قلق في مصر من خروج البنوك الأوروبية من السوق المحلية

مساع قطرية وتركية لشراء «الأهلي سوستيه» و«باريبا»

TT

في أقل من شهر واحد يعرض أكبر بنكين في فرنسا بيع مصارفهما في مصر، وعلى الرغم من تأكيد البنوك أن البيع يأتي تحت وطأة الظرف المالي المتأزم للمراكز الرئيسية للبنوك الأوروبية؛ إلا أن المخاوف تتصاعد من أن يكون خروج البنوك الفرنسية من السوق المصرية بسبب أوضاع البلاد.

وأعلنت مجموعة «سوستيه جنرال» ثاني أكبر البنوك الفرنسية يوم الخميس الماضي أن بنك قطر الوطني (QNB) أبدى رغبته في استحواذ محتمل لحصتها في وحدته بمصر البنك «الأهلي سوستيه جنرال»، والتي تمتلك أسهم الأغلبية فيه والبالغة 77.17 في المائة. وقال مصدر من داخل البنك في مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «تخارج المجموعة الفرنسية من السوق المصرية، يأتي ضمن خطة البنك الأوروبي للتخلص من بعض الأصول خارج فرنسا، بسب الأزمة المالية التي تعانيها السوق الأوروبية؛ حيث يعمل البنك الفرنسي على بيع بعض وحدتها الخارجية، وقطع شوطا كبيرا في بيع وحدته في اليونان».

وأضاف المصدر: أن «(سوسيتيه جنرال الفرنسي) قد دخل في مفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة مع بنك (بيريوس) اليوناني بشأن بيع وحدته اليونانية (جينيكي)».

وقال المصدر، إن «تحقيق أرباح من قبل «سوسيتيه مصر» لا يمنع بيعه، فمشاكل المجموعة الرئيسية أدت إلى التقشف والتخلص من بعض الوحدات»، مشيرا إلى أن البنك تخلص من بعض موظفيه على مستوى العالم ولم يقترب من مصر بسب تحقيق البنك في مصر أرباحا؛ حيث أظهرت نتائج أعمال البنك خلال النصف الأول من العام الحالي تحقيق صافي ربح بلغ 785.57 مليون جنيه (129.6 مليون دولار)، بزيادة نسبتها 7.1 في المائة• مقارنة بصافي ربح بلغ 733.20 مليون جنيه (120.4 مليون دولار) خلال نفس الفترة من العام الماضي.

كانت المجموعة قد أعلنت في بيان لها يوم الخميس الماضي، أنه وفقا للقانون المصري فقد تم تقديم طلب إلى البنك المركزي المصري للموافقة على بدء عملية الفحص النافي للجهالة على «سوستيه جنرال - مصر»، من قبل البنك القطري، وأضاف البنك أن المناقشات في مرحلة أولية ولا يمكن التيقن إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق.

في الوقت ذاته أكدت مصادر مصرفية في السوق المصرية أن بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي سوف يتلقى عروضا أولية لشراء وحدته المصرفية في مصر خلال الأيام المقبلة، في صفقة من المحتمل أن تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليون دولار. ويرغب بنك «بي إن بي باريبا» في بيع وحدته بالسوق المصرية من أجل تعزيز قاعدته الرأسمالية والخروج من أنشطة غير رئيسية، وفقا لما صرحت به مصادر بنكية، وسط مشاكل تعانيها البنوك الأوروبية التي اتجهت إلى تقليص أنشطتها في بعض الدول.

وقال مصدر قريب من البنك في مصر إن «بي إن بي باريبا» لديه حصة صغيرة نسبيا في السوق المصرية لا تتجاوز واحد في المائة، ولكنه يمتلك قدرات جيدة على النمو وسط انتشار للفروع يصل إلى 70 فرعا، فضلا عن سلامة محفظة قروضه من الديون المتعثرة سيئة السمعة. وأوضح المصدر أن البنك ما زال يختبر أي إعلان عن رغبات محتملة تظهر لهذه الصفقة، في الوقت التي أشارت فيه مصادر مصرفية إلى أن البنوك التركية والقطرية تأتى في مقدمة البنوك التي تولي أهمية للقطاع المصرفي المصري في ظل التقارب السياسي الموجود مع الإدارة المصرية، وعدم وجود بنوك للدولتين داخل السوق.

وتعد بنوك «إيش التركي»، و«أبوظبي الوطني»، و«وفا المغربي» من البنوك المرشحة بقوة للتنافس علي شراء وحدة البنك الفرنسي في مصر. وكان بنك قطر الوطني مرشحا لشراء «بي إن باريبا»؛ لكن عرضه لشراء «سوسيته» سيمنعه من فحص «باريبا مصر» ووفقا للقانون. الذي يشترط موافقة المركزي للقيام بعملية الفحص.

