تزايد توقعات «المركزي» الأوروبي للانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو

التقشف يحرم المهاجرين غير الشرعيين من الخدمات الصحية

TT

ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) لن يكون بإمكان المهاجرين غير الشرعيين في إسبانيا الاستفادة من الخدمات الصحية المجانية.. قانون جديد تم التصديق عليه مما خلف موجة غضب عارمة لدى المنظمات الإنسانية والأطباء في إسبانيا، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد ظروفا صعبة للغاية في ظل توقعات بأن تكون أحدث الدول في نادي البلدان التي أصبح حتما عليها اللجوء إلى صندوق الإنقاذ الأوروبي لمواجهة التعثر المالي والاقتصادي، ووصلت الأمور في إسبانيا إلى انتظار الأشخاص أمام صناديق القمامة للبحث عن الأكل. بينما أشارت الأرقام الأوروبية إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي والنمو التجاري في كل من فرنسا وألمانيا، وهما يشكلان أكبر الاقتصادات الأوروبية، بينما زادت توقعات المصرف المركزي الأوروبي بزيادة الانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو بشكل عام، ورفع خبراء البنك المركزي الأوروبي توقعات الانكماش الاقتصادي لمنطقة اليورو خلال هذا العام من نسبة 0.2 في المائة، الصادرة في تقديرات مايو (أيار) الماضي، إلى 0.3 في المائة، الأمر الذي قد يدفع إلى خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر. وخلال المسح الذي أجراه «المركزي الأوروبي» بين يومي 16 و19 يوليو (تموز) الماضي ونشر نتائجه في النشرة الشهرية لأغسطس (آب)، خفض الخبراء توقعات النمو لعام 2013 أيضا بنسبة 0.4 في المائة، لتصل حتى 0.6 في المائة. وفي ما يتعلق بعام 2014، يتوقع خبراء البنك المركزي الأوروبي نمو اقتصاد منطقة اليورو بواقع 1.4 في المائة. ولم تشهد توقعات التضخم لعامي 2012 و2013 تغيرا مقابل التقديرات السابقة، فينتظر أن يبقى متوسط التضخم على المدى الطويل والمتوسط عند 2 في المائة. ويتنبأ بعض الخبراء بأن يقوم «المركزي الأوروبي» بخفض أسعار الفائدة، البالغة حاليا 0.75 في المائة، خلال اجتماعه المرتقب في سبتمبر المقبل. يأتي ذلك بينما تنذر الإحصاءات بأن الأزمة الاقتصادية بدأت تطال القوة الاقتصادية الأولى في منطقة اليورو، ألمانيا، التي سجلت تراجعا في حجم تبادلاتها التجارية في شهر يونيو (حزيران) للمرة الثانية في ثلاثة أشهر. الصادرات انخفضت بمعدل 1.5 في المائة، أما حجم الواردات فتقلص بمعدل 3 في المائة. وأما في باريس وخلافا لتوقعات الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند، فقد سجل النمو الاقتصادي في فرنسا تراجعا في الربع المالي الثاني بمعدل 0.1 في المائة، بعدما شهد جمودا في الربع الأول. وينذر البنك المركزي الفرنسي باحتمال وقوع فرنسا في ركود اقتصادي مع تراجع الاستهلاك في قطاعي الصناعة والخدمات وانخفاض مؤشر مديري المشتريات، أما في إسبانيا فابتداء من شهر سبتمبر لن يكون بإمكان المهاجرين غير الشرعيين الاستفادة من الخدمات الصحية المجانية. فهناك قانون جديد تم التصديق عليه وسيشرع في تطبيقه ابتداء من مطلع الشهر المقبل. هذا القانون خلف موجة غضب عارمة لدى المنظمات الإنسانية والأطباء في إسبانيا، يقول أحدهم: «هذا القانون لن يحل أزمة إسبانيا، ومن وجهة نظر مهنية سنستمر في تقديم يد العون والمساعدة للأسر التي تحتاج للعلاج». القانون سيحرم آلاف المهاجرين غير الشرعيين من الاستفادة من الخدمات العلاجية المجانية، كما يدخل ضمن الإجراءات التقشفية التي تتبعها الحكومة الإسبانية لمعالجة الأزمة المالية. يقول طبيب آخر: «الأزمة جعلتنا نفقد حس التضامن وتقديم يد المساعدة، إنه من غير الإنساني ومن غير الطبيعي أن يتم العمل بهذا القانون، إنه أمر مرفوض».

