محمد الراجحي: تقاعس العرب يطيل أزمة الغذاء.. والعالم سيتعرض لأزمة ارتفاع أسعار الحبوب

رئيس «دواجن الوطنية» السعودية لـ «الشرق الأوسط» : مبادرة خادم الحرمين للاستثمار الزراعي بالخارج لم يستثمرها رجال الأعمال بشكل كاف

الراجحي يؤكد أن الاحتكار سيفرز أزمة جديدة في أسعار الحبوب على نطاق العالم («الشرق الأوسط»)
TT

حذر الدكتور محمد بن سليمان الراجحي الرئيس التنفيذي لشركة «دواجن الوطنية» السعودية من تفاقم أزمة الذرة وفول الصويا التي تضرب الكثير من السلع الأساسية في العالم، مشيرا إلى أن استمرار دول معينة باحتكار زراعة الذرة من شأنه عودة الأزمة مجددا إلى الاشتعال حال هدوئها.

وقال الراجحي مع «الشرق الأوسط» إن الاستثمار الزراعي الخارجي هو الحل المتاح حاليا لتلافي المشكلات الزراعية مستقبلا، كما تحدث الراجحي عن أزمة عالمية في منتجات الحبوب الزراعية بسبب الاحتكار.

وأكد أن هناك حالة من العجز والتخوف من مشكلة غذائية كبرى قادمة بسبب ضعف الأمن الغذائي بمعظم دول الوطن العربي تعود إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة عربيا غير مستغلة بطريقة مثلى في أغلب الأقطار العربية، فبلادنا تزخر بأراض شاسعة قابلة للزراعة تقدر بمساحات لا يمكن حصرها.

* لا حديث للأوساط الاقتصادية هذه الأيام إلا ومشكلة الذرة وفول الصويا حاضرة فيه بفعل ما حدث مؤخرا من ارتفاع أسعارها وتأثير ذلك على أسعار السلع الأخرى فما رؤيتكم لتلك التأثيرات؟

- في الاقتصاد كما في المجالات الأخرى ليس هناك فصل لتأثير الأحداث على بعضها البعض، وإنما يكمن الفارق في تصرفات المعنيين بتلك الأمور، فمثلا بعض مستوردي الأعلاف لم ينتظروا وصول شحنات الذرة والفول بالأسعار الجديدة بل فرضوا السعر الجديد حتى على المخزون السابق وكذلك فعل بعض المصدرين مثلهم بمجرد علمهم بحدوث الأزمة، ولأن الذرة وفول الصويا من أهم سلع الحبوب فإن تأثير ارتفاع أسعارها يطال كل السلع والأغذية المرتبطة بهما فمثلا أسعار زيوت الطعام سترتفع لأن الذرة تمثل نسبة كبيرة من مكونات الزيوت، بالإضافة إلى دخوله في مصنعات اللحوم بنسبة كبيرة أيضا ما يعني زيادتها وكذلك زيادة أسعار كسب الصويا المستخدم كعلف مركز للمواشي، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من ارتفاع أسعار اللحوم.

* هل المشكلة تكمن في ارتفاع الأسعار فقط؟

- المشكلة لا تكمن في ارتفاع الأسعار قدر ما تعني الالتفات إلى خطورة الوضع، فطالما ظلت دول معينة تحتكر زراعة هذين الصنفين أو أحدهما فإن العالم سيتعرض لتلك الأزمة مجددا عاجلا أم آجلا، وقد سبق أن حذرنا من ذلك، ودعونا أكثر من مرة إلى ضرورة أخذ العرب زمام المبادرة بتنويع السلع الزراعية، وزيادة رقعة المساحة الزراعية المخصصة للذرة وفول الصويا، في عدة دول خارج الدول المحتكرة لزراعة الذرة، والاستفادة من البيئة الزراعية المتاحة لزراعة الذرة وغيرها من الحبوب في عدد من الدول العربية، والاستفادة من مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الخارجي في التوسع زراعيا خارج دول الخليج، للتغلب على ما تواجهه تلك الدول من مشاكل مناخية تتعارض مع زراعة الحبوب، ولدينا تجارب ناجحة في هذا المجال.

