كيف يتم اختيار رئيس تنفيذي للشركات الكبرى؟

قد يكون عملية عشوائية أكثر منها مدروسة

TT

ما الذي يصنع رئيسا تنفيذيا مثاليا؟ إذا كانت الطريقة التي انتقى من خلالها مجلسا إدارة شركتي «ياهو» و«ديوك إنيرجي» رئيسيهما التنفيذيين تحمل أي إشارة للإجابة، فربما تتمثل بدرجة كبيرة في الحظ.

لننظر إلى ماريسا ماير، الرئيسة المعينة حديثا لشركة «ياهو». هي خريجة جامعة ستانفورد، وتبلغ من العمر 37 عاما، وتعتبر الموظفة رقم 20 بشركة «غوغل». وقبل تقلدها منصبها الجديد، كانت أحد نجوم «غوغل»، وأسهمت في إنشاء خدمة «جي ميل». كانت وجها معروفا بالنسبة إلى «غوغل»، وعملت في مجلس إدارة متاجر «وول مارت ستورز»، كما حضرت حفلات العشاء الرسمية بالبيت الأبيض وظهرت كعضو دائم في قائمة «أربعين تحت الأربعين» بمجلة «فورشن»، والتي تضم أنجح مديري الأعمال دون سن الأربعين. وفي إشارة جوهرية لتميزها، نجد أن لديها نحو مائتي ألف متابع على موقع «تويتر».

لكن لماذا هي؟ بحسب مدونة «أول ثينغس دي»، تم النظر إليها باعتبارها «عامل تغيير قويا» وحاسما، مدفوعة بدانيال لوب، مدير صندوق التحوط «ثيرد بوينت»، الذي يملك حصة تقدر بنحو 6 في المائة من أسهم «ياهو» (كشف «ثيرد بوينت» في تقرير تنظيمي يوم الثلاثاء عن أنه قد اشترى 2.5 مليون سهم إضافي في شركة «ياهو»). تنتمي ماير أيضا إلى قطاع التكنولوجيا والمنتجات بشركة «غوغل»، وهو جانب ترغب شركة «ياهو» في التركيز عليه في ظل سعيها لتعريف نفسها إما كشركة إنترنت، مثل «غوغل»، أو شركة إعلامية، وهو مصدر عائدها الأساسي.

تعتبر ماير الآن أصغر رئيسة لواحدة من الشركات المدرجة بقائمة «فورشن» لأفضل 500 شركة عالمية. وهي تفتقر للخبرة في إدارة شركة عامة أو إعادة تنظيم شركة قائمة، وهي مهارة تعتبر «ياهو» في أمس الحاجة إليها. وفي وظيفتها السابقة، كان لديها حرج من الثراء في ما يتعلق بالمال والأشخاص، وهو شيء تفتقر إليه «ياهو»، على الأقل وفقا لمعيار «غوغل».

قرر مجلس إدارة «ياهو» تقديم السن الصغيرة والقدرة على اتخاذ القرارات على الخبرة. وفي هذا الإطار، وافقت الشركة على سداد مبلغ ربما تتجاوز قيمته 100 مليون دولار على مدار خمس سنوات في حالة نجاح ماير.

هل تعتبر هي الاختيار الصائب؟ من الصعوبة بمكان تحديد ذلك. هناك قدر محدود من التحليلات القوية عن مقومات الرئيس التنفيذي الكفء. يأتي الجانب الأكبر من تلك التحليلات في صورة كتب الدعم الذاتي مثل «العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية» و«من جيد إلى رائع». حتى مثل هذه الكتب تكون غامضة بشكل ملحوظ، حيث عادة ما تستشهد بعوامل مثل «الاستباقية». فضلا عن ذلك، فإن الأبحاث الأكاديمية ليست مفيدة بالمثل، وعادة ما تنظر إلى صغر السن والافتقار للخبرة في مقابل النضج والخبرة (عادة ما ترجح كفة النضج).

تنعكس تبعات هذه الحالة من عدم اليقين في ارتفاع معدل إخفاق الرؤساء التنفيذيين. وبحسب «مجلة هارفارد لإدارة الأعمال»، يخفق رئيسان من بين كل خمسة رؤساء تنفيذيين خلال الثمانية عشر شهرا الأولى من عملهم. كل هذا يجعل عملية اختيار رئيس تنفيذي نتاجا لرؤية مجلس الإدارة والشخصيات البارزة وليس لبحث مدروس عن السمات التي يجب أن تتوافر في الشخص الذي سيتولى هذا المنصب.

وهذا بدوره يولد مشكلات، مثلما تشير الأحداث التي كشفت عنها عملية اندماج «ديوك إنيرجي» و«بروغريس إنيرجي». فلم يستغرق الأمر من المديرين أكثر من بضع ساعات فقط قبل عملية الاندماج لاستبدال ويليام دي جونسون، رئيس «بروغريس» الذي أوكلت إليه مهمة إدارة الشركة المدمجة، بجيمس روجرز من «ديوك».

