«ألي كورب» تطلق حفنة شركات تكنولوجية من «زقاق السيليكون»

ترسم التحول الكبير في حجم التسوق عبر الإنترنت

كيفين ريان
TT

يتكئ كيفين ريان على مقعد فخم داخل مكتبه في شارع «بارك أفينيو»، وهو يرتدي سترة من طراز «لوتشيانو باربرا» وساعة «رولكس» عتيقة الطراز، وتوجد على الحائط صورة تجمع بين ريان والرئيس أوباما، وتتدلى من الباب عباءة مزخرفة من تصميم «أوسكار دو لا رينتا».

إنه ليس واحدا من صفوف الشباب من أصحاب المشروعات الجديدة في وادي السيليكون، بل إن ريان، الرئيس التنفيذي لشركة «غيلت غروب» ومؤسس الكثير من شركات الإنترنت الكبرى، هو واحد من أكثر الشخصيات تأثيرا في عالم التكنولوجيا، حيث يتمتع بسيرة مهنية تعكس صعود المشهد التكنولوجي في نيويورك. ويتولى ريان ودوايت ميريمان معا إدارة مصنع للمشروعات الجديدة يدعى «ألي كورب» في «زقاق السيليكون»، وهو اسم الشهرة للمنطقة الموجودة في نيويورك والمناظرة لمنطقة وادي السيليكون. وقد أطلق هذا المصنع شركات لا يوجد بينها أي شيء مشترك تقريبا، من التجارة الإلكترونية إلى النشر إلى برمجيات قواعد البيانات. وعندما سئل عن سلة المشروعات الجديدة هذه، ابتسم ريان وقال: «هل تعني أن لدي مشكلة في التركيز؟».

فموقع «gilt.com»، الذي يبيع السلع الفاخرة مثل الملابس الراقية وعروض الإجازات، يفكر في طرح أسهمه في البورصة العام القادم. وشركة «بيزنس إنسايدر»، وهي شركة أخرى تابعة لمجموعة «ألي كورب»، تعمل في مجال نشر المدونات ولديها 19 مليون قارئ شهريا، ويديرها هنري بلودجيت محلل أسهم الإنترنت السابق سيئ السمعة. وشركة «تين جين»، التي تصنع برمجية «مونغو بي دي» (MongoDB) مفتوحة المصدر لقواعد البيانات التي تستخدم في شركات مثل «ديزني» و«فورسكوير»، تم تقدير قيمتها بمبلغ 500 مليون دولار من قبل مجموعة من الرأسماليين المغامرين الذين استثمروا 50 مليون دولار فيها خلال شهر مايو (أيار) الماضي.

وهذه الشركات تسهم في زيادة دور نيويورك كمركز للإنترنت، وخاصة بالنسبة للجيل الجديد من شركات الإعلام الإلكتروني وتجارة التجزئة. ففي العام الماضي، جذبت 256 شركة تكنولوجية جديدة في نيويورك استثمارات بلغت 2.2 مليار دولار، بارتفاع من 149 شركة حققت 1.3 مليار دولار قبل 5 أعوام، وذلك طبقا لما ذكرته «الجمعية الوطنية لرأس المال المغامر».

وقال ريان: «وادي السيليكون في جيله الخامس. نحن في جيلنا الثاني أو الثالث من أصحاب المشروعات في نيويورك، بالإضافة إلى توافر بنية تحتية أكبر وأفضل لدعمه، لذا فإن المشهد يتسع سريعا». وقد صنع ريان اسمه خلال الطفرة التكنولوجية الأولى وقت أن كان رئيسا تنفيذيا لشركة «دوبل كليك»، وهي شركة الإعلانات الرقمية التي اشترتها شركة «غوغل» عام 2007 مقابل 3.1 مليار دولار. وعلق كريس ديكسون، وهو مستثمر وصاحب مشروعات تكنولوجية في نيويورك، قائلا: «إنه لا يتناسب مع قالب وادي السيليكون إلى هذا الحد، لكنه بالتأكيد واحد من أبرز الناس هنا. لقد انطلق وفعل هذا الشيء الذي يحلم به أصحاب المشروعات، وهو إطلاق الكثير من الشركات والوصول بها إلى النجاح الحقيقي».

