الآفاق الاقتصادية في أوروبا تزداد «قتامة»

مع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة

منطقة اليورو وعملتها الموحدة على المحك
TT

بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو خلال شهر أغسطس (آب) 2.6 في المائة، وجاء ذلك حسب التوقعات بعد أن وصل الرقم في الشهر الذي سبقه إلى 2.4 في المائة، حسب الأرقام التي صدرت عن مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، ونشرت في بروكسل، أمس، الجمعة، وفي الوقت نفسه وصلت نسبة البطالة إلى 11.3 في المائة في منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، التي تضم 17 دولة، بينما وصل الرقم إلى 10.4 في المائة في إجمالي دول الاتحاد الأوروبي الـ27، وبحسب أرقام الإحصاء الأوروبي، وصل عدد العاطلين عن العمل في التكتل الأوروبي الموحد حتى آخر يوليو (يوليو) الماضي إلى 25 مليونا و254 ألفا من النساء والرجال، بينما وصل الرقم في منطقة اليورو إلى 18 مليون شخص، وقال «يوروستات» إن عدد العاطلين عن العمل في منطقة اليورو الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما وصل إلى 3 ملايين و388 ألف شخص، بينما وصل الرقم في إجمالي التكتل الموحد إلى 5 ملايين ونصف المليون تقريبا، وبالمقارنة بين شهر يوليو الماضي والتوقيت نفسه من العام الماضي زاد عدد العاطلين عن العمل مليوني شخص، سواء كان الأمر يتعلق بالاتحاد الأوروبي بشكل عام أو منطقة اليورو.

وشهدت النمسا وهولندا ولوكسمبورغ أقل معدلات بطالة بين الدول الأوروبية بنسب 4.5 في المائة و5.3 في المائة و5.5 في المائة على التوالي، بينما احتلت إسبانيا قائمة الدول الأكثر عددا في البطالة ووصلت النسبة إلى 25.1 في المائة وتلتها اليونان بنسبة 23.1 في المائة. ويأتي ذلك بعد أن واصلت مؤشرات الثقة في اقتصاد منطقة اليورو، التي تعاني من أزمة الديون السيادية، في الانخفاض خلال شهر أغسطس، حتى وصلت إلى أقل معدلات لها منذ أواخر عام 2009.

وقال رئيس المفوضية الأوروبية، مانويل باروسو، إن ما يميز هذه الأزمة عن سابقاتها، هو أن لدى الأوروبيين الآن اتحادا يشكل درعا لحمايتهم من أي عواصف، مشددا على أن الاتحاد الأوروبي أقوى من ذي قبل وأكثر تكاملا، وأن الإجراءات التي اتخذت لمكافحة الأزمة أسفرت عن مزيد من التكامل الأوروبي وليس العكس، وفي كلمته التي نشرتها المفوضية في بروكسل، لمح باروسو إلى أن المفوضية الأوروبية ستتقدم في الثاني عشر من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، بمقترحات حول إنشاء الاتحاد المصرفي الأوروبي، وأضاف أنه من خلال إجراءات ملموسة وفورية سيكون العمل الآن من أجل تعميق التكامل الاقتصادي، وقال باروسو: «هذا ما نحن بحاجة إليه الآن؛ استكمال الاتحاد الاقتصادي والنقدي ومواصلة المسيرة بخطوات منسقة وموحدة، مع عدم توقع حدوث معجزات وإنما ننتظر النتائج خطوة بخطوة»، واختتم باروسو مداخلته في منتدى «باخ» الألماني الاقتصادي بالقول: «لقد رسمت المسار الذي نحتاج إليه، ليس لمجرد التغلب على الأزمة وإنما لاستكمال العمل من أجل الخروج من الأزمة بأوروبا أقوى وأكثر اتحادا وتنافسية، وتعتمد على النمو المستدام، وهذا التزام على الجيل الحالي، من أجل الأجيال القادمة من الأوروبيين».

يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه اللقاءات الثنائية بين قادة دول منطقة اليورو، لحث سبل الخروج من الأزمة، ومنع انتقالها إلى دول جديدة بعد أن ضربت اليونان وآيرلندا والبرتغال، وتتركز المحادثات حاليا حول مساعدة اليونان، وسبل تفادي أي مشكلات جديدة للاقتصاد الإسباني والإيطالي، وعلى هامش هذه اللقاءات أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بسياسة الإصلاح التي يتبعها رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، وذلك في أعقاب المحادثات الثنائية التي جمعتهما في برلين. وتطرقت ميركل في لقائها إلى تثبيت مؤثر وواسع المدى للموازنة، وأجندة إصلاح الحكومة الإيطالية، مؤكدة أهمية مواصلة تطبيق تلك الأجندة تدريجيا ومواصلة الجهود بشكل مشترك. واختلف كل من ميركل ومونتي فقط في الموضوع المتعلق بآلية الاستقرار الأوروبي الذي تطالب به روما.

وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل: «سوف أقتبس مرة أخرى من رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، مقولته منح الترخيص للبنوك الأوروبية بآلية استقرار لا يتوافق مع معاهدات الاتحاد الأوروبي، وهذا هو اعتقادي أيضا».

من جهته حاول مونتي كسب دعم ألمانيا بخصوص مبادرات النمو الاقتصادي، وأبدى سروره من أن الأسواق المالية بدأت أخيرا تعترف بالجهود التي تبذلها إيطاليا لتحسين وضعها المالي، وقال رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي: «أوروبا نفسها هي التي تسمح لكل بلد، وتطلب منه أن تكون له احتمالات على المدى الطويل على سبيل المثال، في أوروبا الحالية، لا يمكن لبلد واحد أن يقلص عجزه مستقبلا وحول الأجيال القادمة كما كان ممكنا في الماضي».

وأعربت المستشارة الألمانية عن قناعتها الشخصية بأن جهود الإصلاح ستؤتي ثمارها وأن قدرة أوروبا على المنافسة ستتحسن في الوقت ذاته، ووصفت الإصدار الأخير للسندات الإيطالية بأنه يعد بمثابة إشارة تبعث على الأمل.

وفي الشأن اليوناني، يعتزم وزير المالية اليوناني، يانيس ستورناراس، زيارة برلين الأسبوع المقبل لعقد اجتماع مع نظيره الألماني فولفغانغ شويبله. ومن المنتظر أن يتطرق الوزيران إلى مطلب اليونان بمنحها المزيد من الوقت لكي تتمكن من إجراء استقطاعات جديدة، حيث ترى أثينا بصعوبة تطبيق إجراءات تقشف جديدة في الوقت الذي لم يسجل فيه اقتصادها أي نمو. وتأتي زيارة ستورناراس إلى ألمانيا قبل قيامه باستقبال وفد «الترويكا» في بلاده، الذي ينبغي أن تقدم له الحكومة اليونانية حزمة جديدة من الاستقطاعات لتوفير 11 مليارا و600 مليون يورو.

وأكدت وزارة المالية اليونانية أن ستورناراس من المتوقع أن يزور برلين الثلاثاء المقبل، على أن يجتمع الأحد التالي له في أثينا مع وفد «الترويكا» المكون من خبراء المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وذكرت تقارير إعلامية أن مسؤولي «الترويكا» سيصلون في السابع من الشهر الحالي إلى أثينا، قبل يومين من الاجتماع مع وزير المالية اليوناني، إلا أن هذا لم يتسن التأكد من صحته من مصادر رسمية. ومن المتوقع أن يقوم وزير المالية خلال هذه اللقاءات بتقديم قرارات حكومة بلاده لتوفير 11.6 مليار يورو، وهو الشرط الذي وضعته «الترويكا» لصرف الدفعة الجديدة من المساعدات لأثينا.

وفشلت الأحزاب الـ3 المكونة للحكومة الائتلافية حتى الآن في التوافق حول التدابير اللازم اتخاذها من أجل تطبيق هذه الاستقطاعات. وفرض الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على اليونان هذه الاستقطاعات على أن تطبق خلال الفترة ما بين 2013 و2014 من أجل مواصلة تقديم المساعدات للبلد الأوروبي.

وقال بيان لرئاسة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن فان رومبوي التقى الثلاثاء الماضي في مدريد، مع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، لبحث تطورات أزمة القطاع المصرفي والمساعدة الأوروبية في هذا الصدد، كما سيتوجه فان رومبوي في الرابع والخامس من الشهر الحالي إلى كل من برلين وباريس، حيث أول وثاني أهم الاقتصادات الأوروبية، للتباحث حول تطورات أزمة الديون السيادية التي تواجهها منطقة اليورو.

وفي مدريد جرى الإعلان عن لقاءات مرتقبة لرئيس الحكومة الإسبانية مع المستشارة الألمانية ونظيره الإيطالي خلال الشهر الحالي، ويأتي ذلك بعد أن قال وزير الاقتصاد الإسباني، لويس دي جيندوس، إن المصارف الإسبانية التي تحتاج للمساعدة الأوروبية لن تحصل إلا على القيمة التي ستحددها المؤسسة الاستشارية (أوليفر وايمان) حين تنتهي من التقييم الذي تجريه للقطاع المصرفي الإسباني في سبتمبر الحالي.