السبب الذي تم تقديمه في شهادة آن غراي، المدير بالشركة المدمجة، هو أن جونسون قد كشف معلومات عن إصلاحات في الخطة النووية الخاصة بالشركة في «كريستال ريفر» بولاية فلوريدا. الأمر الأكثر دلالة هو أن غراي شهدت بأن المديرين رأوا أن جونسون متسلط ومستبد، فضلا عن أنه قد وصف شخصيته لمجلس الإدارة بقوله إنه «شخص يروق له التعلم لا تلقي الأوامر»، مما أدى بمديري «ديوك» إلى استنتاج أن مساهمتهم لم يكن مرغوبا فيها.

يعتبر كل من جونسون وروجرز محاميين سابقين عملا بشكل خاص، ويبدو أنهما كانا أول دفعتيهما بالجامعة. وكلاهما أدار عمليات اندماج متعاقبة بحيث أصبحا قائدين في شركتيهما. ولديهما خلفيات متماثلة بشكل ملحوظ. وهذا النزاع يمكن أن يعزى إلى اختلاف الشخصيات والثقافات لا إلى البحث عن الشخص المثالي للنهوض بالوظيفة. ويشير كل هذا إلى أن مجالس الإدارات التي تنتقي المديرين التنفيذيين تعمل بالأساس بشكل متحيز وتعكس وجهات نظرها الخاصة في عملية اتخاذ القرارات.

بيد أن الثقافة والشخصية لعبتا دورا في اختيار ماير؛ إذ تأثر البحث الذي أجري عنها بشكل كبير بوجود لوب. وهو ناشط مندفع منفتح قام بإحدى أكبر المراهنات في تاريخ حياته العملية مع «ياهو». سوف يتماشى انتقاء شخص على شاكلة ماير، المعروفة بحسمها، مع جمهور «سيليكون فالي»، على نحو يخفف من نقائصها الممثلة في انعدام الخبرة وربما صغر السن. في المقام الأول، تعتبر سن السابعة والثلاثين كبيرة في عالم صناديق التحوط، تماما كالحال في «سيليكون فالي».

قارن هذا بالنحو الذي كان من المرجح أن تسير عليه عملية البحث إذا ما نظر مجلس إدارة شركة «ياهو» للشركة باعتبارها شركة إعلامية. في هذا القطاع، يأتي كبار المسؤولين التنفيذيين عبر المناصب الإدارية المختلفة. يعتبر ليزلي مونفز، رئيس «سي بي إس»، مثالا نموذجيا على ذلك. فعمره 62 عاما ويعمل في هذا المجال طوال حياته. ويبلغ عمر روبرت إيغر من شركة «والت ديزني» 61 عاما، ويتمتع بخبرة كبيرة في هذا المجال. لم تكن ماير لتقترب مطلقا من احتمال أن يقع عليها الاختيار لشغل هذا المنصب.

كل هذا يعني أن عملية اختيار رئيس شركة ترتبط بدرجة أكبر بعملية اتخاذ قرار جماعية أكثر من ارتباطها بأي عامل آخر. وربما تكون عملية اتخاذ القرار الجماعية شبه عشوائية.

يذكرني هذا بتدريب أجريته من قبل بمكتب محاماة قديم تديره مجموعة مستشارين. تم تقسيمنا إلى خمس مجموعات تتألف كل واحدة منها من 10 أفراد. وتم منح كل مجموعة السير الذاتية العشر نفسها وإلزامها بانتقاء أفضل مرشح لمنصب رئيس تنفيذي واختيار مناصب لبقية المرشحين. وليس بغريب أن الديناميكيات الجماعية قد تجلت، واختارت كل مجموعة منصبا مختلفا، كما اختلف من اختارته لتولي منصب الرئيس التنفيذي.

وتأتي النتيجة متوافقة مع الأبحاث التي تجرى حول ديناميكات عمل المجموعات الصغيرة وعملية اتخاذ القرار. فعملية اختيار المديرين التنفيذيين تتأثر بآراء المديرين الشخصية وخلفياتهم. وتتمثل مجالس إدارات الشركات الإعلامية في مديرين ينتقون أشخاصا يعملون في مجال الإعلام من نوع معين؛ والأمر مماثل بالنسبة لمجالس إدارات شركات التكنولوجيا. ويتأثر هذا بعملية تفاوض جماعية تعتمد على الناس والشخصيات المعنية. في النهاية، تتجه هذه المجالس إلى انتقاء أفراد يعبرون عن أنفسهم والعالم الذي يعرفونه بالفعل – وهو شيء يطلق عليه علماء النفس اسم تحيز الإثبات.

عادة ما يوجه قرار انتقاء رئيس تنفيذي مجموعات من مستشاري التوظيف رفيعي المستوى. وتدفع لوكالات التوظيف ملايين من أجل امتلاك مجموعة مرشحين لمناصب عليا يغذون بها مجالس إدارات الشركات، على نحو يوجه العملية سعيا لتحقيق آمال مجلس الإدارة التي أحيانا ما تكون مبهمة. وهذا بدوره يقيد مجموعة المرشحين ويدفع مجالس إدارات الشركات إلى إبراز جوانب تحيزها في أي عملية اختيار. ربما يقوم ماير وروجرز بعمل رائع في شركتيهما. غير أن تعيينهما لا يعني بالضرورة أنهما أفضل مرشحين. إنما جاء اختيارهما نتيجة لعوامل عشوائية وغير عشوائية، أو نتيجة لعملية تفتقر تماما للمثالية.

* خدمة «نيويورك تايمز»