ويقوم أصحاب المشروعات المتمرسون بممارسة صور مختلفة من فكرة وجود مصنع للشركات الصغيرة، مثل إيفان ويليامز وبيز ستون، وهما اثنان من مؤسسي موقع «تويتر» ويتوليان حاليا إدارة معمل للمشروعات الجديدة يدعى «أوبفيوس»، وكريغ ووكر مبتكر التقنية التي أصبحت الآن «غوغل فويس» (Google Voice) ويتولى حاليا إدارة شركة «فايرسبوتر لابس». وقد أنشأ كيفين روز، وهو مؤسس مشارك لموقع «ديغ»، شركة مماثلة تدعى «ميلك» قبل أن يلتحق بشركة «غوغل» في شهر مارس (آذار) الماضي. ويشبه ريان أسلوبه بطريقة المواعدة، حيث يجرب مجموعة من الشركات الجديدة ويرى ما الذي سينجح منها، فقد اعتاد هو وميريمان على تأسيس الشركات ثم الاستعانة ببعض الناس لإدارتها حينما تبدأ في الانطلاق. وفي حالة شركة «غيلت»، استعان ريان بأليكسيس مايبانك وألكسندرا ويلكيس ويلسون كمؤسسين مشاركين، ثم عاد إلى إدارتها بنفسه بعد أن تحولت إلى شركة كبيرة. وهو يقضي معظم وقته حاليا في شركة «غيلت»، لكنه يقسم 10% من وقته ما بين شركتي «بيزنس إنسايدر» التي يرأس مجلس إدارتها وشركة «تين جين» التي يشغل عضوية مجلس إدارتها، بينما يشغل ميريمان منصب الرئيس التنفيذي بالأخيرة. كما قامت شركة «ألي كورب» بالاستحواذ على شركتين أخريين، وهما شركة «شوب ويكي» للتسوق عن طريق المقارنة وشركة «بانذر إكسبرس» لتوصيل المحتوى عبر الويب، ولكن بأسعار ليست مرتفعة بما يكفي لجعلهما صفقتين رابحتين.

وأفكار ريان ليست جديدة، فقد استعار فكرة «صفقة اليوم» (flash sale) التي يطبقها بشركة «غيلت» من موقع vente - privee.com، وهو موقع متخصص في صفقات اليوم في فرنسا، كما تسير شركة «بيزنس إنسايدر» على خطى شبكات المدونات مثل «غوكر ميديا»، وتشبه البرمجية التي تنتجها شركة «تين جين» برمجية «ماي إس كيو إل» (MySQL) الخاصة بشركة «أوراكل». وذكر ريان: «لا يوجد أي شيء مما يعتبر فكرة جديدة حقا على مستوى العالم. ما يجعل الشركات ناجحة هو ابتكار صورة مختلفة من شيء ما». وهو يعتبر أن أكبر مهارة لديه هي الاستعانة بالأشخاص المناسبين، وقد بدأ هؤلاء الناس بصورة متزايدة يوجدون في نيويورك بدلا من منطقة خليج سان فرانسيسكو.

