صفقات النفط الكردية تضع حكومة العراق في مأزق

بغداد تصر على أنها تتمتع وحدها بحق تصدير النفط العراقي

أحد حقول النفط العراقية (رويترز)
TT

حينما التقى نائب رئيس الوزراء العراقي حسين الشهرستاني مع مديري شركة «إكسون موبيل» في بغداد قبل شهرين لم يستطع التحكم في مشاعره. كان غضبه يستعر وهدد أكبر مسؤول عراقي عن شؤون النفط بطرد الأميركيين من البلاد.

لم يكن من الصعب فهم أسباب غضب الشهرستاني بعد أن أزعجت «إكسون» وشركات نفط أجنبية كبرى أخرى بغداد بتوقيعها صفقات للتنقيب عن النفط مع إقليم كردستان العراقي شبه المستقل. لكن الصياح بتهديدات في وجه «إكسون» قد يكون أقصى ما تستطيع بغداد القيام به، بحسب تحليل لـ«رويترز».

وكانت شركات النفط الأجنبية وإقليم كردستان قد اختبروا صبر الشهرستاني لشهور من خلال إبرام صفقات نفطية وصفتها الحكومة المركزية في بغداد بأنها غير مشروعة. وتصر بغداد على أنها تتمتع وحدها بحق تصدير النفط العراقي. وبعد تسعة أشهر من انسحاب القوات الأميركية من العراق لا يزال النزاع بشأن عقود النفط جزءا من خلاف سياسي أكبر بين حكومة بغداد وكردستان حول حقوق النفط والأراضي والحكم الذاتي وهو الخلاف الذي يثير التوترات في الاتحاد الفيدرالي العراقي الهش.

وانضمت شركات نفط رئيسية أخرى مثل «شيفرون» و«توتال» و«جازبروم» إلى «إكسون» ووقعت اتفاقيات مع كردستان ما دفع بغداد إلى تحذير هذه الشركات من أن اتفاقياتها النفطية مع الحكومة الاتحادية ربما تكون في خطر.

لكن نفوذ «إكسون» وضع وزارة النفط في مأزق ويقول مسؤولون في أحاديث خاصة إنه من المستبعد اتخاذ أي تحرك ضد الشركة في المستقبل القريب. ولأن الشركات الكبرى الأخرى ليس لديها الكثير لتخسره مع بغداد ربما تفلت هي الأخرى في كردستان من العقاب. وتدير «إكسون» حقل غرب القرنة - 1 في جنوب العراق والذي تقدر احتياطياته بنحو 8.7 مليار برميل والذي ينتج 406 آلاف برميل يوميا وتحصل على مبالغ ضخمة من عائدات النفط التي تخص الحكومة المركزية.

وذكر مسؤول نفطي كبير شارك في صياغة عقد غرب القرنة «يجب أن نفكر أكثر من مرة قبل طرد إكسون من غرب القرنة فهي تدير حقلا ينتج إنتاجا ضخما».

وكان مديرو «إكسون» يدركون قبل اجتماع يوليو (تموز) مع الشهرستاني أنهم أغضبوا حكومة بغداد بالفعل لكن محللين يقولون إنها عملية مدروسة إذ إنهم يؤلبون المصالح المتعارضة في بغداد ضد بعضها. وكانت «إكسون» أول شركة تستعرض عضلاتها وتتحدى سلطة بغداد بتوقيع اتفاقيات مع الحكومة الإقليمية في كردستان في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي للتنقيب عن النفط في ست مناطق امتياز. ووقع العراق الذي يسعى جاهدا لإعادة بناء بنيته التحتية المتداعية سلسلة من العقود مع شركات أجنبية تهدف إلى الوصول بطاقة الإنتاج الكلية إلى 12 مليون برميل يوميا بحلول 2017 ارتفاعا من نحو ثلاثة ملايين برميل حاليا.

ويرى كثير من المحللين حاليا أن رقم ستة إلى سبعة ملايين برميل يوميا أكثر واقعية.

وتركت الأزمة مع «إكسون» الشهرستاني في موقف حرج. وقالت مصادر مطلعة على المحادثات الأخيرة إن خيبة الأمل العراقية كانت واضحة في تعاملات الشهرستاني مع «إكسون».

وأبلغ مصدر في صناعة النفط «رويترز» أنه «كان اجتماعا متوترا حقا. كان الشهرستاني حادا مع مسؤولي إكسون وحذرهم غاضبا من أنهم قد يخسرون عقد غرب القرنة إذا ما بدأوا العمل في كردستان».

