جدل متواصل في أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم

وسطاء سابقون يتهمون «جي بي مورغان» بالاهتمام بمبيعاته أكثر من احتياجات عملائه

المقر الرئيسي لـ«جي بي مورغان» في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

حينما تعرض مصرف «جي بي مورغان تشيس» لهزة عنيفة في أعقاب الأزمة المالية، لجأ إلى المستثمرين العاديين لتعويض أرباحه التي فقدها. ولكن بعد أن أصبح المصرف أحد أكبر مديري صناديق الاستثمار في البلاد، يزعم بعض الوسطاء الحاليين والسابقين لديه أنه يهتم بمبيعاته أكثر من اهتمامه باحتياجات العملاء.

وكشف هؤلاء المستشارون الماليون عن أنه كان يتم تشجيعهم، في بعض الأحيان، على تزكية منتجات «جي بي مورغان»، حتى حينما كان المنافسون يقدمون خيارات أرخص أو ذات أداء أفضل. وقد بالغ المصرف، من خلال إعلاناته التسويقية، في عائدات بيع أحد منتجاته الرئيسية، بحسب مستندات خاصة بالمصرف اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز».

والفائدة التي تعود على مصرف «جي بي مورغان» من ذلك واضحة، فكلما زاد حجم الأموال التي يضخها المستثمرون في صناديقه، ارتفعت حصيلة الرسوم التي يتلقاها مقابل إدارة هذه الأموال. وهذه الدفعة القوية للمبيعات سمحت للمصرف بأن ينجو من الاتجاه السائد حاليا في السوق، الذي يشهد تقلبات دفعت أعدادا كبيرة من المستثمرين العاديين إلى الخروج من صناديق الأسهم.

ولكن على العكس تماما، يقوم مصرف «جي بي مورغان» بتجميع الأصول في صناديق الأسهم التابعة له بمعدل سريع، رغم أنه لا يمتلك سوى مجموعة صغيرة من صناديق الاستثمار عالية الأداء يشرف عليها مديرو الحافظات الاستثمارية. وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية، فشل نحو 42 في المائة من صناديقه في تجاوز متوسط أداء الصناديق التي تعمل في استثمارات مماثلة، بحسب شركة «مورننغ ستار» للأبحاث المتخصصة في صناديق الاستثمار.

ويقول جيوفري تومز، الذي غادر مصرف «جي بي مورغان» العام الماضي ويعمل حاليا مستشارا لدى شركة «أورسو لإدارة الاستثمارات»: «كنت أبيع صناديق (جي بي مورغان) لها في الغالب سجلات أداء ضعيفة، وكنت أفعل هذا لا لسبب سوى لإثراء المؤسسة. لا أستطيع أن أقول إنني كنت موضوعيا».

ولم يكن مصرف «جي بي مورغان»، الذي يمتلك جيشا من المستشارين الماليين وما يقرب من 160 مليار دولار من الأصول التي تديرها صناديق الاستثمار التابعة له، هو المصرف الوحيد الذي أسس شركة استشارية لخدمة صغار المستثمرين، فقد ضاعف مصرفا «مورغان ستانلي» و«يو بي إس» كذلك من جهودهما، حيث تجذبهما العائدات الثابتة أكثر من تلك التي تتحقق على منصات التداول.

لكن مصرف «جي بي مورغان» اتخذ منحى مختلفا بالتركيز على بيع الصناديق التي يؤسسها، وهو تصرف مثير للجدل، حيث تمتنع شركات كثيرة عن إنشاء صناديق خاصة بها بسبب ما قد يحدثه ذلك من تضارب.

وقد ظل مصرفا «مورغان ستانلي» و«سيتي غروب» بعيدين بدرجة كبيرة عن هذا النشاط. وفي العام الماضي كان مصرف «جي بي مورغان» هو المصرف الوحيد بين أكبر 10 شركات لإدارة صناديق الاستثمار، طبقا لشركة الأبحاث «ستارتيجك إنسايتس».

ويقول ماتيو غولدبرغ، وهو وسيط سابق يعمل حاليا لدى «مجموعة مانهاتن لإدارة الثروات»: «لقد كان مكتوبا في بطاقة العمل الخاصة بي أن وظيفتي هي مستشار مالي، لكن هذا لم يكن ما يكلفني به مصرف (جي بي مورغان). كان علي أن أكون موظف مبيعات، حتى لو كان ما أبيعه ليس بهذا المستوى».

