قرض صندوق النقد الدولي يبدل مواقف القوى السياسية في مصر

«إسلاميون» ينفون عنه شبهة «الربا».. و«ليبراليون» يرفضونه

TT

جدل كبير وتحول سريع في مواقف القوى السياسية المصرية المتباينة، أحدثته إعادة تفاوض الحكومة المصرية برئاسة الدكتور هشام قنديل للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، لدعم برنامجها الاقتصادي ماليا ومساعدة البلاد على التعافي والخروج من كبوتها الاقتصادية في هذه المرحلة الانتقالية.

فوجود الرئيس «الإسلامي» محمد مرسي على رأس السلطة في البلاد، ولجوؤه إلى الاقتراض الخارجي، لم يثر انتقادات الإسلاميين، بل أفتوا بأنه «حلال شرعا»، وأنه لا وجود لشبهة «الربا» فيه، رغم رفضهم له منذ أشهر قليلة للعلة ذاتها. وفي المقابل انتفض «ليبراليون»، كانوا من قبل يدعون لمزيد من الانفتاح والتعاون الدولي، وأعلنوا رفضهم التام للقرض باعتباره «عجزا» من السلطة القائمة عن توفير الموارد.

وأحبطت القوى السياسية الإسلامية كل محاولات الحكومات التي توالت على مصر بعد الثورة وحتى تولي الرئيس مرسي رئاسة البلاد، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وهو ما كان يسبب تعثرا في المحادثات بين مصر والصندوق. وطالب أعضاء بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس، في تلك الفترة بالاعتماد على الصناديق الخاصة التي تقدر قيمتها بالمليارات ويستفيد منها عدد محدود من الأشخاص.

وقال الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الاقتراض من الخارج يجب أن يقابله الإنتاج والعمل لمساعدة الدولة على بناء اقتصادها، نظرا لأن الاقتراض من الخارج وإن كان له مزايا، يصحبه كثير من الأعباء، متمثلة في أن الأموال التي ستحصل عليها مصر وتسد بها عجز الموازنة، لا يقابلها أي نوع من الإنتاج والسلع، الأمر الذي سيترتب عليه وجود حالة من التضخم الشديد وارتفاع شديد في الأسعار، مما يعني أن المواطن هو الذي سيدفع ثمن القرض.

وأشار إلى أن الحكومة اضطرت للاقتراض نتيجة عجز الميزان التجاري وتراجع معدلات السياحة تأثرا بالفوضى والمظاهرات الفئوية، ولذلك يجب عليها تنشيط الإنتاج، وزيادة الاستثمار والتحفيز عليه، وأن تقوم بجذب المستثمرين الأجانب، والعمل على زيادة الصادرات، لكي نتفادى هذه العيوب.

ولفت إلى أن كل الدول تغير في تشريعاتها حتى تجذب المستثمرين، مشيرا إلى أن مصر تحتاج إلى تعديل التشريعات لجذب استثمارات جديدة خلال المرحلة الحالية للنهوض بالاقتصاد المحلى والقدرة على سداد ديونها وبخاصة بعدما تفوقت الصين اقتصاديا على كثير من دول العالم.

وأضاف أن مصر بها ميزة، وهى زيادة حجم الاستهلاك المحلى المتعلق بالزيادة السكانية، التي تعتبر عنصر جذب للمستثمرين الأجانب، مشيرا إلى أن زيارة الرئيس محمد مرسى تركز على توقيع اتفاقيات في كل المجالات العلمية والثقافية والتقنية والإنتاجية وغيرها.

وطلبت مصر من صندوق النقد الدولي رسميا قرضا قيمته 4.8 مليار دولار، بعد أن جرت المفاوضات من قبل للحصول على 3.2 مليار دولار وقت تولي الدكتور عصام شرف رئاسة الوزراء. وقالت كريستين لاغارد، رئيسة الصندوق، خلال زيارة قامت بها لمصر منذ أيام أجرت خلالها محادثات مع الرئيس محمد مرسي، إن الصندوق ملتزم بدعم مصر خلال هذه الفترة التاريخية، وإن فريقا فنيا من الصندوق سيصل للقاهرة مطلع سبتمبر (أيلول) القادم لمناقشة المسؤولين المصريين في الأشكال الممكنة للدعم المالي الذي يمكن أن يقدمه الصندوق.

