الشركات الغربية تتجه إلى آسيا أملا في كسب الأسواق

من بينها شركة «جنرال إلكتريك» ومصرف «غولدمان ساكس»

هونغ كونغ تجذب الشركات العالمية لأنها منفذ تجاري حيوي للصين
TT

وسط ضجيج الصنجات والطبول الذي يصم الآذان، أخذ فريق من الراقصين الماهرين يختالون بآلاتهم في الطابق الرابع والثلاثين من مبنى «سيتي بنك تاور» الشهر الماضي، في إطار مراسم تقليدية لجلب الحظ السعيد إلى المكتب الذي تم افتتاحه ذلك اليوم. إنه مكتب مميز، حيث يقع في أرقى الأبراج في قلب منطقة الأعمال في هونغ كونغ، وهو الآن المقر العالمي لـ«إنفينيتي»، العلامة التجارية الأهم التي تنتجها شركة «نيسان» اليابانية المصنعة للسيارات.

مقر «نيسان» الرئيسي في يوكوهاما، وتصنع سيارات «إنفينيتي» في اليابان والولايات المتحدة، ومن المزمع افتتاح موقعين آخرين لم يتم الكشف عنهما بعد في أوروبا وبر الصين الرئيسي. مع ذلك اتخذت إدارة شركة «نيسان» بعد دراسة قرارا بنقل القطاع الرئيسي من «إنفينيتي»، المتمثل في عمليات، منها وضع استراتيجية العلامة التجارية وتخطيط المنتج والمبيعات، وكذلك نقل الرئيس التنفيذي إلى مدينة ليست حيوية بالنسبة لقطاع السيارات، وتعد أسعار الإيجارات بها هي الأعلى على مستوى العالم. وقال أندي بالمر، المشرف على وحدة الإنتاج الفاخر في «نيسان»، مفسرا قرار فتح فرع لـ«إنفينيتي» في هونغ كونغ بقوله: «يكمن جمال هونغ كونغ في أنها بوابة للصين»، التي تعد أهم سوق لزيادة مبيعات «إنفينيتي». ليس الغرض من ذلك خفض التكاليف أو التعهيد. في الواقع يسلط قرار «نيسان» الضوء على توجه أكثر شمولا يكتسب زخما في أنحاء آسيا.

ظلت الشركات الأميركية والأوروبية واليابانية لسنوات تزيد من عملها في المصانع وفي القطاعات الإدارية والفروع التي تمثل الشركة في أماكن مثل بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ وسنغافورة.

وينتقل مسؤولون تنفيذيون رفيعو المستوى إلى تلك ويتم تخصيص وقت إضافي لازم لتحقيق الجودة في تلك المناطق. من الأمثلة شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية العملاقة التي تشمل منتجاتها المعدات الطبية والمحركات التوربينية والقاطرات. وانتقل جون رايس، نائب الرئيس التنفيذي للنمو العالمي والعمليات بالشركة ورئيس مجلس إدارتها، مع زوجته العام الماضي إلى هونغ كونغ. هناك شق مادي لهذه الخطوة وشق معنوي، حيث يقول رايس في مقابلة بمكتبه بهونغ كونغ: «الحضور خارج الولايات المتحدة يجعلك أكثر وعيا بالقضايا العالمية، حيث يمنحك فرصة لرؤية العالم من زاوية مختلفة». وسافر رايس إلى آسيا كثيرا وزار الصين للمرة الأولى عام 1989. وقال: «لقد أتيت إلى الصين نحو مائة مرة، لكنني عرفت عن الصين خلال الأشهر الثمانية الماضية أكثر مما عرفته عنها على مدى العشرين عاما الماضية».

عبر مايكل أندرو، الذي تولى منصب رئيس مجلس إدارة «كيه بي إم جي إنترناشيونال» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن مشاعر مماثلة. وقال أندرو، الذي اختار الانتقال إلى هونغ كونغ: «إنك توضح من خلال الحضور هنا أنك لست شركة أجنبية، مما يقدم دليلا على التزامك تجاه المنطقة». ويقضي أندرو نظرا لكثرة أسفاره ما بين 25 و30 في المائة من وقته فقط في المدينة. وأوضح قائلا: «حتى هذا يعني أنك أصبحت جزءا من النسيج هنا، حيث تكون على اتصال دائم بكبار رجال الأعمال، وتستطيع التحدث معهم كأنك واحد منهم لا كشخص يحاول الوصول إلى السوق من خلالهم».

من الأمثلة الأخرى شركة «شنايدر إلكتريك» الفرنسية للهندسة، التي تمثل مبيعاتها في آسيا ربع إجمالي مبيعاتها. وأعلنت الشركة مؤخرا عن انتقال اثنين من مسؤوليها التنفيذيين رفيعي المستوى إلى هونغ كونغ، مما يجعل عدد المديرين المقيمين في هونغ كونغ، الذين يعملون تحت إمرة الرئيس التنفيذي جان باسكال تريكوار، أربعة.

