هل يمكن لـ«سينغ» إحياء الاقتصاد الهندي المتداعي بلمسته السحرية؟

بعد تولي رئيس الوزراء منصب وزير المالية

رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ
TT

من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الهندي المتداعي انتعاشا مع تولي مانموهان سينغ، رئيس الوزراء، منصب وزير المالية. فضل سينغ تولي حقيبة وزارة المالية بعد أن تركها وزير المالية السابق، براناب موخيرجي، للترشح لمنصب رئيس الهند. كشف مانموهان سينغ عن برنامج إصلاحات اقتصادية ليبرالية في عام 1991، مع بداية تقلده منصب رئيس الوزراء، وأشعل فتيل النمو السريع مع تأرجح الهند على حافة الإفلاس، عن طريق تبني فكرة الأسواق الحرة ومكافحة الروتين الحكومي الخانق.

حينما التقى مانموهان سينغ مسؤولين كبارا من وزارة المالية مطلع هذا الأسبوع عقب توليه مسؤولية وزارة المالية، كان خطابه قصيرا وفي صلب الموضوع.

كانت الرسالة التي بعثها واضحة من خلال تقبله للمرة الأولى لفكرة أنه كان هناك بالفعل إدراك واسع النطاق لوجود شلل سياسي في الحكومة، وأنه أراد أن يتغير الوضع بأسرع ما يمكن.

وبحسب مصادر مطلعة على بواطن الأمور، بدا رئيس الوزراء أكثر من مرة غير راض عن الطريقة التي كانت تدار بها وزارة المالية في عهد موخيرجي. كذلك، كان هناك أيضا هذا النوع من عدم التوافق فيما يتعلق بشخص ليبرالي مقابل شخص محافظ. لم يكن بوسعه القيام بالكثير، حينما كان موخيرجي متوليا زمام القيادة.

«كانت هناك مسألة الأقدمية والاحترام والشخصية المميزة في واقع الأمر، وعوامل أخرى كثيرة يصعب شرحها». هكذا يتحدث مساعد سابق لرئيس الوزراء رفض الكشف عن هويته، وقال المساعد السابق إنه «دائما ما كانت هناك حقيقة قائمة، وهي قيام موخيرجي بوصفه وزير مالية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بتعيين مانموهان سينغ محافظا للبنك المركزي».

ومع سيطرة مانموهان سينغ على مقاليد الشؤون المالية، اتجهت الثقة في قطاع الأعمال إلى مستوى أفضل، مع توقع الصناعة والسوق أن يقوم سينغ، رائد الإصلاح الاقتصادي الهندي، على الفور بكشف النقاب عن عملية تغيير من شأنها أن تنعش الاقتصاد برفعه من أدنى مستويات النمو التي سجلها في العقد الماضي، والتي من شأنها أيضا أن تجعله محفزا للمستثمرين الأجانب على الاستثمار في الهند.

إلى ذلك شهدت الأسواق أيضا انتعاشا؛ فالمؤشر الحساس «سينسيكس» لبورصة بومباي قد شهد ارتفاعا مطردا. بدأ سينغ بقرار بشأن خفض أسعار النفط، إلى توضيح بشأن موضوع القانون العام لمكافحة التهرب الضريبي، تلك القضية الضريبية مثار الجدل التي أدت إلى اضطراب في مؤشر «سينسيكس» منذ أن قدم وزير المالية السابق، براناب موخيرجي، ميزانيته للعام المالي 2012 - 2013.

وقد لمح رئيس الوزراء بالفعل إلى أن الهند ربما تتراجع عن الخطوات التي أثارت حنق المستثمرين الأجانب، ومن بينها الجهود الرامية إلى فرض ضرائب على الصفقات السابقة التي شملت شركات مثل شركة الهواتف الجوالة البريطانية العملاقة «فودافون». ويقول محللون: «ربما يبقى سينغ على رأس وزارة المالية حتى نوفمبر (تشرين الثاني) قبل تعيين بديل دائم لموخيرجي، بهدف المساعدة في العودة بالاقتصاد مجددا إلى مسار الإصلاح».

