أميركا تتجه لرفع دعاوى جنائية بشأن التلاعب في سعر الفائدة

تستهدف بنوكا وأفرادا

TT

مع تكثيف الجهات التنظيمية تحقيقاتها الدولية في عمليات التلاعب في أسعار الفائدة، اكتشفت وزارة العدل مخالفات جنائية محتملة من قبل بنوك كبرى وأفراد يعتبرون محور الفضيحة.

يرفع القسم الجنائي دعاوى ضد عدة مؤسسات مالية وموظفيها، من بينهم متعاملون في البنك البريطاني «باركليز»، بحسب مسؤولين حكوميين مطلعين على تفاصيل القضية تحدثوا مشترطين عدم الكشف عن هويتهم نظرا لأن التحقيقات ما زالت مستمرة. وتتوقع السلطات إقامة دعاوى ضد بنك واحد على الأقل نهاية هذا العام، على حد قول أحد المسؤولين.

من المتوقع أن يؤدي احتمال إقامة دعاوى قضائية إلى زعزعة استقرار القطاع المصرفي وتقديم حافز جديد للمؤسسات المالية لعقد تسويات مع السلطات. يأتي تحقيق وزارة العدل على رأس دعاوى قضائية من مستثمرين من القطاع الخاص وتحقيق شامل من قبل الهيئات التنظيمية تترأسه هيئة تداول عقود السلع الآجلة. وربما تكبد الإجراءات المدنية والقانونية القطاع المصرفي عشرات المليارات من الدولارات.

تجري السلطات حول العالم تحقيقات للوقوف على ما إذا كانت هناك مؤسسات مالية قد تلاعبت في أسعار الفائدة قبل وبعد الأزمة المالية من أجل تحسين أرباحها وتجنب الفحص الدقيق لوضعها المالي.

وبعث محققون في واشنطن ولندن بتحذير إلى القطاع، الشهر الماضي، بعد عقد تسوية قيمتها 450 مليون دولار مع بنك «باركليز» بشأن قضية تتعلق بتزوير سعر الفائدة. يذكر أن الصفقة لا تحمي موظفي «باركليز» من الدعاوى الجنائية.

وقد شملت التحقيقات المستمرة لعدة سنوات أكثر من 10 بنوك كبرى في الولايات المتحدة وبالخارج. ومع احتمالات اتخاذ إجراء جنائي، تسارع عدة شركات، من بينها مؤسستان أوروبيتان على الأقل، بترتيب صفقات، وفقا لمحامين مطلعين على القضية. بشكل جزئي، تحاول تلك الشركات تجنب حالة الاحتجاج العام التي نتجت من قضية «باركليز»، التي تسببت في إقالة مسؤولين تنفيذيين كبار.

لقد ركزت التحقيقات الجنائية والمدنية على كيفية وضع البنوك مؤشر سعر الفائدة على القروض بين البنوك في لندن «ليبور». يستخدم المؤشر، الذي يعتبر مقياسا للسعر الذي تتقاضاه البنوك من بعضها البعض نظير القروض، في تحديد تكاليف الاقتراض لمنتجات مالية تقدر بتريليونات الدولارات، من بينها رهونات عقارية وبطاقات ائتمان وقروض طلاب. تبحث الهيئات بالمدن والولايات والبلديات فيما إذا كانت قد تكبدت خسائر جراء التلاعب في سعر الفائدة، وقد أقام بعضها دعاوى.

ومع الإجراءات المدنية، تستطيع الجهات التنظيمية فرض غرامات على البنوك وإجبارها على إصلاح ضوابطها الداخلية. إلا أن وزارة العدل سوف تتعامل ببراعة مع تهديد أقوى عن طريق إقامة دعاوى احتيال جنائية ضد متعاملين بالبنوك وموظفين آخرين. وإذا تبين كونهم مذنبين، قد يقضون فترة عقوبة.

