تحويلات «إتش إس بي سي» تخضع لتحقيقات أميركية قد تثبت تورطه في عمليات غسل أموال

جنب 700 مليون دولار لتغطية الغرامات المحتملة.. في أكبر عملية تسوية في التاريخ

جنب «إتش إس بي سي» 700 مليون دولار أميركي لاحتمالية دفع تعويضات في عمليات غسل أموال (أ.ف. ب)
TT

يشتبه المدعون الذين يتولون التحقيق في حركة الأموال وعمليات داخل المصارف العالمية في أن يكون مصرف «إتش إس بي سي» قد تورط في عمليات غسل أموال لحساب عصابات المخدرات المكسيكية وتحويلات أخرى، وذلك بحسب سلطات فيدرالية على علم مباشر بمجريات التحقيق.

كما يتولى مدعون فيدراليون ومدعون بالولايات التحقيق فيما إذا كان مصرف «إتش إس بي سي» قد التف حول القانون الأميركي من خلال تحويل أموال عبر أحد فروعه في الولايات المتحدة إلى دول خاضعة لعقوبات، ومن بينها إيران والسودان وكوريا الشمالية.

وأكدت السلطات المطلعة على التحقيقات أن خطورة هذه الاتهامات قد تجبر المصرف، الذي قام بالفعل بتجنيب 700 مليون دولار لتغطية تكلفة الغرامات المحتملة، على دفع مليار دولار على الأقل من أجل تسوية التحقيقات، مما قد يجعلها أكبر تسوية من نوعها في التاريخ. وذكرت سلطات إنفاذ القوانين، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها نظرا لاستمرار سير التحقيقات، أن اتهامات غسل الأموال الموجهة إلى المصرف حتى الآن تعد أوسع نطاقا من احتمال مخالفة العقوبات الأميركية الذي هو محور التحقيقات الجارية مع مصارف أجنبية أخرى، مثل «دويتشه بنك» و«كوميرز بنك» الألمانيين و«بي إن بي باريبا» و«كريدي أغريكول» الفرنسيين و«رويال بنك أوف سكوتلاند» الاسكوتلندي.

وقد ذكر متحدث باسم مصرف «إتش إس بي سي» في تصريح له يوم الجمعة الماضي: «هذه القضية لا تتعلق بتورط مصرف إتش إس بي سي في غسل أموال، بل تتعلق بالتهاون في معايير الامتثال التي كانت أقل من توقعات الجهات التنظيمية وتوقعاتنا، ونحن ملتزمون تماما بإصلاح ما فسد والتعلم منه». أما بالنسبة للمصارف الأخرى، فهي إما امتنعت عن التعليق أو لم ترد على طلب الإدلاء بتصريحات.

وحرصا منه على تسوية التحقيق، حاول المصرف الاتصال بالمحققين الفيدراليين في شهر يوليو (تموز) الماضي، على أمل التوصل إلى تسوية بحلول شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، طبقا لما ذكره مسؤولو إنفاذ القوانين، إلا أنهم أكدوا أنه من المستبعد جدا التوصل إلى تسوية خلال الأسبوعين المقبلين. وأضافوا أيضا أن وزارة العدل ومكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن يعكفان حاليا على الاطلاع على سجلات المصرف، وأنهما ما زالا في حاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم حجم المخالفات بالكامل، إلا أن وزارة العدل ومكتب المدعي العام في مانهاتن امتنعا عن التعليق.

وقد دخل مصرف «إتش إس بي سي» في بؤرة الضوء أثناء شهر يوليو (تموز) الماضي، عندما كشفت اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي عن أن المصرف «عرض النظام المالي الأميركي لمخاطر غسل الأموال وتمويل إرهابيين» ما بين عامي 2001 و2010. وأبدى مسؤولو المصرف الذين تم استجوابهم في جلسة الاستماع هذه اعتذارهم عن سلوك المصرف في الماضي وتعهدوا بإجراء إصلاحات. وفي يوم الجمعة الماضي، أعلن المصرف في تصريحه أنه «ضاعف الإنفاق العالمي من أجل تعزيز الامتثال بدرجة كبيرة باعتباره وظيفة رقابية».

وتزايدت الضغوط من أجل تسوية التحقيقات الشهر الماضي بعد أن انفصل بنجامين لاوسكي، المشرف على «إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك»، عن المدعين الفيدراليين ومدعي الولايات واتخذ إجراءات ضد مصرف «ستاندرد تشارترد» البريطاني، متهما إياه بالتآمر مع إيران طوال ما يقرب من 10 سنوات من أجل إخفاء 60 ألف معاملة مالية تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار عن أعين الجهات التنظيمية. وذكرت السلطات أن ما زاد من الرغبة في التوصل إلى تسوية سريعة هو تصاعد المشاعر السلبية تجاه المصارف بعد الفضائح الأخيرة، ومن بينها اتهامات للمصارف بالتلاعب في معيار أساسي لأسعار الفائدة، مما أثر على تكلفة تريليونات الدولارات من الرهون العقارية والقروض الأخرى.

ومن أجل تهدئة المحققين، أعلن مسؤولو مصرف «إتش إس بي سي» عن تشديد الضوابط الرقابية المتعلقة بمنع غسل الأموال وتغيير الموظفين الذين تلوثت سمعتهم بهذه الاتهامات، وذلك بحسب مسؤولي إنفاذ القوانين، الذين أضافوا أن ما ميز مصرف «إتش إس بي سي» أكثر عن المصارف الأخرى الخاضعة للتحقيق هو تواطؤ كبار المسؤولين به، حيث ذكرت اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ في تقريرها عن المصرف أن مسؤوليه تجاهلوا مؤشرات تحذيرية ولم يوقفوا هذا السلوك غير القانوني في مراحل كثيرة ما بين عامي 2001 و2010. ويقال إن أحد المسؤولين في المصرف تحدث عن ضرورة أن يستأنف المصرف علاقته مع «مصرف الراجحي»، وهو مصرف سعودي أسسه واحد من أوائل من دعموا تنظيم القاعدة. وذكر تقرير مجلس الشيوخ أن الأمر وصل إلى حد قيام فروع مصرف «إتش إس بي سي» في الولايات المتحدة بتزويد هذا المصرف بما لا يقل عن مليار دولار.

وتشير الأنباء إلى أن مسؤولين فيدراليين نبهوا المصرف إلى ضرورة مراقبة نشاطه الخاص بالمبالغ الكبيرة في المكسيك عن قرب، في ظل وجود مخاوف من احتمال أن يستولي مهربو المخدرات على هذه العمليات، إلا أن مسؤولي مصرف «إتش إس بي سي» من عام 2000 حتى عام 2009 دأبوا على منح المكسيك، «وهي بلد واقع تحت حصار الجريمة والعنف وغسل الأموال من تجارة المخدرات»، أقل تصنيف مخاطر بالمصرف لغسل الأموال، وذلك وفقا لما جاء في تقرير مجلس الشيوخ. ونتيجة لهذا، لم يكن عملاء المصرف المكسيكيون يخضعون لفحص قوي.

* خدمة «نيويورك تايمز»