مدير صندوق تحوط ينسج حوله قصصا من الواقع والخيال في أميركا

يقضي عقوبة مدتها 22 عاما لإدارته مشروعا احتياليا قيمته 450 مليون دولار

صامويل إسرائيل الثالث لدى اعتقاله من قبل الشرطة الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

«إنني مخادع محترف. لا تصدق أي شيء أقوله».

كانت هذه هي العبارة التي جاءت على لسان صامويل إسرائيل الثالث في حديثه إلى الأسبوع الماضي. إنه مدير صندوق التحوط المتهم بإدارة نظام «بونزي» قيمته 450 مليون دولار والذي تظاهر بالانتحار في صيف 2008 لتجنب عقوبة السجن قبل أن يسلم نفسه عقب مطاردة واسعة النطاق بمختلف أنحاء العالم.

كان يجلس في مواجهتي في مركز الزيارة في مجمع سجون بوتنر الذي تفصله 45 دقيقة شمالي رالي في شرقي نورث كارولينا. (برنارد مادوف موجود في المجمع نفسه) . كان إسرائيل، 52 عاما، الذي يقضي عقوبة مدتها 22 عاما، يرتدي زي السجن الداكن وتتدلى على جانبي رأسه الصلعاء شعرات مموجة يمتزج فيها اللونان الفضي والبني. (صاح قائلا: «لن أحلقها حتى خروجي من السجن».) ذهبت إلى هناك لإجراء حديث معه لأن قصته تعتبر رواية تحذيرية عن عمليات الاحتيال شديدة التعقيد، المستشرية في المعتاد، التي ما زال خطرها يحدق بوول ستريت. لا يزال من تحدث إليهم ممن تعاملوا معه متحيرين من خيانته للأمانة وكيف أنه لم يتوفر لدى أحد دليل على خداعه إلا بعد فوات الأوان.

«الجميع يغش»، هكذا قال كتعبير عن حقيقة واقعة.

وأكد بصوت عذب قائلا: «إنني لم أكن مخادعا بطبيعتي، لكني أصبحت مخادعا».

سافرت بالطائرة لزيارة إسرائيل عقب قراءتي نسخة أولية من كتاب عنه من المنتظر صدوره في خلال أسبوعين، «الأخطبوط، سام إسرائيل، السوق السرية وأشرس مخادع في وول ستريت»، للكاتب غاي لوسون (كراون). جذبني حديث لوسون عن سلوك إسرائيل الغريب - العبقري أحيانا والمثير للاشمئزاز غالبا.

فيما يلي ملخص سريع لقصته المشينة: أحد مواطني نيو أورليانز وحفيد متداول سلع شهير في وول ستريت، أنشأ «بايو هيدج فاند غروب» في عام 1996 وسرعان ما بزغ نجمه، حيث جمع أموالا من بعض المستثمرين المرموقين في وول ستريت استنادا إلى سجل تتبع التداول الخاص بالشركة. قام صندوق التحوط «بايو» بالتداول عبر وحدة من مصرف «غولدمان ساكس»، إلى جانب شركات أخرى. كانت هناك مشكلة واحدة، ألا وهي أن أرباح الشركة كانت وهمية، أو بعبارة أخرى، مفبركة بالكامل. في حقيقة الأمر، كان صندوق «بايو» يخسر أموالا بصورة مستمرة. كانت شركة المحاسبة التابعة الشركة، والتي صدقت على الأرقام التي حققها إسرائيل في خطابات أرسلتها للمستثمرين، وهمية أيضا. أنشأ إسرائيل وشركاه شركة المحاسبة من فراغ، بما في ذلك الأدوات المكتبية والشعار.

وبعد أن كشف النقاب عن احتياله في عام 2005، عندما ارتفع حجم خسائره وطالبه المستثمرون بأموالهم، تمت إدانة إسرائيل. وبعد أن حكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما (تم تمديد فترة العقوبة بعد محاولاته الهروب)، واختلق قصة انتحاره على جبل بير شمالي مانهاتن، تاركا سيارته التي تحمل ماركة «جي إم سي إنفوي» على جسر بعد كتابة عبارة «الانتحار بلا ألم» على غطاء محرك السيارة. ظل مطاردا لمدة شهرين حاول خلالهما، على حد قوله الآن، الانتحار بحق ولكنه فشل. أخبرني أنه قام بتسليم نفسه بعد أن شاهد نفسه على شاشة التلفزيون وأدهشه العدد الهائل من البشر الذين قد ألحق بهم الأذى. يقول إسرائيل: «كنت أشاهد برنامج (أبرز المطلوب القبض عليهم في أميركا) وشاهدت نفسي، فقلت: (يا إلهي!)».