وتقدر القيمة الدفترية لنشاط التجزئة لبنك «بي إن بي باريبا» في مصر بـ350 مليون دولار. ويحاول البنك الأم في فرنسا التخلص من بعض الأصول وتسريح موظفين إثر أزمة ديون منطقة اليورو، وهي نفس محاولة البنك اليوناني «بيريوس» الذي حاول على مدار الثلاث سنوات الماضية بيع وحدته في مصر. لكنه أعلن قبل شهر صرف النظر عن أي عروض للشراء في المستقبل القريب، والتركيز على توفير الدعم الكامل لعمليات البنك في مصر، بسبب تدني العروض التي وصلته من البنوك التي قامت بعملية الفحص الفني، وهما «وفا المغربي» و«إيش التركي».

في الوقت ذاته اعتبرت المصادر أن تجدد المحادثات في الوقت الراهن حول عمليات الاستحواذ المحتملة على البنوك المحلية، مثل «بي إن بي باريبا مصر» و«سوسيته»، سينعكس إيجابيا على تقييمات البنوك المصرية خاصة مع بوادر تحسن في العملية السياسية.

وتوقع الخبير المصرفي أحمد آدم أن تتم عمليات بيع بعض البنوك المصرية إلى بنوك عربية بالدرجة الأولى خلال الفترة المقبلة وسط أنباء عن دخول بنوك إقليمية جديدة للسوق المصرية. وأشار آدم إلى عدد من الإيجابيات لدخول بنوك جديدة في السوق منها تغطية العجز في المخصصات؛ حيث إن أغلب البنوك المصرية تعاني عجزا كبيرا في المخصصات، وستتمكن البنوك التي ستقوم بالشراء بتغطية العجز في المخصصات طبقا لبرامج زمنية تم تحديدها والاتفاق عليها مع البنك المركزي المصري.

وأضاف آدم أن جميع البنوك التي تم بيعها في وقت سابق استطاعت تغطية العجز في مخصصاتها ما عدا بنكا واحدا فقط يمكن له تغطية العجز في مخصصاته بالكامل نهاية هذا العام، وهو ما جعل محافظ البنك المركزي المصري يؤكد في مناسبات متعددة أن جميع بنوك مصر باتت حاليا تحقق صافي أرباح عدا بنك واحد فقط.

ويعتبر آدم وجود بنوك عربية وأجنبية أداة مساندة لتحقيق زيادة واضحة في الاستثمارات المباشرة الداخلة لمصر فقد أسهم تكالب الاستثمارات الأجنبية والعربية على القطاع المصرفي المصري في زيادة واضحة بالاستثمارات المباشرة الداخلة لمصر، وأثر بالتبعية على صافي الاستثمار المباشر مما انعكس إيجابيا على ناتج ميزان المدفوعات. إلا أن الأزمة العالمية أحدثت تباطؤا في الاستثمارات المباشرة الداخلة لمصر، ثم جاءت تداعيات ثورة 25 يناير لكي تظل مصر في حالة من عدم الاستقرار، تنخفض معها الاستثمارات الأجنبية الداخلة لمصر لأدنى مستوياتها.

وقال آدم الذي انفردت «الشرق الأوسط» بدراسة له قبل أسابيع توقع فيها بيع بعض البنوك المصرية، إن فرصة البنوك العربية قوية جدا في السوق ومن المتوقع أن تزيد حصتها السوقية.

ونفى المصدر الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» ربط عرض البنك القطري باستحواذ على وحدة «سوسيتيه» في مصر بالتقارب السياسي بين مصر وقطر، مشيرا إلى أن القطريين يسعون منذ فترة طويلة لدخول السوق المصرية؛ لكن الخلاف مع النظام السابق حال دون ذلك، مؤكدا في الوقت ذاته علي جدية العرض وسط أنباء تشير إلى ترشيح البنك القطري نفسه للاستحواذ على وحدة «باريبا الفرنسي» في مصر والتي تم إعلان المجموعة الفرنسية عن عرضها للبيع قبل أسابيع.

يذكر أن دولة قطر الوحيدة من دول الخليج التي لا تمتلك بنكا داخل السوق المصرية، وسط نشاط سياسي واقتصادي لها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون ثاني) عام 2011.

وقالت المصادر إن خروج «سوسيته» و«باريبا» من مصر يخفض حصة البنوك الفرنسية داخل السوق المصرية، فلم يبق سوى بنك «كريدي أجريكول»، والذي نفى رئيسه في مصر إدوارد دريون لـ«الشرق الأوسط» قبل أسابيع نية مصرفه التخارج من مصر.