المغرب: تحصيل الديون الحكومية من حسابات الشركات والأفراد أدى لارتباك السوق المصرفية

خبراء استبعدوا تهريب رساميل إلى خارج البلاد بسبب تداعيات «الربيع العربي»

بنك المغرب المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

قلل خبراء من أهمية هروب رساميل من المغرب بسبب «الربيع العربي» وتداعيات الأزمة العالمية، بينما أكدت مصادر مصرفية أن البلاد عرفت في الأشهر الماضية ارتباكا وعمليات سحب ودائع مصرفية بعد لجوء المصالح الحكومية في الأشهر الأخيرة إلى تحصيل ديونها على الشركات مباشرة من حساباتها المصرفية بعد حجز حساباتها، مشيرين إلى أن هذه الظاهرة عرفت تفاقما خلال مناقشة اقتراح إنشاء ضريبة على الثروة في البرلمان قبل أن يتم سحبه من طرف الحكومة.

وقال مصدر مصرفي إن عمليات سحب الودائع المصرفية بدأت في نهاية العام الماضي، عندما قامت الحكومة السابقة بتطبيق قانون يتيح للمصالح الحكومية، مثل إدارة الضرائب والجمارك والصناديق الاجتماعي، إمكانية اللجوء إلى تحصيل ديونها على الأفراد والشركات مباشرة من حساباتهم المصرفية.

وأوضح المصدر أن هذا القانون رغم أنه كان موجودا من قبل فإنه لم يكن يطبق، غير أن الضائقة المالية التي عرفها المغرب في العامين الأخيرين دفعت بالحكومة إلى تطبيقه بشكل تصاعدي في الأشهر الأخيرة، خصوصا بالنسبة للشركات والأشخاص الذين يماطلون في أداء ما في ذممهم لصالح الإدارات الحكومية.

وأضاف المصدر أن الوضع عرف تفاقما خلال مايو (أيار) الماضي عندما طرحت مسألة فرض ضريبة على الثروة للمناقشة في البرلمان، قبل أن يتم سحبها من طرف الحكومة.

وأشار المصدر أيضا إلى تأثير قرار البنك المركزي، نهاية العام الماضي، بإلغاء التوظيفات المالية في السندات المجهولة الاسم، في سياق الإجراءات التي اتخذها من أجل محاربة غسل الأموال. وأوضح أن جزءا كبيرا من الاقتصاد المغربي، من تجار وصناعيين الذين يشتغلون في القطاع غير المنظم، والذين أحسوا أنهم مستهدفون بهذه الإجراءات، فضلوا سحب ودائعهم المصرفية.

وأكد المصدر أن الهدوء والاستقرار قد عاد للودائع المصرفية بعد سحب الحكومة لمشروع مقترح فرض ضريبة على الثروة، وتصريح رئيس الحكومة بإيقاف الخصم المباشر لديون المصالح والإدارات الحكومية من الحسابات المصرفية للأشخاص المدينين. وحول تسبب هذه الإجراءات في تهريب الرساميل إلى الخارج، قال المصدر: «لا يمكننا الجزم بوجود تهريب للرساميل في غياب إحصائيات ومعلومات موثقة ومدققة. لكن نظرا لسياق الأزمة المالية العالمية والمخاطر المرتبطة بها، فإن الراجح هو أن المودعين الذين سحبوا ودائعهم من المصارف بسبب هذه الإجراءات سيفضلون الاحتفاظ بها في خزائنهم الخاصة بدل المجازفة بها في توظيفات محفوفة بالمخاطر في الخارج. ويكفي النظر إلى حالة الأصول المالية والعقارية وأوضاع المصارف في الخارج لتأكيد هذه الفرضية».

وقلل تقرير صادر عن مجموعة «كريدي أغريكول» المصرفية الأوروبية من أهمية مسألة هروب رساميل من المغرب خلال الأشهر الماضية. وجاء في التقرير الذي صدر مؤخرا أن المغرب لم يعرف حركة مهمة لتهريب الرساميل في سياق «الربيع العربي» وتداعيات الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أن المغرب يمكنه مواصلة الاعتماد على نظامه المصرفي ومخزونه من العملات الصعبة، إضافة إلى قدرة البنك المركزي على معالجة تقلبات سعر الصرف بين اليورو والدولار، رغم توقع تراجع الاحتياطي المغربي من العملات إلى ما دون 4 أشهر من الواردات في نهاية العام الحالي.

