الاتحاد المصرفي مصدر خلافات بين دول أوروبا

استمرار الغضب الشعبي بسبب التقشف

مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

ينعقد ببروكسل يوم الاثنين اجتماع مجلس وزراء الشؤون العامة الأوروبي، للبحث في ملفات اقتصادية ومالية وقضايا أخرى، منها الإطار المالي الأوروبي متعدد السنوات 2014 - 2020، فضلا عن تقييم السياسات المالية والاقتصادية في ما يعرف بالفصل الدراسي الأوروبي.

وإلى جانب التحضير للقمة الأوروبية المقررة منتصف الشهر المقبل تأتي المناقشات بالتزامن مع مناقشات في البرلمان الأوروبي حول الفساد والغش وغسل الأموال وتأثير ذلك على المصالح المالية للاتحاد الأوروبي، وذلك في وقت لا تزال فيه الاختلافات في الرأي بين برلين وباريس مستمرة حول مسألة الرقابة المالية على البنوك، وتطبيق خطة الاتحاد المصرفي، وظهر ذلك في تصريحات عقب قمة مشتركة جمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وعلى الرغم من ذلك، فإن الزعيمين جددا رؤيتهما لوحدة أوروبا؛ حيث قالت ميركل إن الأوروبيين موحدون من أجل سعادتهم، فيما أكد هولاند أن أوروبا هي التي ستهزم الأزمة المالية. وقالت المفوضية الأوروبية إن الخطة ستبدأ في موعدها، بحسب تصريحات أولي ريهن مفوض الشؤون النقدية والاقتصادية، ولكن وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، قال إن دخول الخطة حيز التنفيذ في هذا الموعد أمر صعب تحقيقه، بينما طالبت عواصم أخرى بالتحضير الجيد لهذا الأمر.

من جانبها، قالت رئاسة الاتحاد الأوروبي إن موعد 2013 صعب، ولكن ليس مستحيلا.

وجاء اللقاء بين ميركل وهولاند عقب لقاءات جمعت قادة أوروبيين خلال الأسبوع الماضي، وخلالها دعا رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي نظيره اليوناني أنطوني ساماراس لدى لقائه في روما إلى السير في الإجراءات التقشفية اللازمة لتتمكن اليونان من تسديد ديونها. الطرفان شددا على ضرورة الحفاظ على تماسك منطقة اليورو واستقرار الأسواق.

من جهة ثانية، التقى مونتي بنظيره الإسباني ماريانو راخوي في إطار الاجتماع العالمي للوسط الديمقراطي، وذلك بعد أن ألقت الأزمة المالية العالمية بظلالها مجددا على أوروبا مع دخول الحكومة الإسبانية في مواجهة جديدة مع الشعب بعد موجة احتجاجات شهدتها البلاد مؤخرا اعتراضا على سياسة التقشف، حيث نظم عمال النقل والطلبة والنقابات العمالية إضرابا ومسيرات في ظل خفض الأجور وارتفاع أسعار تعريفة النقل والمواصلات. وجاءت الاحتجاجات عقب إضراب عمال النقل الأسبوع الماضي ومسيرة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة، ومع تفاقم الركود ومكافحة حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي لخفض عجز الميزانية في محاولة لتفادي طلب حزمة قروض إنقاذ دولية. وتؤثر إجراءات خفض الميزانية الحكومية على قطاعي الصحة والتعليم، فضلا عن أجور العاملين بالقطاع العام، علما بأنه من المقرر أن تكشف الحكومة عن برنامج إصلاح اقتصادي جديد الخميس المقبل من شأنه أن يمهد الطريق أمام طلب مدريد تدخل مؤسسات التمويل التابعة لمنطقة اليورو التي وافقت بالفعل على تقديم قروض بـ100 مليار يورو (130 مليار دولار) للمساهمة في إعادة جدولة البنوك المتعثرة في إسبانيا. وفى لشبونة، جرى الإعلان عن الاستعداد لمناقشة بدائل خطة التقشف وذلك في أعقاب اجتماع لمجلس الدولة بالتزامن مع إعلان الحكومة عن خطة للحوار والنقاش مع قادة النقابات والقوى الأخرى لبحث سبل الخروج من الوضع الحالي، وسبق ذلك بساعات أن أكد رئيس الوزراء البرتغالي بيدرو باسوس كويلو تمسكه بإجراءات التقشف الاقتصادي المقترحة رغم تصاعد المعارضة والانتقادات الشعبية لها، مشيرا إلى أن البرتغال لن تستطيع التراجع عن اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وأضاف كويلو أمام البرلمان البرتغالي أن تخلي لشبونة عن التزاماتها الدولية يعني غرقها في «فقر دون نهاية» لمدة 3 عقود مقبلة.