وأوضح دي جيندوس، في مقابلة نشرت في صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون»، أنه في حال وجود اختلافات بين ما ستطلبه البنوك وما ستقرره «أوليفر وايمان»، فإن الكلمة الأخيرة ستكون لمؤسسة الاستشارات العالمية، إلا أنه استبعد أن تزيد حاجات المصارف الإسبانية على الـ62 مليار يورو التي أعلنت عنها السلطات الإسبانية في أول تقدير صدر في يونيو (حزيران) الماضي، بما يقل عن الـ100 مليار يورو التي عرضتها أوروبا على إسبانيا.

ونفى وزير الاقتصاد الإسباني كذلك أن تنتهي عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي في بلاده بإغلاق بعض البنوك. وأضاف أن استمرار حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها إسبانيا لن تحول دون الوفاء بأهداف الإصلاح المالي، مشيرا إلى أن عوائد ضرائب الدخل تتفق مع مخططات الحكومة، كما أبدى تفاؤله حيال القطاع العقاري.

وتمر إسبانيا بأزمة اقتصادية حادة، لا سيما بعد أن دخل اقتصاد البلاد في حالة ركود، بينما وصلت معدلات البطالة إلى ذروتها مسجلة 24.63 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي ألزمت الحكومة الإسبانية المؤسسات المالية على رفع معدل احتياطيها من نسبة 8 في المائة إلى 9 في المائة، وهي النسبة التي كانت تطلب فقط من المصارف الـ5 الكبرى في البلاد وهي: «سانتاندير»، و«بي بي في إيه»، و«البنك الشعبي»، و«لا كايشا»، و«بي إف إيه بانكيا».

وذكرت مسودة المرسوم الملكي الذي يوضح شروط المذكرة التي تسمح لإسبانيا بتلقي حتى 100 مليار يورو لإصلاح المصارف أنه سيتعين على المصارف الإسبانية تطبيق الشروط الجديدة في الأول من يناير (كانون الثاني) من عام 2013 وتقديم للبنك المركزي استراتيجية ومواعيد لبلوغ نسبة 9 في المائة قبل نهاية يونيو من عام 2013.

وكانت حكومة خوسيه لويس رودريغز ثاباتيرو قد رفعت شروط رأس المال للمصارف الإسبانية في فبراير (شباط) من عام 2011. وحددت حينذاك ضرورة تمتع المؤسسات المالية برأسمال بنسبة 8 في المائة من أصولها المعرضة للخطر، وهي النسبة التي ارتفعت إلى 10 في المائة لصناديق الادخار.

يأتي ذلك بينما تبحث إسبانيا مع الدول الأعضاء في منطقة اليورو في الشروط لتلقي مساعدات مالية جديدة إلى المصارف بعدما وصلت معدلات الفوائد على سندات ديونها الأسبوع الماضي إلى أعلى معدلات لها منذ تأسيس منطقة اليورو. هذا في ظل البحث عن أي تحركات جديدة من قبل البنوك المركزية لدعم الاقتصاد المتداعي، لا سيما مع طول أمد أزمة الديون السيادية في أوروبا وعدم الوصول إلى خارطة طريق واضحة حتى الآن للخروج من براثن الأزمة.

وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي قد أعلن أنه سوف يقوم بكل ما في وسعه لاحتواء الأزمة، فإنه لم يعلن حتى الآن عن أي تفاصيل جديدة بشأن كيفية تنفيذ خطط جديدة للإسهام في الحد من ارتفاع تكلفة الاقتراض على الديون السيادية الأوروبية للدول الأكثر تعثرا، وقد يضطر إلى الإعلان عن تلك التفاصيل بعد قرار المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا في الثاني عشر من الشهر الحالي بشأن خطط الدعم الأوروبية.

ومن برلين طالبت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأن يتفق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي العام الحالي على تشكيل مجموعة عمل لإقامة إطار قانوني جديد بمزيد من التكامل للدول الـ27 الأعضاء، وذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية، أن نيكولاس ماير لاندروت، مستشار السياسة الأوروبية لميركل، أبلغ عن طلب المستشارة الألمانية في محادثات عقدت ببروكسل.

وأوضحت المجلة أن المستشارة الألمانية ترغب في تحديد موعد معين في قمة الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل لتشكيل مجموعة عمل مكلفة صياغة المعاهدة الجديدة للاتحاد الأوروبي. وأفادت المجلة بأن ميركل تضغط منذ فترة على شركائها الأوروبيين لإتمام الاتفاق المالي الذي توصلت إليه دول مجموعة اليورو باتحاد سياسي.

وتتضمن خطط ميركل تلقي المحكمة الأوروبية إسهامات للإشراف على الميزانيات الوطنية للدول الأعضاء واختصاصات لمعاقبة من لم يطبق معايير خفض العجز. وأضافت المجلة أن شركاء آخرين مقربين من ألمانيا، مثل بولندا، يعارضون مبادرة ميركل لاعتبار أن هناك احتمالات قليلة للتوصل لاتفاق بين الشركاء الـ27 في الاتحاد.