تأتي التحقيقات الجنائية في وقت ما زال عامة الناس فيه في حالة غليان إزاء قلة الدعاوى المقامة ضد مسؤولين بارزين متورطين في أزمة الرهونات العقارية. إن الأزمة المستمرة في القطاع المالي، بما في ذلك خسائر التعاملات المقدرة بمليارات الدولارات التي تكبدها بنك «جيه بي مورغان تشيس»، لم تفعل شيئا سوى أنها قد أججت غضب المستهلكين والمستثمرين.

غير أن قضية مؤشر «ليبور» تمثل فرصة محتملة بالنسبة للمدعين العموميين. فبالنظر إلى نطاق المشكلات وعدد المؤسسات المتورطة، ربما يمثل التحقيق في تزوير سعر الفائدة لحظة مميزة لمساءلة البنوك الكبرى عن أنشطتها أثناء الأزمة المالية.

قال أحد المسؤولين الحكوميين المتورطين في القضية: «من الصعب تخيل قضية أكبر من قضية ليبور».

لدى وزارة العدل سلطة قضائية على مؤشر سعر الفائدة على القروض بين البنوك في لندن، لأن هذا المؤشر يؤثر على الأسواق في الولايات المتحدة. وقد لا يمكن معرفة أي المؤسسات سيلاحقها القسم الجنائي لاحقا.

وبحسب أفراد مطلعين على القضية، يعتبر بنك «يو بي إس» السويسري من بين البنوك التالية التي تستهدفها إجراءات الهيئات التنظيمية. تقيم هيئة تداول عقود السلع الآجلة دعوى مدنية ضد البنك. ولم يقرر المنظمون بالهيئة بعد ما إذا كانوا سيقيمون دعوى ضد البنك أم لا، كذلك لم تبدأ محادثات التسوية حتى الآن. وقد أبرم بنك «يو بي إس» بالفعل صفقة حصانة مع أحد أقسام وزارة العدل، الأمر الذي يمكن أن يحمي البنك من الدعاوى الجنائية في حالة عدم وفائه شروطا بعينها. وقد رفض البنك التعليق.

يبدو التحقيق مع البنوك الدولية معقدا على نحو غير معتاد وقد يستمر لعدة أعوام، وربما ينتهي في نهاية الأمر بعقد تسويات بدلا من توجيه اتهامات، حسبما أشار مسؤولون مطلعون على القضية. حتى الآن، تجري الجهات التنظيمية تحقيقات تدريجية لأن حقائق القضايا تتباين على نطاق واسع. وقد يصعب ذلك التوصل إلى تسوية عالمية، على الرغم من أن بعض البنوك قد تفضل إبرام صفقة على مستوى القطاع لتفادي التأثير السلبي لتسليط الأضواء عليها، بحسب قاض مشارك في القضية.

تواجه السلطات الأميركية عقبة أخرى، مع إقامتها دعاوى. ولا يزال من المتعذر على المحققين الوصول إلى مستندات معينة لدى بنوك كبرى.

قبل جمع بعض رسائل البريد الإلكتروني والسجلات المصرفية من شركات أجنبية، تحتاج وزارة العدل والجهات التنظيمية الأميركية إلى تصديق من السلطات البريطانية، بحسب مصادر مطلعة على القضية. غير أن إجراءات المسؤولين في لندن كانت بطيئة، وفقا للمصادر. وفي بعض الأحيان، كانت السلطات البريطانية تتردد في إجراء التحقيقات. بالمقارنة، استمرت وزارة العدل وهيئة تداول عقود السلع الآجلة على مدار عامين في إقامة دعاوى قضائية. تربط لاني بروير، رئيسة القسم الجنائي بوزارة العدل، صلات وثيقة بديفيد مايستر، المدعي الفيدرالي السابق الذي يدير فريق تنفيذ القوانين التابع للهيئة.

في قضية بنك «باركليز»، اتهم البنك البريطاني بإعداد تقارير بأسعار فائدة زائفة لتحقيق أرباح تداول إضافية وصد المخاوف بشأن وضعه المالي. إبان الأزمة، خشيت البنوك من أن يؤدي الإعلان عن أسعار فائدة مرتفعة إلى إظهارها في موقف مالي ضعيف.