ومما لا يدع مجالا للشك، فقد بدأ سينغ السير على الطريق الصحيح بتكليفه مستشاريه والموظفين البيروقراطيين في وزارة المالية بالبحث عن سبل للقضاء على مناخ التشاؤم وتجنب الإسراف المالي، غير أن ثمة كما هائلا من المشكلات التي تواجه الاقتصاد والتي تحتاج لتوجيه اهتمام لها. لقد حذرت وكالات التصنيف العالمية من أنها ربما تقوم بخفض التصنيف الائتماني لديون الهند إلى مستوى متدن، في ظل معاناة الاقتصاد من عجز مالي هائل وعجز في الحساب الجاري ومعدل تضخم مرتفع.

نما الاقتصاد الهندي بنسبة 5.3 في المائة في عام 2012. وقد فقدت الروبية ربع قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال فترة الاثني عشر شهرا الماضية، لتسجل انخفاضا قياسيا. وتعتبر مشكلة ميزان المدفوعات في الهند إحدى القضايا الخطيرة التي يجب التعامل معها، في ظل معاناة الدولة من عجز هائل في الحساب الجاري. بلغت قيمة العجز في ميزان المدفوعات 5.7 مليار دولار في الربع الأول (أبريل/ نيسان - يونيو/ حزيران) من عام 2012، مقارنة بفائض قيمته ملياري دولار في الربع نفسه من عام 2011. ولسد هذا العجز تحتاج الهند إلى رأسمال أجنبي ضخم. إضافة إلى ذلك، فإنها تحتاج أيضا إلى مدخرات حكومية ضخمة لسد العجز في ميزان المدفوعات. خلال السنوات الماضية، زادت استثمارات الحكومة عن حجم مدخراتها. وقد استنزفت المساعدات واسعة النطاق في قطاعات الغذاء والوقود والمخصبات، مواردها. من ثم، كانت هناك حاجة ماسة لإلغاء بعض المساعدات غير المبررة، على حد قول محللين، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في تقليل عجز الميزانية الضخم.

بعد خطوته الأولى لإصلاح قوانين مكافحة التهرب الضريبي في سبيل جذب المستثمرين الأجانب، بدأ الخبراء ينظرون إليه بوصفه رجلا يفهم نبض الأمة.

تقول رئيسة الأبحاث الاقتصادية ببنك «ستيت بنك أوف إنديا»، برينادا جاغيردار: «رئيس الوزراء يدرك أصل كل المشكلات، ومن ثم اتخذ قراره بتبسيط القوانين الضريبية».

إلا أنها أشارت أيضا إلى أنه ليس من الواضح بعدُ ما إذا كان مسموحا له بالمضي قدما بنفس الحماسة في حل جميع المشكلات الاقتصادية الأخرى التي تواجه الدولة.

«في ظل وجود فريق على مستوى عال من المهارات من صناع السياسات والمسؤولين البيروقراطيين، من المتوقع أن يحصل سينغ على كل الخبرة المطلوبة لبدء ثاني سلسلة من الإصلاحات، شريطة أن لا يقوم فريقه السياسي بأي خداع في منتصف الطريق»، هذا ما جاء على لسان محلل سياسي.

