رئيس العمليات الاستراتيجية بـ«الاتصالات السعودية»: التقنية أحد أهم محركات النمو الكفيلة بتعزيز مكانة الاقتصاد السعودي عالميا

د. سعد القحطاني: ارتفاع الطلب على خدمات الاتصالات يزيد الاستثمارات في مجال الأيدي العاملة

د. سعد القحطاني («الشرق الأوسط»)
TT

أكد الدكتور سعد القحطاني رئيس العمليات الاستراتيجية بمجموعة «الاتصالات السعودية» أن تقرير «الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية.. استعراض الأثر الاجتماعي والاقتصادي»، الصادر عن المجموعة حديثا بالتعاون مع خبراء عالميين مختصين في مجال الاتصالات؛ بات مرجعا لدراسات اقتصادية مستقبلية، في ظل ما يشهده إنفاق قطاع تقنية المعلومات من قفزات اقتصادية واضحة في السعودية، مقارنة بالمستويات التي حققتها دول متطورة في هذا المجال.

وأوضح الدكتور القحطاني أن التقرير يُعد الأول من نوعه في البلاد؛ حيث أتاح نقطة انطلاق لنقاش أوسع حول السياسات والدور الحالي والمستقبلي لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الحياة الاقتصادية السعودية، مشيرا إلى أن شركات الاتصالات العاملة في المملكة وفي طليعتها «الاتصالات السعودية» أسهمت في تحقيق أرباح بلغت 60 مليار ريال في الاقتصاد المحلي، مؤكدا في الوقت ذاته أن وجود بنية تحتية قوية للاتصالات وتقنية المعلومات كشبكات النطاق العريض الواسعة الانتشار قد يسهم في تحفيز نمو قطاعات اقتصادية أخرى. إلى نص الحوار، الذي أجري في الرياض:

* أطلقتم مؤخرا تقريرها عن الأثر الاجتماعي والاقتصادي لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، لماذا تحتاج السعودية للتركيز على هذا القطاع؟

بداية؛ تمتلك «الاتصالات السعودية» اليوم، أبعادا لها من التأثير الاجتماعي والاقتصادي ما يجعلها تحاكي تنمية مجتمعنا بشكل فاعل، من خلال التزامها الراسخ في الأجندة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات، بما يساعد على تحقيق بنية تحتية، تؤدي إلى تغيير جذري في عملية التحول إلى اقتصادنا المعرفي المطلوب، ومن هذا المنطلق، يُعد التقرير الأول من نوعه من حيث وضع نقطة انطلاق لنقاش أوسع حول السياسات والدور الحالي والمستقبلي لهذا القطاع في الحياة الاقتصادية السعودية. ولا ننسى أن أحد أهداف التنمية في الخطة الاقتصادية التاسعة للسعودية يكمن في التقدم نحو «اقتصاد المعرفة» الذي تشكل فيه الاتصالات وتقنية المعلومات مكونا أساسيا يتيح تخزين ونقل ومعالجة كميات كبيرة من المعلومات حول العالم، كما أن من المهم القول إن ما أنتجه التقرير الصادر عن «الاتصالات السعودية»؛ سلط الضوء على دور التقنية كأحد أهم محركات النمو الكفيلة بدمج الاقتصاد السعودي عالميا، من خلال العمل الجاد على ترسيخ مفهوم «اقتصاد المعرفة» كمصدر للثروة بما يلبي احتياجات الأفراد، وبالتالي تبيان أثر الاستثمارات التي تضخها شركات القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي في المملكة، لذا، نستخدم مواردنا التي نفخر بها لتقديم تحليل يبين مدى مساهمة الاتصالات وتقنية المعلومات في الاقتصاد السعودي ووضعها في المملكة، كنقطة انطلاق تشكل أُسُسا تُبنى عليها سياسات الحياة الاقتصادية السعودية محليا وإقليميا وعالميا.

