ثغرات قانونية وراء تزايد حالات غسل الأموال في أميركا

محللون: البنوك العالمية تستغل فروعها لإجراء عمليات الغسل

TT

قفز عدد المصارف العالمية التي تم اتهامها خلال السنوات الأخيرة بالمشاركة في معاملات مالية خارجية تتضمن غسل أموال ويصل حجمها إلى مليارات الدولارات، ليشمل مصارف «كريدي سويس» و«لويدز» و«باركليز» و«آي إن جي» و«إتش إس بي سي»، والآن «ستاندرد تشارترد».

وتختلف التفاصيل من حالة لأخرى، حيث يشتبه في قيام المصارف الدولية باستخدام فروعها الأميركية في التعامل مع الأموال القذرة لعملائها من إيران وكوبا وكوريا الشمالية والجهات التي تمول الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات.

أما القاسم المشترك بين كل هذه الحالات فيكمن في استفادة المصارف المتهمة من القانون الذي لم يتغير حتى عام 2008 والذي سمح للمصارف بإخفاء هويات العملاء ونقل أموالهم إلى الخارج. وعلاوة على ذلك، تلقي هذه الحالات، بما في ذلك قيام إحدى الجهات التنظيمية في نيويورك برفع دعوى ضد مصرف «ستاندرد تشارترد» خلال الأسبوع الجاري، الضوء على النشاط الذي أجري مع إيران خلال السنوات التي سبقت عام 2008، وما إذا كانت تلك الممارسات قد انتهكت روح، إن لم يكن نص، هذا القانون.

وكانت المصارف الأجنبية حتى عام 2008 تسمح بتحويل الأموال للعملاء الإيرانيين من خلال فروعها الأميركية إلى مؤسسة خارجية مستقلة. وكان يتعين على المصارف، في تلك المعاملات الملتوية وغير المباشرة، تقديم معلومات قليلة عن العميل إلى وحداتهم الأميركية طالما أنهم قاموا بفحص تلك المعاملات بدقة وتأكدوا من أنها غير مشبوهة. وتم سد تلك الثغرة القانونية عام 2008 عقب الشك في قيام المصارف الإيرانية بتمويل برامج نووية وصاروخية.

وقال جيمي غورول، وهو مسؤول سابق بوزارة الخزانة الأميركية وأستاذ القانون بجامعة نوتردام، إن اتهام إدارة الخدمات المالية في ولاية نيويورك لمصرف «ستاندرد تشارترد» بغسل الأموال يعد مصدر حرج بالغ لوزارة الخزانة الأميركية، لأن مثل هذا الاتهام يلقي الضوء على كيفية تعاون المصارف الأجنبية، حتى عام 2008، مع عملاء إيرانيين للتحايل على العقوبات المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة.

وكجزء من الاستراتيجية التي تهدف لتجاهل الشروط المفروضة من قبل أحد الأقسام التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، وضع مصرف «ستاندرد تشارترد» خطة مع عملائه الإيرانيين لحذف تفاصيل مهمة للغاية من الأوراق الخاصة بتحويل الأموال، وفقا لمذكرة تنظيمية تم تقديمها يوم الاثنين الماضي. وكان أحد المحامين قد أرسل بريدا إلكترونيا لمديري المصرف عام 2001 يقول فيه إن تعليمات الدفع للعملاء الإيرانيين «لا ينبغي أن تحدد هوية العميل أو الغرض من الدفع»، وفقا للمذكرة.

وكان الدافع الرئيسي وراء استراتيجية إخفاء تفاصيل العميل يعود، في جزء منه، إلى الرغبة في إنهاء إجراءات التحويل بسرعة، وفقا لتصريحات مسؤولي إنفاذ القانون الضالعين في قضايا غسل الأموال، والذين أضافوا أن المعاملات مع العملاء الذين تحيط بهم الشبهات، مثل الإيرانيين، تخضع لفحص دقيق للغاية، وحتى يتم تجنب بطء الإجراءات والتعطيل، تقوم بعض المصارف الأجنبية بحذف أسماء العملاء عمدا.