لنتقبل حقيقة أنه إذا ما كان قد تم حمل وزير المالية السابق على الدفع بإصلاحات، فإن السبب وراء ذلك بالأساس هو أن القرارات دائما ما كانت مدفوعة باحتياجات ومتطلبات سياسات الائتلاف لحكومة التحالف التقدمي المتحد التي يقودها حزب المؤتمر، والتي روعت المستثمرين بعجزها عن دفع الإصلاحات المخطط لها بسبب المعارضة من الداخل ومجموعة من فضائح الفساد التي تقدر بمليارات الدولارات. ويأمل المستثمرون أن يتمكن رئيس الوزراء، مانموهان سينغ، الذي قد أحدثت إصلاحاته الجذرية تحولا في اقتصاد الدولة قبل عقدين، من إضفاء لمسته السحرية مجددا بعد توليه منصب وزير المالية. وكشف استطلاع رأي لأكبر 150 مسؤولا تنفيذيا بالهند أجرته مجموعة العمل «أسوتشام» عن توقعات بـ«ضخ طاقة متجددة» في الاقتصاد منذ تولي سينغ حقيبة وزارة المالية.

ومن بين المبادرات التي يأملها المحللون، إنعاش الخطط الهادفة إلى السماح للأسواق الكبرى الأجنبية بامتلاك نسبة 51 في المائة من العمليات الهندية التي يمكن أن تدر عائدات تقدر بمليارات الدولارات من الاستثمارات. ومن أمثلة المبادرات الأخرى تبسيط عملية حيازة الأراضي لاستخدامها في المشاريع الصناعية، والسماح لشركات الطيران الأجنبية بشراء حصة نسبتها 49 في المائة من شركات الطيران المحلية، الأمر الذي ربما يدعم قطاع الطيران الذي يعاني نقصا في السيولة النقدية.

إن مانموهان، الذي لا يتوقع أن يستمر في منصبه كرئيس للوزراء بعد انتخابات 2014، حريص على الحفاظ على سمعته كرائد للإصلاح الاقتصادي في الهند، بحسب محللين. لقد تأثرت سمعته الشخصية أثناء فترته الثانية في الحكومة، مع وصف النقاد له بالقائد المتردد لإدارة من دون دفة.

وقالت أميشا فورا، وهي العضو المنتدب لإحدى شركات السمسرة الكبرى في الهند: «إنها فرصة ذهبية بالنسبة له لكي يعالج الأشياء السلبية التي تقال عنه؛ حيث يقال إنه قائد ضعيف للغاية. إنه لا يريد أن يعتزل العمل السياسي كرجل قام بكل تلك الإصلاحات السياسية (عام 1991)، ولكن أنهى مسيرته السياسية في النهاية بفشل اقتصادي».

يذكر أن سينغ هو اقتصادي تعلم في جامعتي «كمبردج» و«أوكسفورد» ويشتهر بذمته المالية النظيفة ويحظى باحترام كبير على نطاق واسع، وبأنه السبب الرئيسي في الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها الهند والتي أدت إلى النهضة الاقتصادية الكبيرة على مدار العقد الماضي.

وبدأ سينغ يبرز على الساحة السياسية عام 1991 عندما تم اختياره من قبل الغرفة العليا من البرلمان الهندي؛ حيث إنه لا يمكن لأي شخص أن يعمل وزيرا ما لم يتم اختياره من قبل إحدى غرفتي البرلمان الهندي. يذكر أن سينغ لم يدخل غمار أي انتخابات في حياته، ولكن كان دائما ما يتم اختياره من قبل الغرفة العليا للبرلمان. وشغل سينغ منصب رئيس الوزراء خلفا لرئيسة المؤتمر الوطني الهندي الحاكم، سونيا غاندي، عام 2004. وسوف يذكر التاريخ أن سينغ هو من نجح في الخروج بالهند من عزلتها الاقتصادية والنووية.

أما موخيرجي فهو سياسي محنك قضى أكثر من أربعة عقود في البرلمان الهندي وشغل منصب وزير المالية مرتين، الأولى عام 1982 والثانية عام 2009. ومع ذلك، لم يكن لموخيرجي دور بارز في الإصلاحات الاقتصادية، فخلال عمله وزيرا للمالية وصل معدل النمو الاقتصادي إلى 5.3 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2011 - 2012، وهو أقل معدل للنمو في الهند خلال السنوات التسع الماضية.