نجم الدولار يسطع وسط ارتفاع عائدات السندات الأميركية

مع زيادة مشتريات المصارف الأميركية منها إلى 1.77 تريليون دولار

TT

صعد الدولار في سوق الصرف العالمية أمس مقتربا من أعلى مستوياته في خمسة أسابيع أمام الين مدعوما بارتفاع عائدات السندات الأميركية، بينما زاد اليورو قليلا وسط توقعات مستمرة بإحراز صانعي السياسيات بمنطقة اليورو تقدما خلال الأسابيع المقبلة لمواجهة أزمة الديون. وصعد الدولار إلى 79.66 ين في مستهل التعاملات الآسيوية قبل أن يتراجع إلى 79.50 ين دون تغير يذكر عن الإغلاق السابق وسط بيع مطرد من المصدرين اليابانيين الذين عادوا من عطلات الصيف. ويذكر أن المصارف الأميركية ضاعفت من مشترياتها من الأوراق المالية الحكومية، وبدأت الفجوة بين الودائع والقروض في المصارف الأميركية تتسع بأسرع وتيرة لها في عامين، مما أتاح أمام هذه المصارف المزيد من الأموال لشراء السندات وتخفيف حدة أكبر موجة بيع للأوراق المالية الحكومية منذ عام 2010. ومع ارتفاع حجم الودائع بنسبة 3.3 في المائة لتصل إلى 8.88 تريليون دولار خلال الشهرين المنتهيين في 31 يونيو (حزيران) الماضي، نشطت حركة الإقراض التجاري بنسبة 0.7 في المائة لتصل إلى 7.11 تريليون دولار، طبقا لما أظهرته بيانات مصرف الاحتياطي الفيدرالي. وقد اتسعت كذلك الفجوة القياسية البالغة 1.77 تريليون دولار بنسبة 15 في المائة منذ شهر مايو (أيار) الماضي، وهو أكبر ارتفاع للفترة المماثلة منذ شهر يوليو (تموز) 2010. واشترت المصارف بالفعل 136.4 مليار دولار من أوراق الدين التي أصدرتها الخزانة والهيئات الحكومية الأميركية هذا العام، وهو أكثر من ضعف مبلغ 62.6 مليار دولار طوال عام 2011 بأكمله، مما دفع ممتلكاتها إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق وهو 1.84 تريليون دولار. وفي مواجهة تباطؤ الاقتصاد الأميركي، وتجاوز معدلات البطالة مستوى 8 في المائة منذ أكثر من 3 سنوات، والضوابط التنظيمية التي تجبر المصارف على الاحتفاظ بأصول أكثر وأعلى جودة، فإن المصارف تمنح القروض بمستويات أقل مما كانت عليه قبل الركود. وتساعد مشتريات السندات هذه على تفسير لماذا تقف أسعار الفائدة لأذون الخزانة ذات أجل استحقاق 10 سنوات، حتى بعد ارتفاعها هذا الشهر، عند نحو نصف متوسط التوقعات التي قدمها 43 خبيرا اقتصاديا في استطلاع رأي أجرته شركة «بلومبرغ» قبل عام، وبلغ 3.5 في المائة.

ويقول مايكل ماتا، وهو مدير أموال في ولاية أتلانتا يعمل لدى شركة «آي إن جي لإدارة الاستثمار بالأميركتين»، التي تشرف على نحو 160 مليار دولار: «ما زالت الودائع المصرفية تتضخم، والمصارف بدورها ما زالت تشتري الأوراق المالية الحكومية مع فقدان الاقتصاد لقوة الدفع، واتجاه التضخم إلى الهبوط، واستمرار أوروبا في التعلق فوق رؤوسنا، وشيوع عدم اليقين السياسي. لا يوجد سبب لارتفاع أسعار الفائدة بأي شكل مفهوم في أي وقت قريب».

وواصلت البنوك عمليات الإقراض حيث بلغت الفجوة بين القروض والودائع 1.75 تريليون دولار في 8 أغسطس (آب)، حين بلغ حجم الإقراض 7.12 تريليون دولار مقابل حجم ودائع بلغ 8.87 تريليون دولار، فإن هذه الفجوة تزيد على 17 ضعف متوسط 100 مليار دولار المسجل في العقد الذي سبق تجمد أسواق الائتمان، طبقا لما أظهرته بيانات مصرف الاحتياطي الفيدرالي. ووصل نشاط الإقراض التجاري والصناعي أوجه وهو 1.61 تريليون دولار في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008، بعد شهر واحد من إشهار إفلاس شركة «ليمان براذرز هولدنغ إنكوربوريشن». ومع تفاقم أزمة الائتمان، هبط حجم القروض إلى 1.2 تريليون دولار بعد عامين، قبل أن ترتفع إلى 1.46 تريليون دولار في الأول من أغسطس. وهذا الارتفاع الأخير لا يجاري الودائع المصرفية القياسية، حيث تشير البيانات إلى أن مدخرات الأسر الأميركية قد ارتفعت إلى 4.4 في المائة من الدخل كما في شهر يونيو، مقابل 1.7 في المائة عام 2007.

ويقول مايك بيرس، رئيس شركة «بنك أوف ذا ويست» التي يقع مقرها في مدينة غريب فاين بولاية تكساس: «كل مصرف يبحث عن طريقة لزيادة عوائده». وقد بدأت شركته تقبل على شراء الأوراق المالية الحكومية بعد ارتفاع الودائع بسرعة أكبر من القروض عامي 2010 و2011. وأضاف أنه بدلا من ربح سعر الفائدة الخاص بالأموال الفيدرالية الذي يتراوح ما بين صفر و0.25 في المائة على الودائع، فإن ممتلكات الشركة من السندات تدر عليها عائدا يقترب من 3.25 في المائة.

