أوروبا تراجع سياستها في مجال إنتاج واستهلاك الوقود الحيوي

في حين تدق المنظمات البيئية ناقوس الخطر

TT

أجرى وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، مناقشات على هامش اجتماعات انعقدت في قبرص حيث الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد، وتركزت حول مراجعة سياسة الاتحاد في مجال إنتاج واستهلاك الوقود الحيوي، في وقت تدق المنظمات البيئية غير الحكومية ناقوس الخطر من آثار إنتاج الوقود الحيوي، إذا استمر مرتبطا بالعوامل الاقتصادية فيؤثر سلبا على استهلاك المياه وتلوثها بالأسمدة الكيميائية والمبيدات، كما أن الاستهلاك المكثف للأراضي يؤدي إلى جفافها. ويقول مارك أوليفييه هيرمان من منظمة أوكسفام «تحويل كميات هائلة من المواد الزراعية والغذائية إلى وقود للسيارات في حين أن في العالم مليار جائع. فالحلول تكمن بابتكار أنظمة نقل ذكية وبزيادة السيارات الكهربائية ووسائل النقل المشترك». وحسب محطة «يورونيوز» الإخبارية في بروكسل، من المتوقع أن يزداد الطلب على الوقود الحيوي في العالم فيرتفع من نحو الستين مليار لتر منتجة سنويا حاليا إلى المائة والثلاثين مليار لتر في عام 2020. ويأتي ذلك فيما بدأت المفوضية الأوروبية بإجراءات التحقيق مع شركة الغاز الروسية العملاقة «جازبروم»، حيث تشتبه المفوضية بأن الشركة تقوم بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار للاتحاد الأوروبي في أسواق شرق ووسط أوروبا. وتعتقد المفوضية أن الشركة تقوم بثلاث ممارسات مناقضة لقوانين مكافحة الاحتكار في دول الاتحاد الأوروبي بشرق ووسط أوروبا، بما يضر بحرية المنافسة، ويزيد الأعباء على المستهلكين من خلال ربط أسعار الغاز بأسعار النفط. وربع احتياطي الغاز العالمي موجود في روسيا وتأتي إيران في المركز الثاني والاتحاد الأوروبي سيبقى معتمدا على الغاز الروسي حتى التوصل إلى الحصول على الغاز من مصادر أخرى. وسبق أن توقع خبراء ومديرو شركات كبرى بمجال النفط والغاز أن يستمر البترول مصدرا مهيمنا على قطاع الطاقة خلال الثلاثين عاما المقبلة على الأقل، رغم النقاش الدائر حول الطاقات المتجددة. ويتزامن ذلك مع الجدل الجاري حاليا في أوروبا حول المحطات النووية والاستمرار في استخدامها في توليد الطاقة، واشتد الجدل في المؤسسات التشريعية داخل الدول الأعضاء ومنها بلجيكا وهولندا ودول أخرى ووصلت الأمور إلى التظاهر في الشوارع وكان آخرها ما جرى في عدة مدن أوروبية وخاصة في ألمانيا. وطالب المحتجون بإغلاق جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا وعددها 17 محطة في ضوء مشكلة المحطات النووية في اليابان نتيجة الزلزال كما أغلقت بلجيكا مؤخرا إحدى المحطات النووية بشكل مؤقت. وفي تصريحات سابقة قال المدير العام لشركة النفط المكسيكية (بيميكس) خوان خوسيه سواريز: «سيظل النفط معنا خلال الـ30 أو الـ50 عاما المقبلة». وأعرب المسؤول في الوقت نفسه عن قلقه من وجهة النظر العامة للقطاع عقب كارثة خليج المكسيك البيئية التي نتجت عن انفجار منصة بترولية تابعة لشركة «بي بي» البريطانية في أبريل (نيسان) 2010. وبدت توقعات مدير شركة «صن كور إنيرجي» ريك جورج أكثر تفاؤلا، حيث قال: إن النفط سيظل مصدرا رئيسيا للطاقة خلال القرن المقبل، معربا عن اعتقاده بأن مستويات الطلب ستصل إلى أعلى معدلاتها عام 2020. ووفقا للبنك الأميركي للتنمية، الذي نظم مؤتمرا حول مستقبل النفط وشارك فيه هؤلاء الخبراء، فإن الاستهلاك العالمي للطاقة سيرتفع بنسبة 30% بحلول عام 2030.

