مصارف «وول ستريت» تطالب المستثمرين بالصبر

بعد إعلان أسوأ نتائج مالية نصفية منذ عام 2008

المقر الرئيسي لمصرف «غولدمان ساكس» بمدينة مانهاتن الأميركية
TT

أعلنت أكبر 5 مصارف في «وول ستريت» أنها شهدت أسوأ 6 أشهر لها منذ عام 2008، إلا أنها ما زالت تطالب المستثمرين بالصبر عليها. فقد سجلت مؤسسات «جي بي مورغان تشيس» و«بنك أوف أميركا كوربوريشن» و«سيتي غروب إنكوربوريشن» و«غولدمان ساكس غروب إنكوربوريشن» و«مورغان ستانلي» مجتمعة إيرادات بلغت 161 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، بانخفاض قدره 4,5 في المائة عن نفس الفترة من عام 2011، وهو أسوأ مستوى يتم تسجيله منذ 4 سنوات، حين بلغ إجمالي إيرادات هذه المصارف مجتمعة 135 مليار دولار. وعزت المؤسسات هذا التراجع إلى انخفاض أسعار الفائدة وحدوث تراجع في عمليات التداول وعقد الصفقات بسبب المخاوف بشأن الأوضاع المالية للحكومات الأوروبية وتباطؤ النمو في كل من الولايات المتحدة والصين. وذلك وفقا لتقرير مطول نشرته وكالة بلومبيرغ.

وأشار روي سميث، وهو أستاذ المال في كلية ستيرن للأعمال التابعة لجامعة نيويورك، وشريك سابق في مصرف «غولدمان ساكس»، إلى أن معظم هذه المصارف فشلت منذ عام 2009 في تحقيق عائد يتجاوز تكاليف رأس المال، مبينا أن الاشتراطات التي فرضت مؤخرا على رؤوس الأموال وكذلك التشريعات الجديدة مثل «قانون دود فرانك» الذي صدر عام 2010 كان لها تأثير عميق على الربحية بأكثر مما تبدو الإدارات مستعدة للاعتراف به.

وقال سميث في حوار أجري معه عبر الهاتف: «لقد ظللت أتساءل إلى متى ينبغي أن يستمر هذا الوضع قبل أن يبدأ الناس في التعامل معه بجدية. كانت هذه فترة طويلة لاستمرار هذا الوضع، والآن بدأت الأمور تزداد سوءا».

ومنذ عام 2005 كانت الإيرادات التي تسجلها تلك المصارف في النصف الثاني من العام أقل مما تسجله في النصف الأول، وفقا لما أظهرته تقاريرها، مما ينبئ بأن الأسوأ سوف يأتي.

ورغم أن مصرف «غولدمان ساكس» أعلن أنه يسعى لخفض النفقات بمقدار 500 مليون دولار تتركز على تكاليف الموظفين هذا العام، عقب الإعلان عن تراجع أرباح الربع الثاني بنسبة 11 في المائة، فإن المؤسسة التي يقع مقرها في نيويورك، على غرار منافسيها، قاومت الأصوات التي تطالب بتغييرات أكثر جذرية في نموذجها التجاري. وفي اليوم التالي لإعلان المصرف تسجيل أدنى إيرادات في النصف الأول منذ 7 أعوام، أوضح الرئيس التنفيذي لويد بلانكفين المأزق الذي يواجهه وهو يطلب من المساهمين انتظار تحسن الأمور كما يتوقع. وقال بلانكفين (57 عاما) أثناء وجبة غداء في «نادي واشنطن الاقتصادي» يوم 18 يوليو (تموز) : «هناك أشياء معينة تحدث في صورة دورات، وليس من المفيد جدا بالنسبة لنا أن نبالغ في رد الفعل تجاهها. ومع ذلك فإن هذه الدورات يمكن أن تكون عسيرة، وقد تستمر لفترة طويلة، وإذا سقطت في المرحلة السيئة من الدورة لأنك لا تدير نشاطك التجاري عن كثب بما يكفي، فإنك ستظل ميتا حتى عندما ينقلب اتجاه الدورة».