ومنذ شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2009، قامت وزارة العدل ووزارة الخزانة وجهات حكومية أخرى بتوجيه اتهامات ضد خمسة مصارف أجنبية: «لويدز» و«باركليز» البريطانيين، و«كريدي سويس» و«إيه بي إن أمرو» الهولنديين، والآن مصرف «رويال بنك أوف سكوتلاند»، ومصرف «بنك أوف أمستردام». وعلاوة على ذلك، يخضع مصرف «إتش إس بي سي» البريطاني للتحقيق من قبل السلطات الأميركية للاشتباه في تورطه في انتهاكات غسل أموال متعلقة بإيران والمكسيك والمملكة العربية السعودية وكوبا وكوريا الشمالية، وخصص المصرف 700 مليون دولار لتغطية الغرامات المحتملة. وأسفرت التسويات مع المصارف الخمسة عن اتفاقات مقاضاة مؤجلة، جنبا إلى جنب مع مصادرة عدد من الأصول التي تماثل في حجمها سلة المعاملات غير القانونية التي تورطت فيها تلك المصارف. وأسفرت الحالات الخمس، التي نتجت من الأنشطة المصرفية خلال الفترة بين عامي 1995 و2007، عن مصادرة 2.3 مليار دولار خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية. وذهب ما يقرب من نصف هذه الأموال إلى وزارة الخزانة الأميركية، في حين ذهب النصف الآخر لمؤسسات وكيانات أخرى، بما في ذلك مكتب المدعي العام في مانهاتن، الذي انضم لوزارة العدل في معظم التسويات.

وحتى الآن، يختلف الوضع تماما مع قضية مصرف «ستاندرد تشارترد» حيث بدأت القضية عندما قام بنجامين لوسكي، وهو وكيل نيابة سابق ورئيس هيئة الخدمات المالية في ولاية نيويورك، برفع دعوى ضد المصرف يوم الاثنين الماضي، وهي خطوة غير مسبوقة بالمرة، حيث دائما ما تأتي الغالبية العظمى من دعاوى غسل الأموال من قبل جهات تنظيمية عدة تعمل بالتنسيق بعضها مع بعض.

ولا تزال الهيئات الاتحادية تحقق مع مصرف «ستاندرد تشارترد» وتدرس قيمة المخالفات التي ارتكبها المصرف. وكان لوسكي قد ادعى أن المصرف قد تعامل مع أموال قذرة تقدر قيمتها بـ250 مليار دولار في الوقت الذي قام فيه بإخفاء هوية عملائه الإيرانيين من خلال حذف أسمائهم من الأوراق. ومع ذلك، ترى بعض الجهات الفيدرالية أن المبلغ الذي اعترف المصرف بأنه لم يلتزم فيه باللوائح يصل إلى 14 مليون دولار.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان المصرف سيعمل على تسوية تلك القضية مع الهيئات التنظيمية أم سيستمر في تلك المعركة حتى النهاية. وسيتعين على مصرف «ستاندرد تشارترد» أن يوضح للوسكي الأسبوع المقبل حقيقة تلك الانتهاكات الواضحة والسبب وراء عدم إلغاء رخصة المصرف للعمل في ولاية نيويورك.

وتنبع وجهات النظر المتباينة حول ارتكاب المصرف لتلك الانتهاكات من حالة الضبابية والغموض التي تكتنف القانون الذي يحكم كيفية تعامل المؤسسات الأجنبية مع العملاء الإيرانيين.

وحتى عام 2008، كانت العقوبات الاقتصادية الأميركية تستثني إيران بشكل كبير بسبب حجم الأعمال النفطية الهائلة بين طهران وواشنطن، وكانت تلك الثغرة القانونية تسمح بتلك التحويلات الملتوية، حيث تقوم المؤسسات الأجنبية بتحويل الأموال إلى أحد المصارف في الولايات المتحدة، الذي يقوم بدوره بتحويل تلك الأموال مباشرة إلى مؤسسة أجنبية مختلفة.