هذا وقد تم أيضا إلقاء القبض على صديقته، ديبرا ريان، بتهمة معاونته في خطة الهروب. «كثير من الأمور تشعرني بالأسف، ولكن على رأسها تدمير حياة هذه الفتاة الفقيرة. السبب الوحيد الذي دفعهم للقبض عليها هو رغبتهم في الوصول إلي - وقد نجح ذلك بالفعل. أعلم أنهم كانوا يخططون للقبض على أمي بعد ذلك». (أدينت ريان ووضعت رهن الإقامة الجبرية).

إذن، كيف بدأ احتيال إسرائيل؟

قال إن الاحتيال لم يكن مطلقا خطته. في وقت سابق، ذكر أن الشركة أجرت مجموعة من عمليات التداول الخاسرة. كان مستعدا للكذب على المستثمرين - وهو ما زعم أنه كان فكرة شركائه - لأنه ظن أنه بحلول الربع المالي المقبل، سيتمكن من جني ربح من جديد.

يقول إسرائيل: «ظننت أن بإمكاني تحقيق أرباح مجددا. لم أكن قلقا مطلقا». ويضيف: «كنت متداولا جيدا. وكنت متفانيا في عملي». يستكمل قائلا: «هل كان من الصعوبة بمكان أن أكذب في البداية؟ لا. هل ازداد الأمر صعوبة لاحقا؟ نعم. تعايشت مع هذه الطبيعة الوحشية كل يوم، تعايشت مع هذه (النقيصة). كانت مروعة. كان هذا أسوأ إحساس يمكن أن يخالجك».

غير أنه ظل يتكبد خسائر - ويكذب، موسعا نطاق أكاذيبه إلى أكاذيب أكثر تفصيلا.

وقال إنه في واحدة من أكثر اللحظات كآبة في حياته، لاحق ما اعتبره «سوقا سرية» يفترض أنها تدار من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي بهدف إعادة الأموال المفقودة للمستثمرين. وعلى طول الطريق، صادق رجلا محتالا، وبالطبع، لم يتسن له مطلقا إعادة أي أموال للمستثمرين.

تبدو القصة محيرة. لكنها تثير على السطح تساؤلا عن سبب عدم رؤية أحد رايات حمراء.

وقال إسرائيل إن هيئة الأوراق المالية والبورصة «لم تجر فحصا مفصلا دقيقا لكل شيء لأن مسؤوليها لم تكن لديهم القوة العاملة التي تكفل لهم القيام بذلك». وقال إنه قبل ستة أشهر فقط من انهيار الشركة، قامت هيئة الأوراق المالية والبورصة بفحص عمليات التداول الخاصة بها، «ولم يجدوا أي خطأ». وفي قضية تحكيم، تم إلزام وحدة التنفيذ والمقاصة التابعة لمصرف «غولدمان ساكس»، المعروفة سابقا باسم «سبير ليدز أند كيلوغ»، والتي قام بتصفية عمليات تداول لحساب «بايو»، بدفع مبلغ 20.6 مليون دولار لدائني صندوق التحوط المفلس. وتقيم الشركة دعوى استئناف.

تساءل إسرائيل قائلا: «هل هناك عمليات احتيال مماثلة تجري مجراها اليوم؟ إنني موقن تماما من أن هناك عمليات مشابهة».

سألته عن الإجراءات التي يمكن لأي مستثمر اتخاذها لتجنب التعرض لخداع من قبل صامويل إسرائيل القادم.

أجاب إسرائيل قائلا: «ابحث عن أكبر درجة ممكنة من الشفافية. إذا لم يكونوا يفهمون على وجه التحديد كيف يحقق مدير أرباحا، فلا تقم بالاستثمار لديهم. إذا كانت هناك عملية سرية لا يمكنك تفسيرها، فحاول التأكد بنفسك. اذهب لزيارة المؤسسة بنفسك وتحدث لموظفيها. فليس باستطاعة المدير مقابلة كل شخص وإلا فلن يتمكن من جني أرباح؛ فإذا خصص جل وقته لك، فإن هذا يعتبر بمثابة إشارة تدعو للحذر».

يعتبر إسرائيل موظف مبيعات بارعا، حتى في السجن. من الواضح جليا سبب تمكنه من الإفلات بعملية الاحتيال التي قام بها لتلك الفترة الطويلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»