وبينما أظهرت أرباح مصرف «بنك أوف أميركا» خلال الربع الثاني والبالغة 2,46 مليار دولار تحسنا عن الخسارة القياسية التي بلغت 8,83 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، فقد شعر المساهمون بالفزع من حدوث طفرة في طلبات إعادة شراء السندات المضمونة برهن عقاري، مما يثير شكوكا حول إمكانية استمرار تعافي المصرف. وينوي المصرف، الذي يعد ثاني أكبر المصارف في الولايات المتحدة من حيث الأصول، تقليص 3 مليارات دولار من النفقات السنوية لوحدات الصيرفة الاستثمارية والتداول وإدارة الثروات.

وقال براين موينيهان (52 عاما)، وهو الرئيس التنفيذي لمصرف «تشارلوت» الذي يقع مقره في نورث كارولينا، عن أرباح مؤسسته أثناء مؤتمر عبر الهاتف عقد يوم 18 يوليو مع المحللين والمستثمرين: «ما زال لدينا عمل كي نقوم به، كما يمكنكم أن تروا من خلال الأرقام، لكننا وضعنا أنفسنا في موقف يمكننا من تحقيق النجاح».

وأعلن مصرف «مورغان ستانلي»، الذي سجل تراجعا قدره 50 في المائة في أرباح الربع الثاني على عكس تقديرات المحللين، أنه سيتخلص من 700 وظيفة أخرى بنهاية عام 2012، ليصل إجمالي عدد الوظائف التي تم التخلص منها هذا العام إلى 4 آلاف وظيفة. من جانبه قال تشارلز بيابودي، وهو محلل في شركة «بورتالز بارتنرز» في نيويورك، خلال حوار أجري معه أمس: «من الصعب تحقيق أرباح في هذه البيئة، وبالتالي أظن أنه ستكون هناك جولة أخرى».

وفي كتابهما الذي نشر عام 2009 بعنوان «هذه المرة مختلفة: 8 قرون من الحماقة المالية»، ذكر الخبيران الاقتصاديان كارمن رينهارت وكينيث روغوف أن الأزمات المالية تسبب حالات ركود اقتصادي عميقة في كل من الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة، ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن يؤثر هذا على أرباح المصارف. وذكر روغوف، وهو أستاذ في «جامعة هارفارد»، في رد بالبريد الإلكتروني على الأسئلة التي وجهت إليه: «الولايات المتحدة ما زالت تتعرض للتعافي البطيء والأعرج الذي يميز مراحل ما بعد الأزمات المالية العميقة، وهذا الضعف الذي ظهر في بيانات أرباح المصارف مؤخرا يعكس جزئيا هذا الواقع. ولا شك في أن التنظيمات الجديدة تلعب دورا هي الأخرى، حيث تواجه المؤسسات المالية تكاليف انتقالية ضخمة ودرجة كبيرة من الغموض وعدم وضوح الرؤية».

ومع ذلك فإن المستثمرين والمحللين يبدون بوادر لنفاد الصبر على فرق الإدارة، فقد قام صندوق التحوط «بيرشينغ سكوير لإدارة رؤوس الأموال»، الذي أسسه بيل أكمان، ببيع حصته في مصرف «سيتي غروب» بالكامل، طبقا لخطاب أرسله أكمان إلى المستثمرين بتاريخ 16 يوليو. وقد كان المصرف، الذي يعد ثالث أكبر المصارف في الولايات المتحدة من حيث الأصول، خامس أكبر مالك أسهم أميركي في صندوق «بيرشينغ سكوير»، حيث بلغت قيمة أسهمه في الصندوق 955 مليون دولار في نهاية شهر مارس (آذار) الماضي.

وكتب أكمان في خطابه: «بعد تفكير عميق لمدة ليلة كاملة بشأن مصرف سيتي غروب، قمت بإطلاق حبل تفريغ الهواء. ورغم أنني ما زلت أرى أن مصرف سيتي غروب هو امتياز مصرفي رخيص جدا ويتمتع بإدارة فعالة وبجودة عالية، ومن المرجح أن تزداد قيمته مع الوقت، فإن هناك طرقا أسهل بكثير كي يحقق صندوق بيرشينغ سكوير أرباحا».