وعن القمة الألمانية - الفرنسية، فقبل خمسين عاما وقف الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول أمام الشباب في مدينة لودفيغسبورغ الألمانية ليؤسس عهدا جديدا من الصداقة الفرنسية الألمانية. كلمات ديغول التي ركز فيها آنذاك على أهمية التعاون بين البلدين بوصفه حجر زاوية في الوحدة الأوروبية، هو ما كررته اليوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ونظيرها الفرنسي فرنسوا هولاند في إطار الاحتفالات بمرور خمسين عاما على خطاب ديغول التاريخي. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقول: «علينا أن لا ننسى تلك الجملة، مهما واجهنا من تحديات اقتصادية ضخمة. شيء واحد فقط سيبقى صالحا، وهو توحدنا نحن أوروبا. فليحيا الشباب الفرنسي الألماني.. فليحيا الشباب الأوروبي». الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يقول: «ما أحوجنا لخلق شروط التنمية من أجل تحكم أفضل في الأسواق ولتعزيز منطقة اليورو وخلق نظام أوروبي جديد للمراقبة، وهذا ما تعمل عليه الآن فرنسا وألمانيا». الرئيس الفرنسي أكد أيضا ضرورة عمل أوروبا على تحقيق وحدة سياسية واجتماعية إلى جانب الوحدة المالية والمصرفية.

وفي مدريد، قال وزير الاقتصاد الإسباني لويس دي غيندوس إن إسبانيا تحتاج إلى نحو 60 مليار يورو لإعادة هيكلة قطاعها المالي؛ وفق تقرير أعدته شركة «أوليفر رايمن» الاستثمارية سيكشف عن نتائجه لاحقا خلال الشهر الحالي.

وقال دي غيندوس في تصريح صحافي إن ذلك يأتي في سياق تقرير أول أعدته الشركة في شهر يونيو (حزيران) الماضي عندما توقعت أن تتراوح تكلفة إعادة هيكلة البنوك الإسبانية بين 51 و62 مليار يورو، في حين توقعت شركة «رولاند برغر» أن تصل التكلفة الإجمالية إلى 51.8 مليار يورو.

وشدد على أن إسبانيا ستتخذ قرارها بشأن طلب المساعدة المالية الأوروبية الثانية بعد الدراسة المفصلة للشروط والواجبات التي سيتعين على مدريد الالتزام بها، فيما لفت إلى أن الحكومة ستتخذ قرارها في هذا الشأن «دون تسرع».

يذكر أن دول مجموعة اليورو وافقت في يونيو الماضي على منح إسبانيا مساعدات مالية تصل إلى 100 مليار يورو لإنقاذ قطاعها المالي واستعادة ثقة المستثمرين بالاقتصاد الإسباني والاستقرار المالي لمنطقة اليورو، فيما كان صندوق النقد الدولي توقع أن تبلغ حاجة البنوك الإسبانية 40 مليار يورو. وكانت إسبانيا تعاقدت مع شركتي «أوليفر وايمن» و«رولاند برغر» لتقدير التكلفة الإجمالية المطلوبة لإتمام عملية إصلاح البنوك الإسبانية، فيما من المتوقع أن يتم الكشف عن نتائج تقاريرهما في 28 سبتمبر (أيلول) الحالي.