ورحب أول أمس حزب الحرية والعدالة، الذي كان يرأسه الدكتور محمد مرسي قبل فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية، بالتعاون مع الصندوق، مقرا بمشروعية القرض. وقال الحزب في بيان له إن «حجم الالتزامات التي ورثتها مصر يفوق بمراحل حجم التسهيلات الائتمانية التي يوفرها قرض صندوق النقد الدولي»، وإنه يؤمن بأن «هناك ضرورة ماسة لخطوات إصلاحية جادة لمواجهة تلك المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري».

واعتبر الحزب أن «اللجوء إلى التسهيلات الائتمانية من الصندوق هو حق أصيل لمصر باعتبارها عضوا في الصندوق ولها الحق في الحصول على تسهيل ائتماني يماثل 200 في المائة لهذه الحصة بحد أدنى».

ونوه الحزب بأن «عجز الموازنة المصرية وصل إلى 170 مليار جنيه (27.9 مليار دولار) نهاية العام المالي الماضي، وأنه يتوقع أن يصل العجز هذا العام لنحو 135 مليار جنيه (23 مليار دولار)، وأن يصل الدين العام إلى 1.4 تريليون جنيه (230 مليار دولار)، وهو ما يكلف الموازنة العامة أكثر من 130 مليار جنيه (21.3 مليار دولار) فوائد سنوية».

ولم تصدر حتى الآن من الحكومة المصرية أي بيانات اقتصادية عن الأداء المالي للبلاد خلال العام المالي المنتهي في يوليو (تموز) الماضي.

من جهته، قال الدكتور عبد الرحمن البر، مفتي جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيادة المقررة على القرض فقط 1.1 في المائة، وهي ليست فائدة بل مجرد مصروفات إدارية، وبالتالي لا شبهة فيها، وطبيعي أن يدفع المستفيد تكاليف القرض».

وأصدرت «الدعوة السلفية»، التي يتبعها حزب «النور» السلفي، صاحب الأغلبية الثانية في البرلمان، فتوى تبيح فوائد القرض، وأوضحت الفتوى أن «القرض لا يعد ربا محرما كما قال البعض، لأن فائدته 1.1 في المائة ويقبلونها في الصندوق كمصاريف إدارية، وبالتالي فإنه يعد منحة»، مشيرة إلى أن «القروض الربوية عندهم ذات فائدة متفاوتة قد تصل إلى 16 في المائة و20 في المائة، والفائدة المخفضة من 2 في المائة: 6 في المائة».

ونصت الفتوى، التي تم نشرها على الموقع الرسمي للدعوة السلفية «صوت السلف»، على أن «مصاريف كتابة الدين والانتقال لتحصيله إذا تحملها المقترض فهي ليست ربا، وفي الزمن الحديث صارت القروض بين الدول، وكذا بين رجال الأعمال والاقتصاد، وغير ذلك، تتولاها مؤسسات مالية ضخمة تتولى دراسة ظروف الدولة المقترِضة واحتياجاتها لإصلاح اقتصادها، وإمكانية التسديد وزمنه، ودرجة الفساد المنتشر فيها، لمنع وصول القرض إلى جيوب المنتفعين الفاسدين دون أوجه الانتفاع الحقيقي للدولة، بالإضافة إلى تكاليف مبان وموظفين، مما يسمى في الاصطلاح المعاصر بالمصاريف الإدارية، وتحديد نسبتها في العرف غالبا أقل من 2 في المائة، ولا مانع من وجود نسبة لهذه المصاريف من حجم القرض».

وعلى الجهة المقابلة، تساءل الدكتور عماد جاد، عضو الهيئة العليا للحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي (الليبرالي)، عن مشروع «النهضة» الذي جاء به الرئيس محمد مرسي، وقال «هل هو قائم على الاستدانة من الخارج ومحاولة حل الأزمة الحالية على حساب الأجيال القادمة؟»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «الإخوان» رفضوا من قبل القرض ذاته أثناء حكومة الدكتور كمال الجنزوري السابقة باعتباره ربا، رغم أنه كان بفائدة 1 في المائة فقط وعلى 28 عاما.

ومن جهته، قال الدكتور أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، لـ«الشرق الأوسط»، إن التوسع في الدين الخارجي خطر يسبب مشاكل كثيرة للدول، داعيا الحكومة إلى توفير مصادر تمويل بديلة في الفترة المقبلة، حتى لو تم قبول القرض حاليا كضرورة، في ظل التعثر الاقتصادي الذي تعيشه مصر حاليا.