ووصف ديفيد سوشول، وهو محلل سابق للأسهم المالية لدى شركة «ليغ ماسون وود ووكر إنكوربوريشن» يشارك حاليا في إدارة الأموال لدى شركة «ليفين لاستراتيجيات رأس المال» في نيويورك، نفسه بأنه «مساهم عانى طويلا» قبل أن يسأل الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان» جيمي ديمون أثناء مؤتمر هاتفي عقد يوم 13 يوليو عما إذا كان من الممكن أن تكون خسائر التداول تلك التي تكبدها المصرف وبلغت 5,8 مليار دولار علامة على أن المصرف الذي يقع مقره في نيويورك قد تضخم بصورة أكبر من أن يمكن إدارته.

ورد عليه ديمون (56 عاما) قائلا: «لسنا سعداء لأننا لم نقُم بعمل رائع لصالح المساهمين في الآونة الأخيرة، وهو ما نقر به تماما. لكننا سنواصل بناء المؤسسة، وسوف ينعكس ذلك على السهم ذات يوم».

وبعد ذلك بأربعة أيام قام أحد مديري الصناديق الذين يعملون تحت رئاسة ديمون نفسه - وهو ستيفين وارتون، المحلل في وحدة إدارة الأصول بمصرف «جي بي مورغان» - بتوجيه سؤال إلى الرئيس المالي لمصرف «غولدمان ساكس» ديفيد فينيار عما إذا كانت مؤسسته لا تدرك التغيير الذي يشهده المجال التجاري في ظل استمرارها في تجنيب 44 في المائة من الإيرادات لحساب الأجور والمكافآت.

وكان رد فينيار: «سوف نرى ما ستؤول إليه الأمور هذا العام. قد نقوم بخفض الأجور والمكافآت بشدة في أحد الأعوام، ويصب هذا في صالح إيراداتنا، لكننا نعيش في بيئة تنافسية».

ورغم أن مصارف مثل مصرفي «سيتي غروب» و«بنك أوف أميركا» سوف تعترف في النهاية بأنه يتعين عليها تغيير نماذجها وتقسيم نفسها أو تقليص حجمها بصورة حادة، بحسب د. سميث من «جامعة نيويورك»، فإن الرجل يتوقع أن تتم أولى التغييرات في مصرف «باركليز» الذي يقع في لندن ومصرفي «كريدي سويس غروب» و«يو بي إس» السويسريين.

وقد وصل سعر سهم مصرف «باركليز»، الذي استحوذ على الأصول الأميركية للمصرف الاستثماري المفلس «ليمان براذرز هولدينغز إنكوربوريشن» عام 2008، بالأمس إلى 42 في المائة فقط من القيمة الدفترية الملموسة، التي تعد مقياسا لما يتوقع المستثمرون أن تصل إليه قيمة المؤسسة بعد تصفيتها. وتقدم كل من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والرئيس التشغيلي باستقالاتهم إثر موافقة المصرف على سداد غرامة قدرها 290 مليون جنيه إسترليني (456 مليون دولار) للتلاعب بسعر الفائدة السائد بين مصارف لندن، وهو معيار لأسعار الفائدة معروف باسم «ليبور».

وقد يأتي فريق إداري جديد أكثر استعدادا لبيع المصرف الاستثماري، في تكرار لمصير مصرف «ليمان براذرز»، الذي انفصل عن شركة «أميركان إكسبريس» وتحول إلى مؤسسة مستقلة عام 1994، بعد 10 سنوات من استحواذ الشركة عليه. وأوضح سميث: «هناك فرصة جيدة قد تحدث في مصرف «باركليز». إذا حدثت، وهذا سيؤدي فعليا إلى ارتفاع سعر السهم، فقد يبعث ذلك برسالة إلى الآخرين».

وقد فقدت أسهم «باركليز»، التي تراجعت بنسبة 8 في المائة هذا العام، 1,3 في المائة من قيمتها لتصل إلى سعر 162,1 بنس في الساعة الـ11 صباحا من تداولات لندن. وطبقا للتقرير اليومي للتداول في البورصات الأوروبية، فقد مصرف «بنك أوف أميركا» سنتا واحدا من قيمته ليصل إلى 7,25 دولار، وتراجع سهم «جي بي مورغان» بمقدار 8 سنتات ليصل إلى 34,38 دولار، كما تراجع سهم «سيتي غروب» بمقدار 20 سنتا ليغلق عند 26,39 دولار، وانخفض سعر سهم «مورغان ستانلي» بمقدار 12 سنتا ليغلق عند 13,13 دولار. ولم يتم تداول أسهم «غولدمان» في أوروبا.