تفاقم أزمة اليورو يعجل بعودة الاستثمارات السعودية المهاجرة

نمو الودائع مؤشر على عودتها

الريال السعودي يستفيد من متانة الرصيد الأجنبي وتدفقات الأموال من الخارج
TT

اعتبرت دوائر اقتصادية وخبراء في التعاملات المالية, نمو الودائع الادخارية, والحسابات الجارية في البنوك المحلية والعاملة في السعودية, مؤشرا لعودة الأموال السعودية والخليجية المهاجرة لأكثر من 20 عاما، في عدد من الدول الأوروبية.

ورجح الاقتصاديون أن يسجل العام الجديد 2013 زيادة في فتح الحسابات الجارية, وذلك بهدف الدخول في مشاريع استثمارية متنوعة, في مقدمتها الاستثمار في سوق الأسهم التي تشهد ثباتا مقارنة مع الأسواق العالمية, إضافة إلى قطاع العقار في المدن الكبرى، الذي سجل مستويات عالية من السيولة النقدية في هذا القطاع.

وعلل الاقتصاديون أسباب عودة الأموال المهاجرة إلى عدة عوامل منها, أزمة الديون في منطقة اليورو, التي دفعت ببعض الدول لبيع أصولها العقارية لتسير أمور الدولة على الرغم من التدخلات الأوروبية بتقديم قروض مالية لعدد من دول المنطقة, تجاوزت في بعضها 100 مليار لإنقاذ البنوك الإسبانية وتهدئة مخاوف الأسواق العالمية, نتج عنها ارتفع تكلفة الإقراض لإسبانيا وإيطاليا. وفي هذا الصدد، قال الدكتور سعيد شيخ كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي: «إن الأوضاع الاقتصادية العالمية, وما يسجله خام النفط, والذهب في التداولات، تدفع المستثمرين على وجه العموم, والأموال المهاجرة السعودية والخليجية، للبحث عن أسواق أكثر أمنا, لاستثمار تلك الأموال في مشاريع أقل مخاطرة، وهو ما تسجله السوق السعودية، مقارنة بالأسواق العالمية».

واستطرد الشيخ أنه، ومع بداية الأزمة، في منطقة اليورو, وعدد من دول آسيا, لوحظ قلة خروج الأموال السعودية التي تتجه للاستثمار في الخارج, مقارنة عما كان عليه قبل 10 أعوام من هجرة للأموال وبشكل كبير, موضحا أن سبب خروج هذه الأموال مقترن بأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو. ولفت إلى أنه وبعد أزمة منطقة اليورو بعام واحد, سجلت السوق السعودية، وحتى العام الحالي 2012، نموا في السيولة النقدية, وذلك من خلال مستوى نمو الحسابات الجارية, الودائع الادخارية, وهناك جزء كبير من السيولة من الصعب تقديره, وذلك دليل ملموس في ظل عدم وجود بيانات رسمية, وانفتاح السوق السعودية على عودة الأموال المهاجرة للاستثمار في عدد من الدول الأوروبية. وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في يونيو (حزيران) الماضي من تنامي أزمة منطقة اليورو التي تشكل أكبر خطر على اقتصاد العالم, الذي ينعكس وفقا لبيان المنظمة على تدهور النمو العالمي, معتبرا أن تصاعد الأزمة قد يقترن باضطرابات شديدة في الأسواق المالية وزيادة حادة في العزوف عن المخاطرة على مستوى العالم، الأمر الذي سيتسبب في انكماش النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة، وامتداد الأثر إلى البلدان النامية.

وتوقع التقرير الصادر من الأمم المتحدة في حينه أن يظل النمو الاقتصادي العالمي فاترا في 2012، حيث ستنمو معظم المناطق بوتيرة أقل من إمكاناتها, مع تراجع نمو الناتج الإجمالي العالمي من 2.7 في المائة في 2011 إلى 2.5 في المائة في عام 2012.

