تقارير «الفاو» تثير حفيظة تجار الأغنام السعوديين وتضعهم في «مأزق»

حدوث أزمة جديدة للحبوب سيزيد تكاليف تغذية المواشي

أسعار الأغنام في السوق السعودية تشهد مستويات مرتفعة جدا خلال هذه الفترة («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت تقارير منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة «الفاو» حفيظة تجار الأغنام في السوق السعودية خلال اليومين الماضيين، وهو الأمر الذي أدى إلى انقسام واضح في آرائهم حول مستقبل أسعار الأغنام في الأسواق المحلية، على الرغم من كونها تعيش حاليا المناطق الأعلى لها منذ السنوات الـ10 الماضية.

وأشار تجار يعملون في سوق الأغنام السعودية، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إلى أن تقارير «الفاو» حول إمكانية حدوث أزمة غذاء عالمية وضعت تجار الأغنام في «مأزق»، وتسببت في ضبابية حول مستقبل تجارتهم، وقالوا إن فول الصويا والذرة وغيرهما من الحبوب تدخل كعنصر أساسي في تغذية الأغنام، فإن حدث شح في معروض هذه الحبوب وقفزت الأسعار بشكل أكبر، فإن أسعار الأغنام من المفترض أن ترتفع. وأرجع هؤلاء مخاوفهم من حدوث هذا السيناريو إلى أن ارتفاع أسعار الأغنام فوق مناطقها الحالية سيقلل من مستويات الطلب بشكل كبير، مما يجعل تجار الأغنام يدخلون في مأزق كيفية تصريف الأغنام التي لديهم، وفق مناطق سعرية متواكبة مع قيم التكلفة.

وفي ظل هذه المستجدات، تراوحت أسعار الأغنام في العاصمة السعودية «الرياض» أمس بين مستويات 1200 ريال و1800 ريال (320 دولارا إلى 480 دولارا)، وهي أسعار تعد الأعلى طوال السنوات الـ10 الماضية، نظير بقائها وفق هذه المستويات لأكثر من 6 أشهر متتالية.

من جهته، قال محمد العبيد، وهو تاجر أغنام في العاصمة الرياض، لـ«الشرق الأوسط» أمس «ماذا لو صدقت تقارير الفاو وحدثت أزمة غذاء عالمية خصوصا في ما يتعلق بالحبوب؟.. هنا قد ترتفع تكاليف تغذية الأغنام، مما يجعل من الصعب التعايش مع هذه التكاليف». ولفت العبيد إلى أنه في حال حدوث أزمة غذاء عالمية في سوق «الحبوب»، فإنه من المفترض أن ترتفع أسعار «الشعير»، و«العلف المركب»، مضيفا «في حال ارتفاع أسعار هذه الأعلاف فإنه من المفترض أن يقوم تجار الأغنام بزيادة الأسعار، لكنهم حينها سيقعون في مغبة انخفاض مستويات الطلب، حيث إن الأسعار الحالية مرتفعة جدا، وتشهد سخطا كبيرا من قبل المستهلكين».

من جانبه، أكد عايض عبد الله، وهو تاجر آخر في سوق الأغنام بالسعودية، لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن تقارير «الفاو» وضعت الأغنام خلال اليومين الماضيين في «مأزق»، وقال «فول الصويا والذرة وغيرهما من الحبوب تدخل كعنصر أساسي في تغذية الأغنام، وإن حدث شح في معروض هذه الحبوب وقفزت الأسعار بشكل أكبر، فإن أسعار الأغنام من المفترض أن ترتفع».

وفي هذا الخصوص، كان ارتفاع أسعار الأغنام في السوق السعودية قد أشعل، جدلا واسعا بين تجار القطاع والمستهلكين في البلاد، إذ طالب هؤلاء في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» الشهر الماضي، وزارة الزراعة بسرعة إنهاء إجراءات تأسيس شركة عملاقة تهتم بتنظيم القطاع، ومحاربة ارتفاعات الأسعار المتكررة. وأشار التجار خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» حينها إلى أن أسعار الأغنام في السوق السعودية لم تعد مرضية للتجار والمستهلكين على حد سواء، وقالوا «ارتفاع الأسعار يقلل من مستويات الطلب بشكل كبير، لذلك الهامش الربحي للتجار ينخفض، وارتفاع الأسعار يأتي كنتيجة طبيعية لانخفاض مستوى المعروض».

