون معدلات نمو أقل في فترات الازدهار، ومعدلات نمو أعلى في فترات الركود الاقتصادي.

وقد كان المسؤولون الصينيون في الماضي يثيرون علامات استفهام حول مدى الموثوقية التي تتمتع بها الإحصاءات الاقتصادية الصينية؛ إذ تبين برقية دبلوماسية أميركية نشرت على موقع «ويكيليكس» أن لي كيكيانغ، الذي يتوقع كثيرون أن يصبح رئيس وزراء الصين الخريف المقبل، قال في عام 2007 إنه يعتبر مقاييس النمو الاقتصادي العامة التي تعتمد عليها الصين «بشرية الصنع، وبالتالي فهي لا تتمتع بالموثوقية». وقد أخبر لي كيكيانغ دبلوماسيا أميركيا بأنه يركز بدلا من ذلك على ثلاثة مؤشرات وصفها بأنها أقل احتمالا في أن يتم التلاعب بها وهي: استهلاك الكهرباء، وحجم حمولة السكك الحديدية، ومعدل سداد القروض المصرفية.

* خدمة «نيويورك تايمز» ويقول جوناثان سينتون، وهو متخصص في شؤون الطاقة الصينية لدى «وكالة الطاقة الدولية»، إنه لم يسمع بوجود بيانات زائفة في قطاع الكهرباء الصيني، وشكك في إمكانية حدوث هذا في أكبر 5 شركات لتوليد الكهرباء، التي تنتج مجتمعة نصف كهرباء الصين. وتابع قائلا: «إذا كانت هناك مشكلة، فسوف تكون موجودة في الشركات الأصغر حجما»، منبها إلى أن حتى هذه الشركات سوف يتعين عليها في النهاية أن تقدم معلومات دقيقة من أجل التوفيق بين حسابات الوقود والكهرباء والحسابات المالية.

ويرى ستيفين غرين، وهو خبير اقتصادي في شؤون الصين لدى مصرف «ستاندارد تشارترد»، أن الاقتصاد الصيني ما زال مرشحا للتعافي في الخريف المقبل، نتيجة توجه المصارف إلى زيادة نشاط الإقراض، مما يؤدي إلى تحفيز حركة الإنفاق.

إلا أن استطلاعا للرأي بين مديري المشتريات والتصنيع الصينيين، صدر الخميس الماضي عن مصرف «إتش إس بي سي» ومجموعة «ماركت» وتم بشكل مستقل عن الحكومة، قدم إعادة قراءة لشركاتهم منذ شهر مارس (آذار) عام 2009. ولم يحدث أي تراجع سوى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين واجه كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة أزمة قصيرة، ولكنها حادة، في السيولة.