وعندما لم تكن التكنولوجيا تعني شيئا سوى الأجهزة والشرائح الإلكترونية، كان وادي السيليكون - الذي توجد به إدارة علوم الكومبيوتر التابعة لـ«جامعة ستانفورد» وقطع كبيرة من الأراضي الخاصة بالمصانع الكبرى - هو مركز النشاط بلا منازع، أما اليوم فإن إنشاء الشركات التكنولوجية الجديدة بدأ يتجه أكثر إلى تجارة التجزئة أو الإعلام أو الإعلانات - وهي صناعات تتركز جميعها في نيويورك. وأوضح ريان: «إذا أردت صحافيين ماليين، فالواقع يقول إن هناك المزيد منهم في نيويورك. إذا أردت متخصصين في الأزياء، فهناك المزيد منهم بمقدار 10 أضعاف في نيويورك. إذا أردت البيع لوكالات الإعلان، فأنت في نيويورك». وتابع قائلا: «إنك ترى بالفعل قطاعات ضخمة من الإنترنت تسود في نيويورك، وهي لا تتنافس مع سان فرانسيسكو لكنها تسود».

ولا يستثمر ريان كثيرا في وادي السيليكون، وذلك في الغالب لأنه يرى أنه لا يناسب شركاته، حتى فيما يتعلق بجمع الأموال، وهو ما يقول إنه تغير منذ أن حدثت الطفرة التكنولوجية الأولى في تسعينات القرن العشرين. فمن بين 16 جولة من التمويل وفرها لشركاته خلال الأعوام الخمسة الماضية، جاءت اثنتان منها فقط من شركة رأس مال مغامر في منطقة الساحل الغربي، وهي شركة «سيكويا كابيتال».

* خدمة «نيويورك تايمز» ولو كان ريان قد ظهر في وادي السيليكون، لكان بالتأكيد قد ظهر كشخصية لافتة للنظر، فعلى عكس مؤسسي الشركات من نوعية مارك زوكربرغ، فإن ريان (48 عاما) متزوج ولديه 3 أطفال في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي. ثم هناك السترات التي يرتديها، إذ يقول إن عالم شركات الإنترنت في نيويورك أكثر رسمية إلى حد ما، والملابس الشبابية المنتشرة في وادي السيليكون لن تتناسب مع حفلات الكوكتيل في نيويورك، وأضاف: «بالنسبة لي، فإن مظهر ارتداء السترة من دون ربطة العنق يصلح للظهور به في أي مكان». وأيضا، على عكس معظم أصحاب المشروعات التكنولوجية، فإن ريان لا يعلم كيفية كتابة شفرة البرمجيات، حيث يؤكد أن ميريمان، الذي كان المؤسس المشارك والرئيس التكنولوجي لشركة «دوبل كليك»، هو الذي يقدم الأفكار الفنية للشركات.

ويمتد طموح ريان إلى حياته الشخصية، فهو يتدرب على السباقات الثلاثية «الترياثلون» ويمارس تنس الطاولة على المستوى التنافسي (ومن يعملون في شركة «غيلت» ينبهون الموظفين الجدد إلى البقاء بعيدا عن ريان وهو يلعب أمام الطاولة). ثم هناك أيضا ولعه الشديد بعيد «الهالوين»، فمنذ عامين ارتدى زيا غريبا، حيث ظهر من دون سروال ولم يكن يرتدي سوى معطف قام بفتحه كي تبدو تحته صور للأشياء التي تقدمها شركة «غيلت»، مثل الساعات والملابس الداخلية وعروض الإقامة في أحد فنادق باريس.

وبعد أن قضى بضع سنوات في «وول ستريت» والعمل في إدارتي المالية والعمليات التشغيلية بشركة «ديزني»، حط ريان الرحال في شركة «يونايتد ميديا» حينما كان الإنترنت في بدايته، وفي عام 1995 أسس موقع «ديلبيرت» الإلكتروني، الذي حقق انطلاقة سريعة لأن معظم مستخدمي الإنترنت الأوائل كانوا من محبي المجلة المصورة «ديلبيرت». وختم ريان قائلا: «عندما جئت إلى هنا عام 1996. كان الجميع يسألونني: «لماذا لم تذهب إلى سان فرانسيسكو؟ لماذا لم تذهب إلى بوسطن؟ اليوم، لا أحد يسألني عن ذلك».