من جهتها، قالت منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة (فاو) أول من أمس إن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت في يوليو (تموز) بعد تراجعها في الشهور الثلاثة الماضية، وقد تشهد مزيدا من الارتفاع مما يزيد احتمال حدوث أزمة غذاء على غرار تلك التي وقعت عام 2007 - 2008.

وقال عبد الرضا عباسيان، كبير الاقتصاديين ومحلل الحبوب في «الفاو»: «الأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع. بالتأكيد لن يكون موسما تنخفض فيه الأسعار عن مستوى العام السابق». وكانت أزمة غذاء اندلعت قبل خمسة أعوام إذ ساعد ارتفاع أسعار العقود الآجلة للحبوب في دفع الأسعار للصعود، مما أسفر عن وقوع أعمال شغب شابها العنف. وذكر عباسيان أن الأزمة لن تتكرر إذا ما شرعت الدول في وضع سياسات مثل حظر التصدير. وقالت «فاو» إن مؤشرها الذي يقيس التغيرات الشهرية في أسعار سلة من الحبوب والبذور النباتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر بلغ 213 نقطة في المتوسط في يوليو مرتفعا 12 نقطة عن يونيو (حزيران) ليعود إلى مستويات أبريل (نيسان) هذا العام. ولا يزال مستوى المؤشر في يوليو أقل من المستوى المرتفع القياسي الذي بلغه في فبراير (شباط) 2011 عند 238 نقطة، لكنه يقترب من مستوياته خلال أزمة الغذاء عام 2007 - 2008.

يشار إلى أن مسؤولا سعوديا رفيع المستوى كان قد أكد عزم صندوق التنمية الزراعي السعودي إيجاد خطة جديدة لتحسين مستوى إنتاج الأغنام في السوق المحلية، مبينا أن الخطة الجديدة ترتكز على انتخاب الأغنام الجيدة من حيث مقاومة الأمراض، وعدد مرات الولادة، والاستفادة منها في موضوع تحسين وإكثار الماشية، معترفا في الوقت ذاته بتضخم أسعار اللحوم الحمراء في بلاده.

ورفض المهندس عبد الله الربيعان، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الزراعي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قبل نحو 4 أشهر فكرة وجود خلاف بين الصندوق مع وزارة الزراعة السعودية، وقال «العلاقات جيدة، نحن نعمل معا من أجل خدمة القطاع الزراعي والحيواني بالشكل المناسب والإيجابي، وليس هنالك خلاف بيننا».

واعترف الربيعان حينها بأن أسعار الأغنام في السعودية مرتفعة، إلا أنه استدرك قائلا «ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء هو ظاهرة عالمية وليست محلية فقط، لكنني أعتقد أن نمط الاستهلاك في المملكة، واعتماد مربي الماشية على الشعير كعلف وحيد لأغنامهم، أسهما في ارتفاع الأسعار بالصورة التي نراها الآن». وأشار إلى أن عدم اعتماد المستهلك على الأغنام المستوردة من بعض دول أفريقيا يحتاج إلى دراسات ميدانية في هذا الجانب، مضيفا «السعوديون يعتمدون على الأغنام المحلية، ولا يتقبلون الأغنام المستوردة، وهو من الأسباب التي قادت إلى ارتفاع الأسعار في الفترة الماضية».

وأوضح الربيعان حينها أن بلاده تتجه نحو خطة وطنية جديدة لتحسين إنتاج وإكثار الماشية، معتبرا هذه الخطة من الأسباب التي ستسهم في حل مشكلة ارتفاع أسعار الأغنام وقلة مستوى المعروض.