وفي سبيل بحثها عن الأمان واصلت المصارف شراء السندات وقد وصلت ممتلكات المصارف من الأوراق المالية الحكومية إلى 500 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ شهر يونيو 2011، حتى مع بلوغ أسعار الفائدة مخصوما منها معدل التضخم لأذون الخزانة المعيارية ذات أجل استحقاق 10 سنوات نسبة 0.38 في المائة، مقارنة بمتوسط 1.26 في المائة خلال العقد المنصرم. وقد ارتفعت العائدات على أذون الخزانة ذات أجل استحقاق 10 سنوات بمقدار 15 نقطة أساس، أو 0.15 نقطة مئوية الأسبوع الماضي لتصل إلى 1.81 في المائة، وتراجع سعر الأوراق المالية ذات سعر فائدة 1.625 في المائة التي يحين أجل استحقاقها في شهر أغسطس 2022 بمقدار 1 32/12، أو 13.75 دولار لكل قيمة اسمية تبلغ ألف دولار، أو 98 32/9. وقد ارتفعت من أدنى مستوياتها على الإطلاق وهو 1.379 في المائة كما في 25 يوليو الماضي، نتيجة لزيادة تفاؤل المستثمرين بشأن الاقتصاد. وكما جاء في تقرير حكومي صدر يوم 3 أغسطس، فقد تمكنت الولايات المتحدة من خلق 163 ألف فرصة عمل جديدة الشهر الماضي، أي أكثر من المائة ألف فرصة عمل التي توقعها المحللون. كما ارتفعت مبيعات تجار التجزئة الأميركيين بنسبة 0.8 في المائة، أي أعلى من النسبة المتوقعة وهي 0.3 في المائة، عقب انخفاض بنسبة 0.5 في المائة خلال شهر يونيو الماضي، وفقا لما أظهرته البيانات التي نشرتها إدارة التجارة الأميركية يوم 14 أغسطس.

ويشير متوسط التقديرات في استطلاعات الرأي المنفصلة التي أجرتها شركة «بلومبرغ» إلى أن الأذون المعيارية سوف تحقق 1.60 في المائة بنهاية سبتمبر المقبل، أي أقل من التوقعات في شهر يونيو الماضي التي بلغت 1.90 في المائة، كما انخفضت توقعات نهاية العام من 2.1 في المائة إلى 1.65 في المائة.

ويقول ديفيد هيندلر، وهو محلل لدى شركة الأبحاث المالية «كريديت سايتس إنكوربوريشن» التي يقع مقرها في نيويورك، إن المصارف قد تضطر إلى اللجوء إلى أصول وممارسات إقراض ذات مخاطرة أعلى إذا استمر تأرجح العوائد حول أدنى مستوياته على الإطلاق. وقد أظهرت بيانات «المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع» أن صافي هامش الفوائد بالمصارف، الذي يعد مقياسا لربحية الإقراض، تراجع إلى 3.52 في المائة. واستطرد هيندلر قائلا في مقابلة هاتفية أجريت معه يوم 14 أغسطس: «ليس من المفيد أن تفرط الآن إذا كنت مصرفا، غير أن الاستمرار في شراء السندات بالقرب من هذه المستويات ليس مستداما على المدى الطويل».

وقد أعلن مصرف الاحتياطي الفيدرالي في استطلاع الرأي الذي يجريه كل 3 أشهر بين كبار مسؤولي الإقراض، ونشر يوم 6 أغسطس، أن «المصارف المحلية، بشكل عام، استمرت على مدار الأشهر الثلاثة الماضية في الإعلان عن تخفيف معايير الإقراض لديها بالنسبة لمعظم أنواع القروض». وقد تم تسهيل معايير إقراض الشركات الكبيرة والمتوسطة، في حين لم تتغير معايير إقراض الشركات الصغيرة تغييرا يذكر لرابع فترة على التوالي.

وقد شهدت المصارف الخمسة الكبرى في وول ستريت أسوأ بداية لها في 4 سنوات، حيث حققت مؤسسات «جي بي مورغان تشيس» و«بنك أوف أميركا كوربوريشن» و«سيتي غروب إنكوربوريشن» و«غولدمان ساكس غروب إنكوربوريشن» و«مورغان ستانلي» إيرادا مجمعا خلال الربع الأول بلغ 161 مليار دولار، بانخفاض قدره 4.5 في المائة عن عام 2011، وهو أسوأ مستوى تسجله هذه الإيرادات منذ أن بلغت 135 مليار دولار عام 2008. وألقت هذه المؤسسات باللوم في هذا التراجع على انخفاض أسعار الفائدة وحدوث تراجع في حركة التداول وعقد الصفقات. ويعد انخفاض عوائد السندات الحكومية إرثا للأزمة المالية التي تسببت في خسائر وعمليات شطب ديون تجاوزت تريليوني دولار في المؤسسات المالية العالمية، طبقا لبيانات قامت بتجميعها شركة «بلومبرغ».

وبعد خفض المعدلات المستهدفة لمصرف الاحتياطي الفيدرالي بالنسبة لقروض الليلة الواحدة بين المصارف عام 2008 إلى مستوى يتراوح ما بين صفر و0.25 في المائة، قام المصرف في عهد رئيسه بين بيرنانكي بشراء أوراق الدين التي أصدرتها الخزانة وتلك المرتبطة برهون عقارية بقيمة 2.3 تريليون دولار، من أجل خفض أسعار الفائدة في السوق وتحفيز الاقتصاد. ويمتلك المصرف المركزي 1.66 تريليون دولار من الأوراق المالية الحكومية كما في شهر أغسطس، متفوقا على الصين التي تمتلك 1.16 تريليون دولار.