ويصر مصرف «ستاندرد تشارترد» بقوة منذ الاثنين الماضي على أن تعاملاته بالنيابة عن المصارف والشركات الإيرانية قد تراجعت بشكل كبير، ولكن لوسكي يعتمد في دعواه بشكل كبير على ادعاء أن المصرف قد انتهك القانون من خلال إخفاء هوية عملائه الإيرانيين وإحباط الجهود الأميركية للكشف عن عمليات غسل الأموال.

وخلال التسويات مع المصارف الخمسة منذ عام 2009، اتهمت الهيئات الفيدرالية والمدعي العام في مانهاتن المصارف بـ«حذف» المعلومات الخاصة بهوية العملاء من بعض التعاملات التي كان من شأنها أن تظهر أن تلك التعاملات مفروض عليها عقوبات وغير مسموح بها من الأساس.

وخلال تسوية مصرف «لويدز» التي وصلت قيمتها لـ217 مليون دولار عام 2009، على سبيل المثال، حذر كبار مديري المصرف زملاءهم في عام 2002 من «حذف» المعلومات من المعاملات المتعلقة بإيران، وفقا لسجلات المحكمة. وردا على ذلك، بدأ مصرف «لويدز» في «إعطاء تعليماته للمصارف الإيرانية بكيفية (تنظيف) تعليمات الدفع الذي كانت فيه هذه المصارف هي مصارف المنشأ لتجنب اكتشاف الأمر من قبل وزارة الخزانة الأميركية».

أكدت وزارة العدل أن حذف المعلومات الخاصة بهوية العملاء يعد سلوكا إجراميا، حيث استقرت التحويلات المقبلة من البلدان الخاضعة للعقوبات في الولايات المتحدة الأميركية في نهاية المطاف، بدلا من اتخاذ طرق ملتوية والعودة مجددا إلى الخارج.

يؤكد مسؤولو إنفاذ القانون أنه بمجرد استقرار هذه التحويلات في الولايات المتحدة، أصبحت معرضة لمعايير أمنية أكثر صرامة. وفي خطاب أرسله آدم زوبين، مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، إلى وزارة الخزانة البريطانية يوم الأربعاء الماضي، قام المكتب بشرح الجهود التي يبذلها لإنفاذ القانون سواء قبل أو بعد التغيرات التي حدثت في عام 2008. تتطلب كل التحويلات العابرة للحدود الآن «إدراج معلومات كاملة حول المنشأ والمستفيدين»، وفقا للخطاب الذي حصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة منه.

تورطت المصارف الأميركية في معاملات ما قبل عام 2008 كوسيط فقط، حيث لم يتم توجيه اتهامات إليها بارتكاب انتهاكات مماثلة لتلك التي قامت بها المصارف الأجنبية الخمسة. وحيث إنه كان محظورا على المصارف الأميركية أن تكون نقطة البداية أو النهاية في المعاملات التي تتضمن إيران أو غيرها من البلدان الخاضعة للعقوبات، فلن تكون هذه المصارف ضالعة في مثل هذه التصرفات التي أوقعت المصارف الأجنبية الخمسة في المشاكل.

ومنذ دخول العقوبات الأكثر صرامة حيز التنفيذ، لم يتم توجيه أي اتهامات لأي جهة بخصوص التصرفات التي تمت بعد عام 2008، على الرغم من أن خطاب وزارة المالية يؤكد أن التحقيقات ما زالت جارية.

أكدت جينا تالامونا، المتحدثة باسم وزارة العدل الأميركية، أن عدم وجود سلوكيات منافية للقانون في الفترة الأخيرة يرجع إلى التسويات التي تم إبرامها مع المصارف الأجنبية، والتي «طالبت المصارف بتنفيذ برامج امتثال دقيقة وغيرها من الضمانات» ضد الانتهاكات المستقبلية للعقوبات. وأضافت تالامونا أن برنامج الإنفاذ الخاص بالوزارة «كان له أثر بالغ على ممارسات القطاع المصرفي الخاصة بالعقوبات».

* خدمة «نيويورك تايمز»