الهند تتخوف على ماشيتها مع اقتراب موسم الجفاف

600 مليون هندي يعتمدون على الزراعة

الجفاف يزرع الخوف في الهند (أ.ف.ب)
TT

أقر خبراء الأرصاد الجوية في الهند أخيرا هذا الشهر بأن البلاد تواجه موجة من الجفاف في ظل أحدث بيانات عن الأمطار الموسمية، وأكدوا ما كان يعرفه الملايين من المزارعين ومربي الماشية في أنحاء البلاد منذ أسابيع.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة أشهر كانت أجهزة الدولة توفر العلف المجاني لأكثر المزارعين عرضة لنقص الأمطار الموسمية السنوية بالهند، وهم المزارعون الذين يكسبون قوت يومهم من ملكية قطع صغيرة من الأرض والحليب الذي توفره الماشية. وفي نهاية أبريل (نيسان) ترك بهيمراو تشافان وزوجته أرضهما في غرب الهند وتوجها إلى مخيم يتضاعف سكانه باعتباره مركزا لتوفير العلف المجاني. ترعى الماشية العجفاء وعدد من الماعز حول كوخ مصنوع من القش وأوراق الشجر والأغطية البلاستيكية لتشافان وأسرته.

في البداية كان هناك عدد محدود من الأسر في هذه المستوطنة المؤقتة على مشارف بلدة صغيرة على بعد نحو 320 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من مومباي في ولاية مهاراشترا، لكن مع عدم سقوط الأمطار الموسمية الأسبوع تلو الآخر في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) استحالت الحقول في أنحاء المنطقة من اللون الأخضر اليانع إلى اللون الأبيض، وتزايدت أعداد هذه الأسر بشدة. أصبحت مستوطنة مهاسواد تشبه مخيم اللاجئين، إذ يعيش بها نحو 6500 شخص وضعف هذا العدد تقريبا من الماشية التي كانت ستذبح أو تتضور جوعا لو لم تقُم بهذه الرحلة.

وقال تشافان البالغ من العمر 40 عاما بينما كان يقطع قصب السكر إلى قطع صغيرة للماشية في الساعات الأولى من الصباح: «أهم شيء بالنسبة لي هو الحفاظ على حياة ماشيتي لأنها المصدر الوحيد للدخل. دونها لا يمكننا الحياة».

وتعتمد الهند بشدة على موسم الأمطار الموسمية السنوي المتقلب الذي يوفر نحو 75 في المائة من الأمطار التي تسقط في البلاد في ري المحاصيل وملء خزاناتها.

ورغم أن الزراعة تمثل 14 في المائة فقط من اقتصاد البلاد فإن الموسم الناجح للأمطار الموسمية يمكن أن يغير حياة نحو 600 مليون شخص، أي نصف السكان الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر للرزق. وأدى تأخر موسم الأمطار الموسمية إلى وفاة الملايين على مدى القرن المنصرم وضرب الاقتصاد.

وقبل مضي نصف المدة على موسم الأمطار الموسمية قلت الأمطار بالفعل 17 في المائة عن المعدل العادي وتوقع مكتب الأرصاد الجوية أن تسبب ظاهرة النينيو المزيد من خيبة الأمل خلال الأسابيع القليلة المتبقية.

والنينيو هي ظاهرة ترتفع خلالها درجة حرارة سطح البحار في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي. ولن يؤدي الجفاف، وهو أول موجة تشهدها الهند منذ عام 2009، إلى نقص في المنتجات الزراعية الأساسية نظرا لأن مخازن الحبوب ممتلئة عن آخرها بالأرز والقمح، ومن المتوقع أن يفوق السكر الطلب للعام الثالث على التوالي. لكنه سيوجه ضربة موجعة لمحاصيل الحبوب المستخدمة في علف الحيوانات، وسيؤثر هذا بشدة على الأغلبية الساحقة من المزارعين في البلاد الذين يجدون صعوبة في كسب قوت يومهم أغلب الوقت.

ويمثل تأخر موسم المطر خطرا كبيرا لدرجة أن الحكومة لديها «كتيب للجفاف». وفي هذه الوثيقة توصف الثروة الحيوانية بأنها أساس اقتصاد الريف، لكنها مهددة بالخطر لأن استنزافها بشدة يجعل تعافيها بطيئا للغاية.