* ذكر التقرير أن قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات سيكون أحد أهم محركات النمو الكفيلة بدمج الاقتصاد السعودي عالميا، كيف استطعتم الوصول إلى هذه النتيجة؟

أستطيع تحديد الإجابة عن هذا السؤال، انطلاقا من البيانات التي كشف عنها التقرير، فحجم الاستثمارات الوطنية في مجال قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، البالغ أكثر من 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)، يسهم في إمداد سوق العمل بـ60 ألف مواطن، سنويا، مما ينعكس إيجابا على إجمالي الناتج المحلي، بعوائد تصل إلى نحو 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) في كل عام، اليوم، تظهر بيانات التحالف العالمي لتقنية المعلومات والخدمات (دبليو آي تي إس إيه) أن السعودية تنفق ما نسبته 70 إلى 80 في المائة من إجمالي الإنفاق في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات على «الاتصالات»، مقارنة بنسبة 45 إلى 55 في المائة في أكثر الاقتصادات استخداما للاتصالات وتقنية المعلومات، كاقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، وهذه النتائج لا بد أن تُؤخَذ بعين الاعتبار في عملية التحول الجذري القادرة على تسريع الاعتماد على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الاقتصاد، والتي من الممكن لها أن تحقق أرباحا ضخمة تعود بالفائدة على مجتمعنا، كما أن التقرير أظهر الكثير من الأدلة القاطعة على قيام الاتصالات وتقنية المعلومات بتغيير اقتصاداتنا نحو الأفضل، فالسعودية تشهد كغيرها من الدول الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتغير الحاصل في هذا القطاع، الذي بدأ في المملكة بعد التطور السريع للبنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات واستخدامها، يمكنني أن أستشهد هنا بأن 80 في المائة من الإنفاق على الاتصالات وتقنية المعلومات في البلاد يتركز على خدمات ومعدات الاتصال، وهذا ينعكس إيجابا على مدى نمو الاستثمار في إجمالي الناتج المحلي المتوقع واستحداث الوظائف بالسعودية، والدليل على ذلك ما أشار إليه التقرير من تحقيق عوائد تصل إلى نحو 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) في كل عام جراء الاستثمار في هذا القطاع، وتتجلى هذه الحقائق، بفضل النمو السريع الذي يفرزه التنوع الاقتصادي في السعودية، وفي هذا السياق من الملائم أن نعتبر تركيز الخطة التاسعة على اقتصاد المعرفة أحد المولدات الأساسية لموارد الثروات مستقبلا، ومن هنا جاء حديثنا المتعلق بالاتصالات وتقنية المعلومات كمكون رئيسي لبناء اقتصاد المعرفة، نظرا لدورها في إنتاج المعرفة ونقلها، ومن وجهة نظر علمية، لعبت الاتصالات وتقنية المعلومات دور المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية في السنوات الخمس عشرة الماضية في دول عدة تبنت اقتصاد المعرفة، وإذا كانت المعرفة تتطلع لتحقيق التنوع الاقتصادي، قد تظهر الاتصالات وتقنية المعلومات كمجال تم اختباره وتجربته ويجب التركيز عليه

* التقرير أوصى شركات القطاع الخاص في السعودية بضرورة أخذ الوضع الاقتصادي الخاص بالمملكة بعين الاعتبار، هل ينطبق ذلك على استراتيجية «الاتصالات السعودية»؟