يشار إلى أن أزمة الديون جعلت الحكومة الإسبانية تتبنى إجراءات تقشفية شديدة أثرت على الإسبان كما أثرت على المهاجرين غير الشرعيين والذين يتوافدون سنويا على إسبانيا. يأتي ذلك بينما أقدم رجلان ينشطان في حزب سياسي يساري في إسبانيا على سرقة كميات من المواد الغذائية من مراكز تجارية في منطقة الأندلس، حيث قاما إثر ذلك بتوزيعها على الفقراء والمعوزين. وقد قامت الشرطة الإسبانية بإلقاء القبض على الرجلين حيث أمضيا 12 ساعة في الحبس الاحتياطي قبل الإفراج عنهما. «كل ما فعلته هو أخذ هذا الغذاء وإطعامه للفقراء. فإذا كان ما فعلته سرقة، فأنا أعترف بأنني سارق».. يقول أحد هذين الناشطين. جوزيه مانويل سانشيز غورديو وهو نائب في البرلمان عن حزب اليسار الراديكالي قد يعرض كذلك على المحكمة حيث قام بدوره بنفس الصنيع. غورديو قال إنه لا يخشى السجن وإذا ما قرر القاضي سجنه فسيكون ذلك وسام شرف يعتز به. يشار إلى أن غورديو يقيم منذ 17 يوما مع عدد من الناشطين في مزرعة تابعة لوزارة الدفاع، وهو يطالب بتوزيع عادل للأراضي على الناس في منطقة الأندلس. وبدأت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإسبانيا بتضييق الخناق تدريجيا على المواطنين الإسبان الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها غير قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية من طعام وشراب. الكثير من المواطنين الإسبان لجأوا إلى مراكز توزيع الطعام بعد أن تعذر عليهم توفير مستلزمات أسرهم الضرورية للحياة. وحسب التقارير الصادرة عن منظمة الصليب الأحمر فإن جزءا كبيرا من أفراد الطبقة المتوسطة باتوا عاجزين عن توفير الطعام. موظفة في الصليب الأحمر تقول: «في الماضي كنا نوزع الطعام على المحتاجين من الأجانب، لكن هذه السنة الوضع تغير، وأصبحنا نوزع الطعام على المواطنين». وبدأت الأزمة المالية في إسبانيا بالتوسع لتشمل مناطق الحكم الذاتي التي تعاني من ديون فادحة. ومع استمرار الأزمة في إسبانيا يتضاعف عدد العائلات التي تجد نفسها من دون مأوى. ومع مستوى بطالة يصل إلى 24 في المائة، يجد هؤلاء أنفسهم غير قادرين على تسديد بدل الإيجار، ويصبح مصيرهم الشارع بين ليلة وضحاها. عدد الباحثين عن مأوى بات بحدود 30 ألفا، حسب منظمة الإغاثة (كاريتاس). ونحو ربع عائلات إسبانيا تعيش اليوم تحت خط الفقر.

وفي بلدية مدينة خيرونا الواقعة في شمال شرقي البلاد قرر غلق صناديق القمامة بالأقفال أمام ثلاثة محلات سوبرماركت من أجل تجنيب الباحثين عن الطعام والمواد الغذائية في صناديق القمامة الإصابة بأي أمراض تتسبب بها الأغذية الفاسدة أو التي انتهت مدة صلاحيتها. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إسبانيا يرى المراقبون أن هذه الممارسة ستشهد انتشارا أوسع في البلاد في قادم الأيام. يلقى بكثير من المواد الغذائية التي انتهت صلاحيتها ولكنها لا تزال جيدة ويمكن أن تساعد الناس الذين يبحثون عن طعام في صناديق القمامة، إلا أن البلدية والجمعيات الخيرية يرفضون أن يستعين الناس بهذه المواد الغذائية. وفي موازاة قفل صناديق القمامة كلفت بلدية خيرونا عاملين اجتماعيين بتوجيه الباحثين عن أطعمة في القمامة إلى مركز، حيث يحصلون مجانا على مواد غذائية توفرها محلات السوبرماركت، في وقت قاربت فيه البطالة في إسبانيا نسبة 25 في المائة، وهي الأعلى في البلاد منذ 42 عاما.