ووصف التقرير حالة المالية العامة بأنها صعبة لكن ليس ميؤوسا منها. وقال إن تباطؤ الاقتصاد الأوروبي، وهبوط الإنتاج الزراعي للمغرب، وارتفاع سعر النفط، وضعف أداء قطاع السياحة، وارتفاع النفقات الاجتماعية للحكومة، جعلت المالية العامة غير قابلة للاستمرار إلى ما بعد 2012. وتوقع خبراء المجموعة المصرفية الأوروبية أن يضطر المغرب، في حالة تفاقم الركود الاقتصادي في أوروبا، إلى انتهاج سياسة تقشفية متشددة أو اللجوء إلى مساعدات أجنبية، معتبرا أن هذا الخيار الأخير يبقى مفتوحا وواردا. كما أشار التقرير إلى أن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد يؤثر على الحكومة الحالية التي تتشكل، على حد قوله، من غالبية هشة، مشيرا إلى وجود عدة بدائل لتشكيل غالبية جديدة.

ويقول الخبير المغربي عبد القادر بوخريس، رئيس لجنة الضرائب لدى اتحاد رجال الأعمال المغاربة، لـ«الشرق الأوسط» إن المغرب عاش كغيره من بلدان المنطقة ظروفا صعبة خلال السنة الماضية، مشيرا إلى أن عام 2011 كانت سنة انتقالية بالنسبة لبلدان المنطقة. وأضاف بوخريس: «هناك بلدان لا تزال متعثرة ولم تستطع الخروج من هذه المرحلة الانتقالية، في حين أن المغرب تمكن من عبورها في وقت قصير، وذلك بفضل سرعة تفاعل العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتجاوب الكبير بين الملك والشعب. ويمكن القول إن نجاح الإصلاحات السياسية التي عرفها المغرب، انطلاقا من اعتماد الدستور الجديد وإجراء انتخابات سابقة لأوانها وصولا إلى تشكيل الحكومة الجديدة، قد أسهمت في تبديد المخاوف واسترجاع الثقة بشكل سريع».

من جهتها استبعدت مريم بن صلاح شقرون، رئيسة اتحاد رجال الأعمال المغاربة، لجوء رجال الأعمال المغاربة إلى تهريب رساميل إلى الخارج بشكل مكثف. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن الاحتفاظ بالأموال داخل المغرب وضخها في الاقتصاد الوطني أسهل بالنسبة لرجال الأعمال المغاربة من توظيفها في ممتلكات وودائع في الخارج في ظل الأزمة المالية العالمية والمخاطر المرتبطة بها. وأضافت بن صلاح: «شخصيا حاولت أن أتقصى الأمر عندما تكلمت بعض الصحف عن تهريب الأموال إلى الخارج. لكنني لم أجد شيئا. لا توجد أي معطيات، ولا يمكن أن أجزم إن كان الأمر مجرد بلبلة».

وأضافت بن صالح: «في ظل الأوضاع الصعبة التي نجتازها، من الطبيعي أن يكون هناك نوع من الفتور والتقوقع وقلة النشاط والمبادرة في انتظار أن تتضح الرؤية. ولعل هذا الانتظار هو السبب في تشكل مثل هذه التهيئات».

وكانت بعض الصحف المحلية قد تداولت أخبارا عن تهريب أموال من المغرب مستندة إلى تقرير صادر عن هيئة النزاهة الدولية، وهي جمعية أميركية متخصصة. غير أن التقرير صادر في نهاية عام 2009، ويغطي الفترة من 1970 و2008. وقدر التقرير حجم الأموال التي تم تهريبها من المغرب خلال هذه الفترة بنحو 41 مليار دولار. وأشار إلى أن هذه الأموال تم تهريبها عن طريق التلاعب بفواتير التجارة الخارجية وتهدف بالأساس إلى التهرب من الضرائب. واعتمد التقرير في تقديراته على إحصائيات التجارة الخارجية وتقديره لحجم التلاعب بالأسعار المصرح بها.

ويرى عزيز لحلو، الباحث الاقتصادي المغربي وخبير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن ظاهرة تهريب الرساميل ليست جديدة على المغرب وليست خاصة به. ويقول إن كثيرا من الأثرياء الذين لا يثقون في المغرب يقومون بنقل أموالهم إلى الخارج، خصوصا مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، أو إلى جبل طارق. وأضاف أن كثيرا من هذه الأموال غالبا ما يكون مصدرها غير مشروع.