من جهته، يرى عبد الله البطي أمين عام الغرف السعودية, أهمية عرض الفرص الاستثمارية في المملكة على كل المستثمرين في دول العالم, وتحديدا السعوديين منهم, وسيتبنى مجلس الغرف السعودية فكرة عرض الاستثمارات المحلية في كل دول العالم, مشيرا إلى أن الغرف السعودية ليس لديها برنامج أو نشاط واضح للتعامل مع عودة رؤوس الأموال المهاجرة, لقلة المعلومات عن حجم الأموال التي تحتاج تكثيف التواصل والعمل من قبل المجالس المشتركة.

وقال أمين عام الغرف السعودية إن دور الغرف التجارية في كل المدن بارز وواضح للراغبين في الاستثمار، من خلال عرض الفرص المتاحة في كل القطاعات على السعوديين والأجانب, بالتنسيق مع كل الجهات المختصة, موضحا أن هيئة الاستثمار تهدف وفق سياسة الدولة إلى توطين رأس المال السعودي، وتذليل المعوقات التي قد تصادفه. ويلفت إسماعيل الصيدلاني المستشار القانوني إلى وجود عدد من المشكلات التي تم تسجلها مع مطلع الألفية الجديدة، التي تواجه المستثمرين السعوديين في الخارج, منها التعامل بالثقة المفرطة مع الشريك الأجنبي دون الحصول على الضمانات الكافية لحفظ حقوقه في حال نشوب أي خلاف بين الطرفين, وهذه الفئة تتمثل في بعض رجال الأعمال الذين يقومون بإدخال رأس المال بطريقة غير مشروعة، الأمر الذي يتسبب لهم في مشكله أثناء عملية إخراج الأرباح أو رأس المال من خلال مصادرة الأموال, إضافة إلى عدم لجوء رجال الأعمال إلى المحامين المختصين في الدول المراد الاستثمار فيها, أو الجهات الحكومية لشؤون الاستثمار الأجنبي الخارجي, مع معرفة النظام الضريبي في تلك الدول. وأشار الصيدلاني إلى استهانة بعض رجال الأعمال بالعقوبات والغرامات المالية الصادرة بحقهم بسبب تراكم الضرائب, الذي ينتج عنه فوائد مالية وغرامات مالية وجزائية كالحجز والتحفظ والمصادرة والإبعاد, كذلك عدم احترام الأنظمة الاستثمارية والتحايل عليها للتهرب من بعض الإجراءات, معتبرا أن هذه العوامل السابقة, مع الأحداث الاقتصادية الأخيرة تعجل برجعة رأس المال السعودي والخليجي للاستثمار محليا. وتتنافس في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة جميع دول العالم لخلق أفضل المناخات لجذب الاستثمارات الأجنبية, بتخصيص الأراضي وتخفيض الضرائب وتسهيل إجراءات التملك, الذي تهدف من خلاله إلى رفع اقتصادها الذي تعرض لهزات على مدار السنوات الماضية.

من جهته، أكد عبد الرحيم نقي, الأمين العام لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي, إلى أهمية وجود أوعية استثمارية تستوعب عودة الأموال, وبحث قنوات جديدة للاستثمار فيها بعيدا عما هو عليه الآن لكبر حجم هذه الأموال, موضحا أن السوق السعودية ومنطقة الخليج بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار.

وقال: «إن اتحاد الغرف الخليجي يعمل بالتنسيق مع مجالس الغرف المشتركة, والأمانة العامة لمجلس التعاون, لدعم القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب, والخليجيين للاستثمار في المنطقة, مع العمل على تحسين البنية التحتية, وإعادة النظر في القطاع الخاص الخليجي», مشيرا إلى أهمية تحفيز المستثمرين لدخولهم في المنتجات الأولية في منطقة الخليج. وتحتل السعودية المرتبة الرابعة في «الحرية المالية» في التصنيف العالمي, والمرتبة العاشرة في النظام الضريبي، كما حققت المرتبة 24 عالميا كأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط, وتستحوذ على 25 في المائة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي, بينما تحتل المرتبة 13 ضمن 181 دولة في التصنيف العالمي، من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال.