إيران تسعى لنشر بنوكها في أرمينيا للالتفاف على الحظر

تقرير دولي: إيران قدمت طلبات لفتح مؤسسات مالية.. والسلطات الأرمينية تنفي

TT

ذكر دبلوماسيون ووثائق أن إيران تسعى لتوسيع انتشار بنوكها في أرمينيا لتخفيف أثر صعوبات تواجهها في دول كانت الجمهورية الإسلامية تعتمد عليها في أداء أعمالها وذلك بعدما ضيقت العقوبات الدولية الخناق عليها.

ويتزامن تزايد اهتمام إيران بجارتها أرمينيا الدولة الحبيسة ذات الطبيعة الجبلية والبالغ عدد سكانها نحو 3.‏3 مليون نسمة مع تزايد عزلة طهران الدولية وزيادة تدقيق الحكومات ووكالات الاستخبارات الغربية على علاقات الجهاز المصرفي الإيراني بالعالم في مسعى لتعطيل البرنامج النووي الإيراني. وذلك وفقا لتقرير تنشره رويترز.

وأحدث أمثلة على ذلك قضية بنك «ستاندرد تشارترد» البنك البريطاني الذي سلط عليه الضوء بعدما اتهمته الولايات المتحدة بإخفاء ما يصل إلى 250 مليار دولار في معاملات ذات صلة بإيران عن الهيئات الرقابية الأميركية والمساهمين. ومن شأن توسع إيران في الاستثمارات بالعملة المحلية بدولة مجاورة مثل أرمينيا - الجمهورية السوفياتية السابقة ذات العلاقات التجارية القوية مع إيران والتي تسعى جاهدة لتوطيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي - أن يسهل على إيران مهمة تمويه مدفوعات من وإلى عملاء أجانب وخداع أجهزة المخابرات الغربية التي تسعى لمنعها من توسيع برنامجها النووي وبرامج الصواريخ. ونفى مسؤولون أرمينيون وجود علاقات مصرفية غير مشروعة مع إيران.

وفي حين ما زالت الجولات الأربع من عقوبات الأمم المتحدة على إيران محدودة وأدرج مجلس الأمن بنكين إيرانيين فحسب على القائمة السوداء فقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قيودا أكثر صرامة شملت حظر عشرات البنوك والمؤسسات الأخرى وزيادة صعوبة إبرام طهران الصفقات بالدولار واليورو. وقدمت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة تتولى الرقابة على الامتثال للعقوبات على طهران تقريرا في الآونة الأخيرة إلى اللجنة المعنية بالعقوبات الإيرانية بمجلس الأمن خلص إلى أن إيران تبحث على الدوام عن طرق للالتفاف على القيود المفروضة على جهازها المصرفي.

وقال التقرير: «إحدى الدول المجاورة لإيران أبلغت اللجنة بوجود طلبات من إيران لفتح مؤسسات مالية جديدة بها... ولم تتم متابعة هذه الطلبات فيما يبدو لصعوبة التشريعات في هذا البلد».

وأكد دبلوماسيون بالأمم المتحدة مطلعون على عمل اللجنة أن هذه الدولة التي لم يفصح عن اسمها هي أرمينيا حيث لإيران علاقات مصرفية بالفعل.

وذكر الدبلوماسيون أنه رغم نفي أرمينيا وجود ترتيبات لإقامة علاقات مصرفية غير مشروعة لم تكف إيران عن محاولة التوسع في البلاد ودعا مسؤولون أميركيون مرارا نظراءهم في أرمينيا إلى إحكام معايير الرقابة المالية.

وتتطلب التجارة الإيرانية مع أرمينيا بما فيها خط لأنابيب النفط تقول تقارير إخبارية أرمينية إنه سيكتمل في 2014 إلى أحد أشكال التعاون المصرفي بين البلدين. وأفادت تقارير إخبارية إيرانية أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال: إن التبادل التجاري بين إيران وأرمينيا يبلغ نحو مليار دولار سنويا. ولن يكون إجراء معاملات مع البنوك الإيرانية مخالفا للعقوبات الدولية ما دام لا يتصل بالبرنامج النووي أو برامج الصواريخ أو بأفراد مشمولين بالعقوبات الأميركية أو الأوروبية أو عقوبات الأمم المتحدة.

وتؤكد إيران أن برنامجها النووي سلمي وترفض وقفه قائلة إن العقوبات تفتقر للشرعية.

لكن واشنطن أوضحت لحكومات مختلف دول العالم أن التجارة مع الشركات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأميركية قد تؤدي لإدراجهم على القائمة السوداء الأميركية.

وقال تقرير استخباراتي غربي صادر بتاريخ مايو (أيار) 2012 اطلعت عليه رويترز إن إيران تبحث عن مواقع ملائمة لتطوير علاقات بنكية بديلة بعيدا عن أجهزة الاستخبارات وأجهزة الرقابة الدولية. وأضاف التقرير أن أحد أهداف إيران هو تعزيز حضورها في أرمينيا.

وقال التقرير «عمل البنك المركزي الإيراني لسنوات على إقامة وتطوير بنى تحتية سرية لتمكين إيران من مواصلة التجارة مع دول أجنبية لا سيما في دول ملائمة للنشاط الإيراني مثل الإمارات وتركيا». وأضاف التقرير «أجبر الضغط المتزايد على البنوك في عدد من هذه الدول اقتصاديي المركزي الإيراني على البحث عن بدائل مالية في دول لا تعمل وفق الإملاءات الغربية» مشيرا إلى أرمينيا كدولة مستهدفة.

ويقول دبلوماسيون إنه بالإضافة إلى تركيا والإمارات تحاول إيران تطوير قنوات مالية في دول أخرى للالتفاف على العقوبات مع التركيز على دول مثل ماليزيا والصين والهند والبرازيل. وأضاف تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» صدر مطلع الأسبوع العراق إلى تلك الدول. وقالت صحيفة «تايمز» إن إيران تستخدم بنوكا عراقية لإدخال مبالغ كبيرة إلى النظام المصرفي العالمي ما أثار احتجاجات أميركية غير علنية لدى بغداد.

وفيما يتعلق بأرمينيا ذكر التقرير الاستخباراتي الغربي بنك إيه سي بي إيه كريدي أجريكول الأرميني كأحد الأهداف الرئيسية لإيران. ويقدم البنك خدمات متكاملة ويتعامل مع الأفراد والشركات وبلغت أصوله 574 مليون دولار العام الماضي.

وأكد دبلوماسي غربي في الأمم المتحدة متابع عن كثب للعقوبات على طهران أن «البنك لديه علاقات مع إيران». ورفض الدبلوماسي إعطاء تفاصيل عن أي معاملات غير مشروعة محتملة للبنك متعلقة بإيران.

لكن أشوت أوسيبيان رئيس مجلس إدارة اتحاد بنوك أرمينيا قال: إن من المستحيل أن يكون للبنك أي علاقات مع إيران، مضيفا: «البنوك الأرمينية تمول الاقتصاد الأرميني فحسب». ورد ستيفان جيشيان الرئيس التنفيذي للبنك بنفس الصرامة نافيا مساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات. وقال: «نحن لا نمول إلا الاقتصاد الأرميني». وأضاف: «ليس لدينا أي علاقات مع إيران... لا الآن ولا نخطط لأن نصبح قناة لتمويل إيران. ما تقوله لا معنى له على الإطلاق».

وعبرت واشنطن لمسؤولين أرمينيين في الآونة الأخيرة عن مخاوفها من إمكانية استغلال إيران البلاد لتلافي العقوبات. وقال مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ناقشت هذه المسألة مع الرئيس سيرج سركسيان في اجتماع في يونيو (حزيران) في يريفان.

ولم يتم الإفصاح عن تفاصيل المناقشات وما آلت إليه.

وأبلغ دبلوماسيون ومسؤولو استخبارات رويترز أن تركيا والإمارات ما زالتا المنفذ الرئيسي للأنشطة المصرفية الإيرانية بينما تدخل الصين والهند حيز المخاوف إذ تجد طهران صعوبة الآن في إتمام صفقات بالدولار واليورو. ونتيجة لذلك تلجأ إيران بشكل متزايد لإبرام الصفقات بعملات محلية يصعب تتبعها.

وتقول تركيا والإمارات إنهما لا ترحبان بذلك هذه الأيام كما كانتا في السابق. ويخضع البلدان لضغوط كثيفة من واشنطن والاتحاد الأوروبي للتضييق على التجارة الإيرانية غير المشروعة المتصلة بالبرنامج النووي الذي تشتبه القوى الغربية وحلفاؤها في أنه يهدف لإنتاج أسلحة وهو ما تنفيه طهران.

وثمة بنك آخر طالما أثار مخاوف القوى الغربية وهو الفرع الأرميني لبنك ملت الإيراني الخاضع لعقوبات أميركية منذ 2007. ولا يخضع البنك لعقوبات من الأمم المتحدة لكن مجلس الأمن اعتبره مثيرا للمشاكل في نص قرار العقوبات الرابعة التي أقرت في يونيو 2010.

وقال القرار «خلال السنوات السبع الأخيرة سهل بنك ملت معاملات بمئات ملايين الدولارات لصالح هيئات إيرانية متصلة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ والدفاع». ووفقا لاراكيل مليكستيان نائب رئيس وحدة البيانات المالية في البنك المركزي الأرميني فإن ملت لا يزال يعمل في يريفان رغم تقلص أنشطته بشكل كبير جدا بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية.

وقال مليكستيان نقلا عن التقارير السنوية المنشورة للبنك إن أصوله في أرمينيا تراجعت أكثر من 50% بين 31 ديسمبر (كانون الأول) 2010 وأول يوليو (تموز) 2012.

وطبقا لمليكستيان انقطعت علاقات البنك بالأسواق المالية الأميركية والأوروبية وأسواق أخرى وليس له عمليا أي تعاملات مع بنوك أرمينية أخرى. ولم يعد بإمكان بنك ملت أرمينيا بعد عزله عن نظام سويفت المصرفي مطلع العام الجاري إرسال أو استقبال التحويلات المالية الدولية.

وقال المسؤول إن قاعدة عملاء البنك الصغيرة تتكون في الغالب من إيرانيين يزاولون أنشطة تجارية في أرمينيا ومواطنين أرمينيين يعملون في التصدير إلى إيران وإيرانيين من ذوي خلفيات أرمينية وطلاب.

واتصلت رويترز بالبنك للحصول على رد على تساؤلات حول أنشطته. وبعدما وافق مسؤولو البنك في بادئ الأمر على إجراء مقابلة وجها لوجه عادوا وقالوا: إنهم يريدون أسئلة مكتوبة ولم يقدموا أي تعليق بعد ذلك.

وكانت تركيا في السابق في نفس وضع أرمينيا حاليا. وكتبت رويترز في عام 2010 تقول: إن تركيا باتت ملاذا آمنا لبنوك إيران. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه استجابة لضغوط مكثفة من الولايات المتحدة لقطع العلاقات المصرفية مع طهران فقد أصبحت البنوك التركية أكثر حذرا بكثير في التعامل مع عملاء إيرانيين.

وحسب برقيات دبلوماسية أميركية سرية نشرها موقع «ويكيليكس» فإن المخاوف الأميركية بشأن امتثال أرمينيا بتنفيذ العقوبات على بنوك إيران ليست جديدة.

وقالت برقية بتاريخ مايو 2007 من السفارة الأميركية في يريفان بعنوان «أرمينيا تتباطأ في تجميد أصول بنك سبه» أن البنك الإيراني الخاضع لعقوبات الأمم المتحدة منذ مارس (آذار) 2007 لديه حسابات مراسلة مع الفرع الأرميني لبنك ملت بالمخالفة لعقوبات الأمم المتحدة. وأوضحت برقية أخرى تعود لعام 2008 أن واشنطن لا تزال قلقة قائلة: «طلب المكتب السياسي من وزارة الخارجية الأرمينية حث البنك المركزي الأرميني على مزيد من اليقظة في مراقبة المعاملات المالية لبنك ملت الإيراني في يريفان».