وتمثل أسرة تشافان المكونة من 12 فردا مثالا لهذا، إذ إن دخلهم السنوي عادة ما يبلغ نحو 90 ألف روبية (1640 دولارا)، وهو مبلغ محدود لكن هذا العام سيكون المبلغ أقل بسبب عدم وجود ما يكفي من الأمطار لزراعة النباتات على أرضهم التي تبلغ مساحتها نحو ثلاثة أفدنة في قرية بولكوتي على مسافة غير بعيدة من المخيم الذي يقدم العلف المجاني.

وقالت ليلاباي زوجة تشافان بينما كانت تقف حافية القدمين على أرض المخيم في الوقت الذي كان يحلب فيه المزارعون الماشية ويجمعون الفضلات لاستخدامها كوقود ومخصبات: «حتى العام القادم لن نحصل على المال إلا من خلال بيع الحليب». وأضافت: «كنا نفكر في بيع ماشيتنا لأننا لم يكن لدينا المال لشراء العلف. لحسن الحظ بدأ المخيم، وإلا كانت ذبحت ماشيتنا». ووعدت الحكومة بتوفير العلف لكل المزارعين الذين يواجهون صعوبات، لكن مهاراشترا ليست الولاية الوحيدة التي تضررت بشدة من الجفاف، بل هناك أيضا البنجاب وهاريانا وراجاستان في الشمال وجوجارات في الغرب وكارناتاكا في الجنوب، إلى جانب بطء النمو الاقتصادي وعجز مالي كبير، لذلك فإن الحكومة ستجد صعوبة بالغة في تنفيذ الوعود، إذ إن هناك عددا محدودا جدا من المخيمات مثل ذلك الموجود في مهاسواد في مهاراشترا، وارتفعت أسعار العلف مع وجود نقص في الإمداد.

وعلى بعد 50 كيلومترا فقط على سبيل المثال اقترض راجيش هانمانتراو دشموك مبلغ 60 ألف روبية (1100 دولار) لشراء علف للجواميس العشرة التي يمتلكها. وفي سنة تسير الأحوال فيها على ما يرام يتوقع أن يحصل على 100 ألف روبية (1800 دولار) لكنه يتوقع هذا العام أن يخسر هذا المبلغ. وقال دشموك بينما كان يشتري القصب من منفذ تدعم الحكومة منتجاته: «تربية الجواميس الآن تجارة مسببة للخسائر... كنت أحصل على العلف من مزرعتي لكن المزارع هذا العام خالية». لكنّ هناك آخرين لا يمكنهم الحصول على القروض مما أدى إلى بيع الماشية بأسعار أقل لذبحها مما تسبب في انخفاض أسعارها.

وسيكون لكارثة العام الحالي أثر مدوٍّ في أنحاء المجتمعات الريفية في مهاراشترا، وستجبر الكثيرين على النزوح من المناطق الفقيرة إلى العاصمة المالية مومباي. وقال اشوك جالاندي، وهو من سكان قرية بولكوتي، الذي باع ماشيته خلال الجفاف عام 1972 وانتقل إلى مومباي: «لم يتغير شيء في المناطق الريفية رغم كل التقدم. عندما يحل الجفاف يتعين على الشبان النزوح». وأضاف جالاندي الذي وجد مشقة في الحياة منذ العودة إلى جذوره الريفية في العام الماضي: «الجفاف يعوق كل شيء في القرية. في المدن الكبيرة يمكن العثور على عمل لكسب قوت اليوم».

ولتوفير فرص عمل تحاول حكومة الولاية توسيع نطاق خطة وطنية لتوفير الوظائف، لكن الكثير من الشركات المحلية التي تعتمد على المزارعين تعاني بالفعل. وشكا جاناردان نارلي بائع الحبوب والمخصبات في مهاسواد قائلا: «المبيعات خمسة في المائة فقط من المعدل الطبيعي... ما الذي يجعل المزارعين يشترون الحبوب أو المخصبات أو المبيدات بينما لا يوجد مطر؟».