وأضاف «تأزم الجو حينما قالت إكسون إنهم سيدرسون اتخاذ إجراء قانوني». وربما توفر الأوضاع السياسية المعقدة في العراق الحماية لـ«إكسون» أيضا.

ويعد الخلاف بشأن النفط أحدث مظاهر نزاع طويل عميق الجذور بين رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي ومسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان.

وذهب المالكي إلى حد أن طلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما إجبار «إكسون» على الانسحاب من الصفقة وزعم أن تصرفات الشركة تمثل تهديدا للسلام في العراق.

وقال مسؤول آخر في وزارة النفط العراقية لـ«رويترز» إن «وزارة النفط ليست الجهة المخولة باتخاذ القرارات بشأن إكسون حاليا لأنها أصبحت قضية سياسية». ويقول محللون ومسؤولون إن «إكسون» كانت ماهرة فقد وضعت بغداد وأربيل في مواجهة بعضهما برباطة جأش. والخطة هي الحصول على صفقات مربحة في كردستان وإرسال إشارات إلى بغداد بأنها قد تجمد عملياتها الضخمة في الجنوب.

وذكر مسؤول بوزارة النفط «من الواضح لنا أن إكسون بعد أن ضمنت صفقات كردستان جلست في هدوء تراقب ما ستفعله بغداد وأربيل». ويرى بعض المحللين أن الشركة تستغل الوضع السياسي عن عمد. وقال حمزة الجواهري محلل النفط المقيم في بغداد «اختارت إكسون اللحظة المثالية كي تقفز في كردستان وتستفيد من النزاع على كل شيء بين أربيل وبغداد». وليس هناك قانون ملزم ينظم شؤون النفط في الدولة العضو في «أوبك» بعد أكثر من تسع سنوات على الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. وتأجلت الموافقة النهائية على مسودة القانون التي ترجع لعام 2007 بسبب الصراعات السياسية وهو ما استفادت منه أيضا «إكسون» وشركات أخرى.

وقال علي شلال الخبير القانوني العراقي المتخصص في صياغة عقود النفط «غياب قانون للنفط ساعد في فتح طريق ضيق لشركات النفط إلى كردستان. لديهم رؤية تمكنهم من أن يدركوا أن أي اتفاق نهائي سيعود عليهم بالنفع في نهاية المطاف».

وتتمتع كردستان بقدر أكبر من الاستقرار والأمن مقارنة بباقي أنحاء العراق واجتذبت مواردها المحتملة شركات نفط صغيرة بالفعل مثل «دي إن أو» النرويجية و«غلف كيستون». لكن نزاعاتها مع بغداد أبعدت الشركات الكبرى حتى الآن.

وتعتبر بعض الشركات الأجنبية صفقات اقتسام الإنتاج في كردستان أفضل كثيرا من عقود الرسوم مقابل الخدمات التي أبرمتها مع بغداد. وتسعى بعض الشركات بالفعل إلى إعادة التفاوض على هذه العقود.

يقول صامويل سيسزوك مستشار النفط لدى «كيه بي سي لاقتصادات الطاقة» ومقرها بريطانيا «سيكون لهم نفوذ أكبر في الأغلب عما كان لديهم عند تنظيم المزادات في البداية».

ولا يمكن بعد القول ما إذا كانت كردستان ستستغل الصفقات في محاولة الحصول على قدر أكبر من الاستقلال. لكنها ترغب بالفعل في مد خطوط أنابيب نفط خاصة بها إلى ميناء جيهان التركي بحلول 2014 بهدف خفض اعتمادها على بغداد في مجال الطاقة.

وتزداد الأوضاع السياسية الإقليمية الشائكة التي تضم العراق وكردستان وتركيا تعقيدا بسبب الصراع في سوريا المجاورة وهو ما يعني أن الأمر لم يحسم بعد.

مع ذلك ليس هناك في الوقت الراهن مؤشرات على أن الشركات الأجنبية تتراجع عن علاقاتها الجديدة مع الأكراد.

يقول علي شلال «أدركت إكسون وغيرها أن السبيل الوحيد لتعويض الأرباح المتواضعة للصفقات مع بغداد هو الاستثمار في كردستان للحصول على مزيد من الأرباح بقدر أقل من المخاطر».