ويبحث المشرعون في لندن وواشنطن فيما إذا كانت الجهات التنظيمية قد أجرت تحقيقات في الحالات المعاكسة، إذ إن هناك بنوكا قامت بخفض أسعار الفائدة بشكل مصطنع. في يوم الجمعة، أعلن أن موظفا ببنك «باركليز» قد أخطر بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك في أبريل (نيسان) بأن الشركة كانت تقوم بخفض قيمة تكاليف اقتراضها. وعلى الرغم من الإشارات التحذيرية، استمرت الأعمال غير القانونية لمدة عام آخر.

غير أنه في أبريل (نيسان)، بدأ مسؤول تنفيذ قوانين رفيع المستوى بهيئة تداول عقود السلع الآجلة، فينسنت ماكغوناغل، تحقيقا جديدا. وأدار القضية، جنبا إلى جنب مع مسؤول آخر يعمل منذ فترة طويلة يدعى غريتشين لو.

في البداية، توقفت القضية، بسبب انتظار الهيئة على مدار أشهر لتسلم مستندات مؤلفة من ملايين الصفحات، عندما رد بنك «باركليز» على اتهامات الجهات التنظيمية الأميركية، بحسب مسؤولين مطلعين على القضية. وفي خريف عام 2009، تلقت هيئة التداول مجموعة قيمة من المعلومات التي تقدم منظورا شاملا عن المخالفات. وتقول جهات تنظيمية إن مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية التي تشير إلى عمليات إجرامية أماطت اللثام عن المخطط الذي استمر لعدة سنوات. في أحد المستندات، أشار موظف ببنك «باركليز» إلى أن البنك «كان محتالا بكل ما تحمله الكلمة من معنى».

اكتسبت القضية قدرا أكبر من الجاذبية في مطلع عام 2010، عندما أشرك فريق تنفيذ القوانين بالهيئة وزارة العدل. أجمع القسم الجنائي التابع للوزارة، الذي ترأسه بروير، على أن الجهات التنظيمية كانت لديها قضية قوية. استمر التحقيق حتى يناير (كانون الثاني) 2012، عندما أخطرت هيئة التداول محامي بنك «باركليز» بأنها تدخل آخر المراحل قبل تحديد الإجراء القانوني الذي ستتخذه. وكجزء من الصفقة، حثت الجهات التنظيمية البنك على انتهاج ضوابط جديدة لمنع تكرار مثل تلك المشكلات. وإلى جانب إجراءات أخرى، يتعين على البنك الآن «اتخاذ إجراءات وقائية» لمنع المتعاملين من الحديث بشكل غير لائق مع الموظفين الذين يعلنون عن أسعار الفائدة.

ويقول البنك إنه قد تعاون بشكل مكثف خلال التحقيقات الثلاثة، وأنفق نحو 155 مليون دولار على تحقيقه الخاص الذي استمر لمدة ثلاثة أعوام. ونظرا لأنه وافق على عقد تسوية مع السلطات البريطانية، فقد حصل بنك «باركليز» على تخفيض في الغرامة نسبته 30 في المائة.

في الولايات المتحدة، عرض بنك «باركليز» دفع غرامة قيمتها 200 مليون دولار لهيئة تداول عقود السلع الآجلة، وهو المبلغ الذي يقل بقيمة طفيفة عن متوسط قيمة الغرامة المقترح في البداية، بحسب مسؤولين حكوميين مطلعين على القضية. سرعان ما قبل فريق مايستر العرض، وحصل على أكبر غرامة في تاريخ الهيئة.

وفي يوم 27 يونيو (حزيران)، أعلنت السلطات البريطانية والأميركية أن الصفقة التي أبرمتها مع بنك «باركليز»، الذي وافق على دفع مبلغ إجمالي تزيد قيمته على 450 مليون دولار. قال بروير وقتها: «بالنسبة لهذا السلوك غير القانوني، فإن بنك (باركليز) يدفع مبلغا كبيرا».

* ساهمت سوزان كريغ في كتابة التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»