ويرى البنك أنه رغم الجهود العالمية الساعية نحو تعددية مصادر الطاقة، إلا أن أنواع الوقود الحفري المختلفة ستظل هي الشكل المهيمن على المجال، حيث إنها مسؤولة عن 80% من الإمدادات الحالية للقطاع. وفي إطار الجدل حول المحطات النووية في أوروبا، أعلنت عواصم أوروبية أنها لن تتردد في إغلاق أي محطة نووية في حال ثبت وجود أي خلل أو احتمالات تشكيل مخاطر، وذلك خلال الفحوصات والاختبارات التي خضعت لها المحطات النووية الأوروبية نهاية العام الحالي، وقالت الحكومة البلجيكية في بروكسل إن قرار إغلاق المحطات النووية مهما كان عددها لن يتأخر تحت أي ظروف في حال ثبت وجود قصور أو خلل قد يترتب عليه مخاطر مشابهة لما وقع في كارثة اليابان الأخيرة، وجاء ذلك بعد الاتفاق بين وزراء الطاقة بدول الاتحاد الأوروبي الـ27 على القيام بفحوص شاملة لكافة المحطات النووية للتأكد من سلامة منشآتها وقدرتها على الصمود أمام أي كارثة طبيعية، وتشمل تصميمات المباني وأنظمة الأمن والتبريد بالمفاعلات والخطط المتبعة أثناء الطوارئ وعمليات الإجلاء. وأشار جونتر أوتينجر مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي إلى وجود انقسامات بين الدول الأعضاء حول مستقبل الطاقة النووية في أوروبا، إلا أن الجميع اتفق على ضرورة تشديد إجراءات الأمن إلى أقصى درجة داخل المنشآت النووية. وتضم القارة الأوروبية 14 محطة نووية تشمل 143 مفاعلا، وفقا للأرقام الرسمية للمفوضية الأوروبية، وتملك فرنسا أكبر عدد من المفاعلات (58) وتليها بريطانيا (19) وألمانيا (17) وقالت المفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي إنها ترحب بموافقة قادة أوروبا على 4 التزامات اقترحتها المفوضية في مجال الطاقة، وأعرب رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو عن السعادة لكون كتلة قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت على 4 التزامات طرحها في مجال سياسة الطاقة. وقال: «إننا في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى سوق متكاملة للطاقة بحلول عام 2014 الذي سنتمكن من خلالها من توفير خمسة ملايين فرصة عمل وتعزيز النمو والتقليل من اعتمادنا على الطاقة الذي يكلفنا في الوقت الحاضر 210 مليارات يورو سنويا». ولفت إلى أن أوروبا بحاجة إلى بذل المزيد في مجال كفاءة الطاقة والتي تعتبر الطريقة الأسرع لخفض فواتيرنا وذلك لكي نتمكن من بلوغ أهدافنا المرجوة في عام 2020 والمتعلقة بالطاقة وخفض فواتير المستهلكين بنسبة ألف يورو لكل أسرة»، وقال بيان للمفوضية «طلب القادة من المفوضية الأوروبية تقديم قائمة بمشروعات تحقق احتياجات البنية التحتية للطاقة، إلى جانب الدعم المالي اللازم لتحقيق تلك المشروعات، ويقول رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو «نريد تطوير العمل في المستقبل بشأن 5 أولويات تتعلق بإرساء سياسة قوية في مجال الطاقة وإقامة سوق داخلية في مجال الطاقة ووضع بنية تحتية للطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي وإحراز تقدم حاسم في مجال كفاءة الطاقة بجانب إرساء نهج فعال وموحد للطاقة في إطار السياسة الخارجية الأوروبية». وأضاف: «أعتقد أن أمن وتنويع إمدادات الطاقة لدينا يمثلان واحدة من الأولويات الاستراتيجية في أوروبا».. وفي العام الماضي نبه معهد السياسات البيئية الأوروبية الاتحاد الأوروبي لضرورة إعادة النظر، على وجه السرعة، في خططه الهادفة لزيادة إنتاج ما يسمى بالوقود العضوي، التي حذر من أنها ستسبب ارتفاعا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتزيد من حدة آثار التغيير المناخي وتهدد الأمن الغذائي في البلدان النامية والفقيرة. ووصف المعهد في دراسته نشرت هذا الأسبوع في بروكسل خطط الاتحاد الأوروبي لزيادة استهلاك الوقود المسمى العضوي إلى نسبة 20% من إجمالي المحروقات المستهلكة بحلول عام 2020. وصفها بأنها «خطأ كبير». وحذرت الدراسة من أن هذه الخطط سوف تسفر عن تأثيرات اجتماعية واقتصادية وبيئية سلبية، وستؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغيير المناخي، وتهدد الأمن الغذائي وفرص العمل في القطاع الزراعي، وخاصة في الدول النامية والفقيرة. وبموجب هذه الخطط، ستستبدل زراعة إنتاج الذرة والمحاصيل الأساسية الأخرى في الدول النامية وخاصة أفريقيا، بزراعة نخيل الزيت وغيره لإنتاج الوقود المسمى العضوي. وحذر معهد السياسات البيئية الأوروبية من أن هذا التغيير في استخدامات الأراضي لإنتاج الوقود العضوي سوف يزيد من كمية الانبعاثات التي تطلق في الجو. وقدر أن خطط الاتحاد الأوروبي ستسفر عن زيادة في كمية الانبعاثات تتراوح ما بين 80.5% بين 167%. وصرحت معدة الدراسة كاترين بوير أن خطط الاتحاد الأوروبي لتخفيض الانبعاثات لن تساهم في تخفيف تداعيات المشكلة بحلول عام 2020. وأكدت أن زيادة استخدام المحروقات الزراعية التقليدية لا يمكن اعتبارها كمساهمة في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة التغيير المناخي. ونبهت إلى أنه رغم أن خطط الاتحاد الأوروبي تهدف لخفض الانبعاثات، فسيتسبب تغيير استخدامات الأراضي الزراعية لتحويلها لإنتاج الوقود العضوي، في توليد ما بين 273 و564 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الفترة 2011 حتى 2020، ما يعادل ما بين 27 و56 مليون طن سنويا. وشرحت خبيرة معهد السياسات البيئية الأوروبية أن هذه الانبعاثات الجديدة تعادل إضافة ما بين 12 و26 مليون سيارة أخرى إلى عدد السيارات الموجودة بالفعل في أوروبا بحلول عام 2020. يذكر أن الاتحاد الأوروبي أصدر في أبريل 2009 توجيهات «لتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة» بهدف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، التي يجمع معظم العلماء على أنها المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعجل بدورها بوتيرة التغيير المناخي. وتقضي هذه التوجيهات بأن تمثل مصادر الطاقة المسماة العضوية نسبة 10% من إجمالي استهلاك البنزين والديزل بحلول عام 2020. وتشير بأن «زيادة الطلب على الوقود الحيوي وحوافز استخدامه يجب ألا يشجع على تدمير مناطق التنوع البيولوجي».