وما زال تريكوار مقيما بالأساس في باريس رغم أنه يقضي أغلب وقته في التنقل عبر آسيا، وانتقلت أسرته إلى هونغ كونغ من أجل قضاء وقت معه. وأوضحت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسة «إكونوميست كوربوريت نتوورك» مدى تنامي وسرعة الاتجاه إلى نقل الإدارة إلى آسيا خلال السنوات القليلة الماضية، فبحسب مسح أجري على شركات غير آسيوية متعددة الجنسيات، كان لدى 19 في المائة من تلك الشركات عضو أو أكثر من أعضاء مجلس الإدارة يقيمون ويعملون في آسيا. وبحلول العام الماضي ارتفع هذا الرقم إلى نحو 30 في المائة. الأهم من ذلك هو أنه من المتوقع أن ترسل 45,3 في المائة من الشركات، التي شملتها عينة المسح، الذي أجري عام 2011، أعضاء في مجلس إدارتها إلى المنطقة بحلول عام 2016.

ويقول روس أوبرين، مدير فرع «إكونوميست كوربوريت نتوورك» في هونغ كونغ إن هناك توجها منذ فترة ليست ببعيدة بنقل التصنيع إلى حيث يوجد النمو. وقال أوبرين: «يتعلق الأمر بالترويج لعلامتك التجارية وفكرك عالميا». وأضاف: «من الصعب اتخاذ قرار استثمار عندما تكون في منطقة يكون التقشف هو المعتاد»، مشيرا إلى أن الوجود في آسيا يساعد في تركيز تفكير الشركة على إمكانات المنطقة.

وليست هونغ كونغ هي المنتفع الوحيد من هذا التوجه، فسنغافورة أيضا جذبت الكثير من المديرين رفيعي المستوى وأصبحت مقرا للكثير من الفروع في ظل سعي الشركات إلى استغلال القوى العاملة المتعلمة بها. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى هونغ كونغ باعتبارها بوابة الصين، تمثل سنغافورة حجرا مثاليا يوصل إلى جنوب شرقي آسيا والهند. ويقيم عباس حسين، الذي يشرف على العمليات بالأسواق الناشئة بشركة الأدوية العملاقة البريطانية «غلاكسو سميث كلاين»، في المدينة، وكذا ديب هنريتا، وهي واحدة من الأفراد البارزين في فريق الإدارة بـ«بروكتر آند غامبل».

وأعلن مصرف «غولدمان ساكس» الشهر الحالي عن نقل مارك شوارتز إلى بكين ليشغل منصب رئيس منطقة آسيا - المحيط الهادي ونائب رئيس مجلس إدارة المصرف.

على الجانب الآخر من المشهد، يكثف الكثير من المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى سفرهم إلى آسيا بدلا من الانتقال للإقامة بها.

وعقد مصرف «غولدمان ساكس» اجتماعا لمجلس الإدارة في شهر مارس (آذار) في نيودلهي في سابقة من نوعها تشير إلى تزايد أهمية الهند. واتخذت مجموعة «ستاروود» الفندقية الأميركية خطوة أكبر عندما انتقل فريق الإدارة الخاص بها العام الماضي للإقامة في شنغهاي، التي يصل فرق التوقيت بينها وبين مقر «ستاروود» في ستامفورد بولاية كونيتيكت 12 ساعة.

وكان الفريق الذي يتكون من 15 فردا يضم أفرادا من مختلف الجنسيات بالفعل، وأغلبهم من غير الأميركيين، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لـ«ستاروود»، فريتس فان باشين، خلال مقابلة تمت عن طريق الهاتف من ستامفورد. هناك فردان آخران من الفريق يقيمان في منطقة آسيا - المحيط الهادي، أحدهما في أوروبا والآخر في أميركا اللاتينية. وسمحت هذه الخطوة المؤقتة للفريق بالانخراط في الثقافة المحلية ومقابلة الموظفين والشركاء في المنطقة وجها لوجه. ساعد ذلك الإدارة على فهم وجه اختلاف السوق الصينية عن السوق الأميركية بشكل أفضل. وقال فان باشين: «على سبيل المثال، لقد أدركنا أن هناك الكثيرين في الصين يحجزون غرفا في الفنادق في اللحظة الأخيرة ومن خلال أجهزة محمولة». وأوضح فان أن الشهر الذي قضاه هناك كان مشحونا ومفيدا أكثر مما كان يتصور، لكن من الواضح أن الفائدة كانت أكبر من التوتر، حيث تعتزم شركة «ستاروود» تكرار التجربة العام المقبل، لكن هذه المرة في دبي التي تعد سوقا هامة أخرى بالنسبة للشركة.

* خدمة «نيويورك تايمز»