بالطبع، مجموعة «الاتصالات السعودية»، إحدى الشركات المشغلة في المملكة، وملتزمة بالمساهمة في الأجندة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات من خلال سعيها الدءوب لتوضيح أثر هذا القطاع الاقتصادي والاجتماعي، هناك اليوم إلحاح متزايد لمواضيع الخطة التاسعة المتعلقة بتطوير اقتصاد المعرفة، فالمملكة تواجه تحديات عدة في مجال تطوير العمالة ومشاركة الأيدي العاملة في جميع أنحاء البلاد، بما أن مستواها الحالي أقل من المستوى الموجود في الدول الإقليمية، كما أنه أقل من مستوى يقدر بنحو 60 في المائة من الموجود في معظم الاقتصادات الأوروبية والآسيوية المتقدمة، ومن هذا المنطلق، نقدر إجمالي القيمة المضافة لقطاع الاتصالات الذي يتألف من شركات تقدم خدمات الاتصالات وفي طليعتها «الاتصالات السعودية» بنحو اثنين في المائة من إجمالي الناتج المحلي ونحو 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي (دون النفط)، ومن المهم الإشارة إلى أن تأثير الموجة الأخيرة في الاستثمار وقطاع الاتصالات بدا واضحا على إجمالي الناتج المحلي، ففي العام 2009م، أسهم الاستثمار في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في تحقيق أرباح اقتصادية بلغت 60 مليار ريال (16 مليار دولار) وخلال الفترة ذاتها، أظهر التقرير ارتفاعا في معدل استحداث الوظائف المرتبطة بالتأثير المباشر وغير المباشر والناتج عن الاستثمار في الاتصالات وتقنية المعلومات، وللملاحظة المهمة، فإن التقرير يقدم استنتاجا واضحا يترك مجالا للتحسن في ميادين أخرى تتبنى التقنية واستخداماتها، ولكن برأيي أن تحقيق هذا التحسن يجب أن يرتكز على عوامل عدة كمهارات الأيدي العاملة وتعزيز البيئة المنظمة لقطاع الأعمال في المملكة، وبالتالي، هناك علاقة تتناسب طردا بين قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات والاقتصاد؛ إذ إن ارتفاع الطلب على خدمات الاتصالات، يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات في الأيدي العاملة وغيرها، كما يؤدي إلى استحداث المزيد من الوظائف في قطاع الاتصالات، وهكذا ينتهي الأمر بالشركات المالكة والمشغلة لشبكات الاتصالات مثل «الاتصالات السعودية» إلى إتاحة المجال أمام خدمات جديدة من القطاعات الأخرى حين تقوم بتوسيع استثماراتها، وهكذا يشعر الاقتصاد ككل بأثر الإنفاق الذي أطلقه الاستثمار في شبكات الاتصالات.

* إلى أي مدى أظهر التقرير قدرة الاتصالات وتقنية المعلومات في تحديد شكل النمو الاقتصادي في المملكة مقارنة مع دول أخرى؟

يمكن لتعزيز أداء المملكة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات أن يؤدي إلى تحقيق أرباح اقتصادية هائلة، فإنفاق قطاع تقنية المعلومات يشهد قفزات اقتصادية واضحة في المملكة؛ حيث بلغ نحو 50 في المائة، مقارنة بالمستويات التي حققتها دول متطورة في هذا المجال، كأستراليا، كما تفوق على مستوى أعلى من الذي حققته الصين، والهند، وتشيلي، وماليزيا، والمكسيك، ولعل «ماليزيا»، التي وفرت نموا اقتصاديا بنسبة 0.66 نقطة مئوية، سنويا وفقا لبيانات مجموعة «كونفرنس بورد»، خير دليل على أن زيادة كم الاستثمار سيمكن السعودية من معادلة رأس المال في هذا المجال الذي حققته ماليزيا، ما يعني أن كل مواطن سعودي سيحصل على مبلغ إضافي بقيمة 240 دولار تقريبا، وفي جولة سريعة أجراها التقرير على أداء المملكة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، لاحظنا أن الأداء متفوق في قطاع الاتصالات، لكن مستويات الإنفاق على أشكال أخرى من الاتصالات وتقنية المعلومات ما زالت قليلة في قطاع الاتصالات، كما اتضح أن المملكة تستثمر وتنفق بشكل يساوي ما تنفقه الدول الأخرى الأكثر انتشارا أو حتى أكثر منهم؛ حيث إن أداء المملكة أقرب بكثير إلى أداء دول أخرى مثل التشيلي وماليزيا، والمكسيك، وهذا يعني أن الحكومة اتبعت سياسة فاعلة في قطاع الاتصالات، تعد بداية جدية لإغلاق الثغرة التي تفصلها عن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

* كيف رأيتم تقييم التقرير في قدرة الاتصالات وتقنية المعلومات على تغيير حياة الأفراد في السعودية؟

