خبراء اقتصاد يشككون في نصائح صندوق النقد للسودان

قالو إنه حين يتعلق الأمر ببلدان العالم النامي فإن له مرامي أخرى

حزم من الجنيهات السودانية يعدها أحد التجار لشراء الذهب في أعقاب موجة انخفاض كبير في سعر صرف العملة السودانية (رويترز)
TT

يقول خبراء اقتصاديون إن «الإجراءات التقشفية» التي اتخذتها الحكومة السودانية مؤخرا، فاقمت من حدة الفقر في البلاد، وزادت من أزمات الاقتصاد الوطني، في الوقت الذي رأى فيه صندوق النقد الدولي آفاق الاقتصاد تحسنت تبعا لتلك الإجراءات، لكن الأمر ما زال بحاجة لتحسين جباية وتحصيل الضرائب للتغلب على فاقد إيرادات النفط.

وقال الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم كبج إن معدلات الفقر في السودان بلغت في الخرطوم 49 في المائة، و90 في المائة في شمال دارفور، ما يعني أن كل سبعة أفراد من عشرة تحت خط الفقر، أما الثلاثة الباقون فليسوا أغنياء.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن نسب الفقر في عام 2009م، بلغت حسب دراسة أجراها الجهاز المركزي للإحصاء التابع لمجلس الوزراء «المسح الأسري» 46 في المائة من سكان السودان، وفي الخرطوم أكثر من 26 في المائة، والولايات الشمالية 33 في المائة، وفي شمال دارفور بلغت 69 في المائة، وأن هذه الإحصائيات تؤشر لتفاوت كبير لا يمكن توقعه بالنسبة لبلد واحد، ويقول: «هذه هي حصيلة السياسات».

ويلفت كبج إلى أن أسعار السلع ارتفعت بطريقة جعلت الدراسة المشار إليها بحاجة لدراسة أخرى، بسبب تراجع القدرة الشرائية للعملة، وأن المقياس لاستقرار الاقتصاد هو مدى «استقرار الفقر» و«مدى ارتفاعه»، وأن الحسابات الاقتصادية العشوائية، لا تعني أن الفوارق الاقتصادية الموجودة بين الولايات قد تراجعت.

ويعتبر كبج التفاوت الاقتصادي أساسا للحرب، وأن اتفاقيات السلام لا تنهي الحروب، بل تنتهي بخلق التوازن التنموي بين الولايات، وأن الحكومة حصلت على موارد عالية بسبب البترول والذهب، لكنها استثمرتها في غير مكانها، ولم تحدث تحسينا وتوازنا في الاقتصاد والتنمية في السودان، ما حولها لـ«حكومة في مهب الريح».

ومن جهته يصف الخبير الاقتصادي د. محمد الناير شهادة صندوق النقد الدولي بأنها جاءت لصالح الاقتصاد السوداني، ويمكن أن يكون لها صداها على المستوى العالمي باعتبار الصندوق مؤسسة مالية تكتسب تقاريرها قبولا دوليا، لأن ما اتخذته الحكومة السودانية من إجراءات تقشفية يتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي، ما جعل شهادة صندوق النقد الدولي تكون إيجابية. ويضيف الناير: «الصندوق أوصى بزيادة تحصيل الضريبة، وهذا ما نادينا به كخبراء، وهو لا يعني زيادة الضرائب، بل توسع أفقي في التحصيل الضريبي بزيادة المظلة الضريبية وإدخال كل من يجب عليهم الدفع، ما يمكن أن يضاعف من حجم الإيرادات في ضريبة (القيمة المضافة، وأرباح الأعمال)، وبهذا يمكن التقليل كثيرا من حجم العجز في الموازنة الداخلية وتعويض قدر كبير من فقد الإيرادات الذي نتج عن انفصال جنوب السودان». ويضيف الناير وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»: «إن معدل التضخم أكثر من 40 في المائة، سيتراجع في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، ولكن ليس بفضل الإجراءات الاقتصادية الأخيرة وحدها». وإن عوامل أخرى تسهم في تراجع حجم التضخم، أهمهما التوصل إلى اتفاق مع حكومة جنوب السودان حول إعادة تصدير النفط (يوفر قرابة 3 مليارات دولار سنويا) واقتراب تصدير السودان للذهب المصنع باكتمال «مصفاة الذهب»، فضلا عن اقتراب السودان من إنتاج 180 ألف برميل من النفط بنهاية العام الجاري، وأن موسم الخريف هذا العام يبشر بوفرة في إنتاج الحبوب والمحاصيل الأخرى.

ويقطع الناير بأن هذه العوامل مجتمعة بالإضافة للإجراءات الاقتصادية التقشفية ستساهم في تحسن أداء الاقتصاد السوداني، وفي استقرار الأسعار أو تراجعها، وانخفاض معدلات التضخم واستقرار سعر صرف العملة الوطنية. وشكك الناير في نصائح صندوق الدولي وقال «إنها ليست بريئة»، لأنه دلاج على تقديم نصائح مفيدة لبلدان العالم الأول، لكن حين يتعلق الأمر ببلدان العالم النامي، وتحديدا السودان، فإن لنصائحه مرامي أخرى، ما جعل الحكومة السودانية ترفض الخضوع لكل نصائح صندوق النقد الدولي في أوقات سابقة، لكن يبدو أن قراراتها الأخيرة توافقت مع هذه الرؤية، لذا أشاد الصندوق بأداء الاقتصاد السوداني.

وكان صندوق النقد الدولي قد قال الاثنين إن «آفاق الاقتصاد السوداني تحسنت» منذ أن اتخذت الحكومة حزمة إجراءات تقشفية صارمة، وإنه لا يزال يحتاج إلى تحسين عملية جباية وتحصيل الضرائب للتغلب على فقدان إيرادات النفط.

وقال الممثل المقيم للصندوق في السودان بول جنكينز، حسبما نقلت «شروق نت»: «الصورة أكثر إشراقا عما كانت عليه في يونيو (حزيران)، قبل إطلاق خطة التقشف».

وأضاف أن خفض دعم الوقود وأوجها أخرى للإنفاق يمكن أن تدفع التضخم للانخفاض من 41.6 في المائة في يوليو (تموز) بعد أن كان في يناير (كانون الثاني) 19.3 في المائة.