* ألا تعتقد أن أهمية هذا الاستثمار الزراعي الخارجي يقودنا للحديث عن حالة الأمن الغذائي المتردية في كثير من العالم العربي؟

- هناك بالطبع حالة من العجز والتخوف من مشكلة غذائية كبرى قادمة بسبب ضعف الأمن الغذائي بمعظم دول الوطن العربي تعود إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة عربيا غير مستغلة بطريقة مثلى في أغلب الأقطار العربية، فبلادنا تزخر بأراض شاسعة قابلة للزراعة تقدر بمساحات لا يمكن حصرها، بالإضافة إلى مواردها البشرية النوعية ممن يعملون في قطاع الزراعة، وحتى لو اتفقنا مع البعض تجاه القول بوجود نوع من المحدودية النسبية في بعض ضروريات التوسع الإنتاجي الزراعي مثل المياه، إلا أن بلدان الوطن العربي تحوز عددا من المقومات بدرجة تكفي لتخرج من وضعيتها كدول مستوردة للغذاء إلى وضعية المصدر له.

* أين تكمن المشكلة في ثقافة الاستهلاك أم غياب المزارع والمزارعين؟

- نحن في العالم العربي نعاني من وضع سيئ يتعلق بالثقافة الاستهلاكية لكثير من سكان الدول العربية، حيث أدى تحسن الوضع الاقتصادي إجمالا في عدد من الأقطار العربية، خلال السنوات الماضية إلى ارتفاع مستويات الدخول الفردية وتغيير النمط الغذائي الاستهلاكي تبعا لذلك، كذلك تراجع نسبة السكان الزراعيين إلى مجموع السكان نتيجة استقطابهم من طرف القطاعات الأخرى. والمتعارف عليه أن النمو الاقتصادي عادة يصاحبه تعديل في توزيع السكان بين الريف والحضر، بحيث يتوالى انخفاض سكان الأرياف وازدياد سكان الحضر، ويؤدي هذا التعديل إلى التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، وبالتالي تذبذب الإنتاج الزراعي ما لم يقابلها تحسن ملحوظ في إنتاجية المزارعين.

* ما هي أبرز الحلول لحل مثل هذه القضايا؟

- نؤكد على أهمية دور الحكومات والأنظمة في تسهيل وتذليل العقبات أمام المستثمر في المجال الزراعي وخلق بيئة جاذبة للاستثمار لضمان الإنتاج والاستمرارية، حيث كما يعلم الجميع أن الاستثمار في القطاع الزراعي محفوف دائما بالمخاطر ولكن لا يمكن الاستغناء عنه.

* كيف تقرأون الوضع الاقتصادي لصناعة الدواجن في السعودية؟

- بشكل عام يبلغ حجم الاستثمار في صناعة الدواجن نحو 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، وهناك اكتفاء ذاتي من بيض الأكل بأكثر من 35 مليار بيضة سنويا، إضافة إلى إنتاج الدجاج اللاحم، وبواقع 600 مليون دجاجة سنويا، وبما يفوق 60% من حاجة السوق السعودية، وذلك وفقا للإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة السعودية، وهذا بالطبع يشكل قفزة إنتاجية جيدة إذا قارنا تلك الإحصائيات بالأخرى الصادرة عن الوزارة أيضا عام 2010، إذ بلغ حجم الاستثمار في صناعة الدواجن قرابة 32 مليار ريال (8.5 مليار دولار)، فيما بلغت أعداد الدجاج اللاحم المنتج بالمشاريع المتخصصة بالمملكة 525 مليون فروج، ووصل معدل استهلاك الفرد السنوي من الدجاج اللاحم في السعودية إلى نحو 42 كيلوغراما، أما حجم الإنتاج المحلي لبيض المائدة فقد بلغ نحو 3150 مليون بيضة، ومعدل استهلاك الفرد لبيض المائدة نحو 120 بيضة.

* وما الذي تتوقعونه من مستقبل له؟

- هذه الأرقام تبين تطور حجم صناعة الدواجن في السعودية، وتشير إلى أن المستقبل في صالحها، إذ يمنحنا هذا الوضع توقعات بنمو مستمر خلال السنوات المقبلة.

* هذا يبشر أن الوضع مطمئن ألا تتوقعون بعض المصاعب والعقبات؟

- لا نريد أن نفرط في التفاؤل فتلك التوقعات المستقبلية المبشرة تصطدم بعدد من المصاعب يتعلق بعضها بطبيعة الظروف الجوية، وما يحدث بها من تغيرات ومشاكل تتعلق بارتفاع درجات الحرارة في معظم شهور السنة مما يؤثر سلبا على كفاءة الدواجن الإنتاجية، بالإضافة إلى ما تواجهه الدول غالبا من ارتفاع أسعار الأعلاف التي يتم استيرادها من الخارج، وكذلك المشاكل الناجمة عن انتشار الأمراض العابرة للحدود، وخاصة الأمراض التي تنتقل من الطيور إلى الإنسان، وكيفية السيطرة علي هذه الأمراض بطرق توفر الأمن الحيوي للبيئة وللإنسان على حد سواء، وتحول دون وقوع مزيد من الخسائر الاقتصادية، إلى جانب تحديات أخرى تتمثل في تعرض المستثمرين في قطاع الدواجن لخسائر كبيرة بسبب المنافسة الحادة من الدواجن المستوردة من الخارج.

* منذ فترة اتجهتم إلى ما تدعون إليه وهو الاستثمار في عدد من الدول تحت مظلة مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الخارجي فما هي أنواع الاستثمارات التي تعملون على تنميتها خارجيا؟ وما هي السياسة التي تحكم تلك الاستثمارات؟

- استثماراتنا الزراعية الخارجية التي اخترنا لها دولا مثل مصر والسودان تضم الشقين النباتي والحيواني، فعلى مستوى الاستثمار الزراعي النباتي نركز على الشعير والقمح والذرة، وعلى مستوى الاستثمار الزراعي الحيواني نركز على الدواجن والبيض. وحاليا لدينا مشروع توشكى بمصر الذي تتم فيه زراعة القمح والشعير والذرة، ومشروع آخر بالسودان أيضا.

* وماذا عن الإنتاج المحلي للدواجن داخل السعودية؟

- لقد حققت «دواجن الوطنية» إنتاجا على مستوى عال من التميز والجودة، وبطاقة إنتاجية يومية تجاوزت 575 ألف دجاجة تذبح حسب الطريقة الإسلامية ومليون بيضة مائدة يوميا، كما نفذت توسعات جديدة في مشاريعها لتصل بطاقتها الإنتاجية إلى 840 ألف دجاجة يوميا، وهو ما أهلها لأن تكون من أولى الشركات الوطنية في مجال إنتاج الدواجن، وقد حصلت الشركة على الكثير من شهادات الجودة العالمية، ما يؤكد التزام الشركة بتطبيق كافة المعايير العالمية في هذا المجال.

* ما موقع السعودة والتوطين في شركة «دواجن الوطنية»؟

- «دواجن الوطنية» واحدة من الشركات العاملة في السعودية، وهي تؤمن كشركات كثيرة غيرها بأهمية التوطين ومنذ أن بدأ مؤسس الشركة رجل الأعمال السعودي الوالد سليمان الراجحي هذا المشروع وهو يحرص ويؤكد على أهمية توظيف أبناء الوطن، وقد سار على هذا النهج كل من قام على إدارة الشركة منذ تأسيسها في 1977، وما زلنا حتى اليوم نحرص على توظيف المواطنين من شباب وفتيات في الكثير من الأقسام بمشروعنا الخاص بالدواجن في مدينة القصيم ونحن لا نفعل ذلك من منطلق ربحي وإنما نحرص على تحويل الأقوال إلى أفعال ونعتبره جزءا من مسؤوليتنا الاجتماعية.