وقد سبق لمصرف «جي بي مورغان» أن تعرض لبعض المتاعب في سبيل تنشيط صناديق الاستثمار الخاصة به. ففي قضية تحكيم جرت وقائعها عام 2011، تم تغريم المصرف مبلغ 373 مليون دولار بسبب تفضيل منتجاته، رغم وجود اتفاق لبيع بدائل من شركة «أميركان سينشري».

ويدافع مصرف «جي بي مورغان» عن استراتيجيته قائلا إن لديه «خبرات داخلية» وإن العملاء يريدون وسيلة للوصول إلى صناديق إدارة الممتلكات. وتؤكد ميليسا شافيلد، المتحدثة باسم المصرف: «نحن دائما نضع عملاءنا أولا في كل قرار»، مشيرة إلى أن المستشارين من الشركات الأخرى مسؤولون عن نسبة كبيرة من مبيعات صناديق «جي بي مورغان».

وفي البداية كان جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان»، رافضا فكرة دفع استثمارات المصرف بالقوة، طبقا لاثنين من المسؤولين بالمصرف رفضا ذكر اسميهما لأن هذه المناقشات لم تكن علنية. فمنذ عدة سنوات كان ديمون يريد أن يسمح لوسطائه ببيع مجموعة متنوعة من المنتجات والابتعاد عن صناديق الاستثمار الخاصة بالمصرف، بينما كان جيس ستالي، الذي كان رئيس إدارة الأصول وقتها، يرى أن المصرف عليه أن يركز على صناديق إدارة الممتلكات. وقد توصل الرجلان إلى حل وسط، عن طريق التوسع في مجموعة الصناديق مع السماح للوسطاء ببيع المنتجات الخارجية.

وقد أصبح المصرف حاليا يخصص موارد أكبر لهذا النشاط، رغم اتجاه مجالات النشاط الأخرى في المصرف إلى الانكماش. فمنذ عام 2008 قام المصرف بإضافة مئات الوسطاء في فروعه، ليصل إجمالي عددهم إلى نحو 3100 وسيط. وقد تركزت هذه الدفعة التي قام بها المصرف على منتجات مثل «حافظة تشيس الاستراتيجية»، وهو استثمار يشمل نحو 15 صندوق استثمار، بعضها أسسه مصرف «جي بي مورغان» وبعضها لا، والهدف منه هو طرح ممتلكات المستثمرين العاديين من الأسهم والسندات، من خلال 6 نماذج رئيسية تتفاوت في مستوى المخاطرة.

وقد كانت «حافظة تشيس الاستراتيجية» بمثابة هدية من السماء بالنسبة لمصرف «جي بي مورغان»، حيث أصبح هذا المنتج، الذي بدأ عمله منذ 4 سنوات، يدير بالفعل أصولا تقترب قيمتها من 20 مليار دولار، طبقا لمستندات داخلية اطلعت عليها صحيفة «تايمز».

ويفرض المصرف رسوما سنوية مرتفعة، تصل إلى 1,6 في المائة من قيمة الأصول التي تديرها «حافظة تشيس الاستراتيجية»، في حين أن أي مخطط مالي مستقل يتعامل مع المستثمرين العاديين يقوم على وجه العموم بتحصيل 1 في المائة مقابل إدارة الأصول. كما يقوم المصرف بتحصيل رسوم على صناديقه الأساسية، في حين أن شركة «نيوبرغر بيرمان»، حينما تقوم بتجميع صناديق الاستثمار، تتنازل عادة عن المصروفات المفروضة على صناديق الاستثمار الخاصة بها.

وبالنظر إلى حجم الرسوم فإن أحد الأمور المثيرة للقلق هو أن يكون مصرف «جي بي مورغان» يزكي صناديقه الداخلية لأسباب تتعلق بالأرباح وليس باحتياجات العملاء. ويقول أندرو ميتريك، وهو أستاذ في كلية ييل للإدارة: «هناك قلق حقيقي بشأن وجود حالات تضارب في المصالح».