ليس التقرير أو الاتصالات السعودية من يقيم، هو خرج بنتائج واضحة، فلنترك لمجتمعنا فرصة للتعبير عن رأيه حول مدى أهمية ترسيخ وتعزيز الاتصالات وتقنية المعلومات في حياتهم كأفراد. وفي المملكة، تصور أوجه الاستخدام التي أظهرتها دراسات الاتصالات وتقنية المعلومات على أنها وسيلة تبتكر مساحة للاتصال الاجتماعي والمعلومات والنقاش بطريقة تكمّل النشاطات الاجتماعية الموجودة، ولكن بالطبع دون أن تحل مكانها، إذن، يخرج التقرير اليوم بنتيجة تؤكد فوارق بين الجنسين من جهة استخدام النطاق العريض عبر الهواتف الجوالة على سبيل المثال؛ إذ إن الرجال أكثر احتمالا من النساء، من حيث النفاذ إلى الأخبار، أو إرسال البريد الإلكتروني، أو حتى استقباله، إلا أن المفاجأة كانت في تعادل الطرفين باستخدام النطاق للتواصل الشبكي الاجتماعي، ذلك بدا واضحا، باستخدام الرجال لـ«الفيس بوك»، إذ وصل لـ95 في المائة، بينما كانت النسبة لدى النساء 93 في المائة، يليه «تويتر» 22 في المائة من الرجال، و3 في المائة نساء، علما بأن هذه الأرقام ترتفع في الرياض وجدة، باختصار، نفوذ «الاتصالات السعودية» الواسع يجعل منها لاعبا أساسيا في عملية التحول الجذري القادرة على تسريع اعتماد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الاقتصاد، والتي من الممكن لها أن تحقق أرباحا ضخمة تعود بالفائدة على مجتمعنا.

* هل البنية التحتية الحالية للاتصالات وتقنية المعلومات كافية لقيادة التطور المنشود للقطاع؟

نعم؛ على المدى الطويل، إيجاد بنية تحتية قوية للاتصالات وتقنية المعلومات، قد يساعد على تحفيز نمو قطاعات اقتصادية أخرى كقطاع الخدمات على وجه الخصوص، إذا ترافق بناؤها مع استثمارات تهدف إلى تحسين الرأسمال البشري مع التركيز على تعزيز نقاط القوة الموجودة في الاقتصاد السعودي.

وبمعنى أدق، فإن وجود بنية تحتية قوية للاتصالات وتقنية المعلومات كشبكات النطاق العريض الواسعة الانتشار قد يسهم في تحفيز نمو قطاعات اقتصادية أخرى، ويكون هذا صحيحا بشكلٍ خاص، إذا ترافق بناء هذه البنية التحتية مع استثمارات تهدف إلى تحسين الرأسمال البشري، وهذا يدل على أن البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات نجحت في أن تملأ الفراغات ليس فقط في البنية التحتية للاتصالات، بل أيضا في بنية تحتية مهمة من الناحية الاجتماعية (كالنقل والمالية.. وغيرهما).

* ذكرتم أن التقرير خرج بتوصيات مهمة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ولكن كيف تستطيع «الاتصالات السعودية» خاصة والقطاع الخاص عموما ترسيخها على أرض الواقع؟

من المهم في عالمنا الذي نعيشه، أن نبقى دائما ممسكين بزمام المبادرات التي تحافظ على ريادتنا كمجموعة وطنية عملاقة تحيط العملاء خاصة، والمجتمع عامة بخدمات الاتصالات، من خلال تهيئة بيئة ملائمة ترسخ مفهوم الاتصالات وتقنية المعلومات وتحدد العوائق التي تؤخر نمو هذا القطاع في المملكة، في الوقت الراهن، نقدم في «الاتصالات السعودية» عبر هذا التقرير، مفهوم موسع في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، لنقدم فكرة نوعية حول مدى استخدام هذا القطاع في المملكة كأحد وسائل تمكين النمو الاقتصادي لتحقيق الإنتاجية وتوفير الوظائف، ولعل خلاصة الحديث، تكمن في أن التقرير، صدر ليكون مرجعا لدراسات اقتصادية مستقبلية تقود عملية التحول نحو اقتصاد المعرفة.