وهناك قلق كذلك من أن المستثمرين قد لا تكون لديهم فكرة واضحة عما يشترونه، فبينما تقوم صناديق الاستثمار التقليدية بتحديث عائداتها يوميا، فإن المستندات التسويقية الخاصة بـ«حافظة تشيس الاستراتيجية» تركز على العائدات النظرية، في حين أن الأداء الحقيقي، الذي أفصح عنه المصرف لصحيفة «تايمز»، يكون أضعف بكثير.

وتبين البيانات التسويقية الخاصة بالحافظة المتوازنة عائدا سنويا مفترضا يبلغ 15,39 في المائة، بعد خصم الرسوم لمدة ثلاث سنوات تنتهي في 31 مارس (آذار)، وهذه العائدات تتجاوز المؤشر القياسي الذي وضعه مصرف «جي بي مورغان»، وهو معيار المقارنة، بنسبة 0,73 نقطة مئوية سنويا. وقد كان العائد الفعلي هو 13,87 في المائة سنويا، أي أقل من الأداء المفترض والمؤشر القياسي، بل وجاءت كل النماذج الأربعة بأجل 3 سنوات أقل من الأداء المفترض والمؤشرات القياسية.

وقد أعلن مصرف «جي بي مورغان» أن النماذج المستخدمة في «حافظة تشيس الاستراتيجية»، بعد خصم الرسوم، ربحت 11 إلى 19 في المائة سنويا في المتوسط منذ عام 2009. وعلقت شافيلد: «بصورة موضوعية، هذا يعد عائدا تنافسيا».

وأشار المصرف إلى أنه لم يقدم النتائج الحقيقية لنماذج الاستثمار التي تشملها «حافظة تشيس الاستراتيجية»، لأن من التقاليد المترسخة في هذا المجال أن يتم الانتظار حتى تسجل جميع أجزاء الحافظة عائدا لمدة 3 سنوات قبل الإعلان عن الأداء في البيانات التسويقية. وذكرت شافيلد أن المصرف يعد حاليا لإدراج العائدات الفعلية في هذه الإعلانات.

ولا تميل السلطات التنظيمية إلى تشجيع استخدام العائدات المفترضة، إذ يقول مايكل كاسيسي، وهو محامٍ لدى شركة «كيه آند إل غيتس»: «الجهات التنظيمية تنزعج من استخدام العائدات المفترضة لأنها عادة ما تكون متفائلة للغاية».

ورغم أن الوسطاء لا يحصلون على مكافآت أو عمولات إضافية من «حافظة تشيس الاستراتيجية»، فإن بعض المستشارين يقولون إنهم تعرضوا لضغوط لتزكية تلك المنتجات الداخلية كجزء من سياسة المبيعات المتشددة. وقد قام مراقب في أحد فروع نيو جيرسي مؤخرا بإرسال رسالة تهنئة إلى أحد المستشارين الذي أقنع عميلا بأن يضع 75 ألف دولار في «حافظة تشيس الاستراتيجية»، وكتب في رسالته: «من الجميل أن أعرف أن هناك شخصا يستفيد من أفضل يوم بيع في الأسبوع».

كما يصدر مصرف «جي بي مورغان» منشورا بقائمة من الوسطاء الذين يساهم عملاؤهم بأكبر المبالغ في هذه الحافظة، ويمتلك كبار المستشارين أصولا بقيمة نحو 200 مليون دولار في هذا البرنامج.

ويقول وارين روكماشر، وهو وسيط غادر المؤسسة مؤخرا: «كان كل شيء ينصب حول المال، وليس العميل»، واستطرد موضحا أنه إذا لم يتمكن من إقناع أحد العملاء بالاستثمار في «حافظة تشيس الاستراتيجية» فإن المدير كان يسأله لماذا اختار شيئا آخر.

وتقول شيريل غولد إنها تعرضت لعملية بيع بأسلوب الضغط والإلحاح حينما ذهبت إلى فرع المصرف المحلي الذي تتعامل معه في نيويورك العام الماضي، واقترح عليها أحد المستشارين «حافظة تشيس الاستراتيجية». وتروي غولد ما حدث قائلة: «كانوا مصرّين على أن أشتري هذا المنتج، ولم أفعل شيئا سوى الضحك. أحسست أن هذه طريقة تجعلهم يكسبون الأموال على حسابي».

* خدمة «نيويورك تايمز»